من طرف المناهج والبيئة
احتلت شؤون البيئة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية حيزا كبيرا من اهتمامات المخططين والمسؤولين في الدول المختلفة والمنظمات العالمية خلال العقدين الأخيرين، وتشكلت الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تهتم بالبيئة بشكل مباشر وغير مباشر، بل وشاركت بعض هذه المنظمات في حكومات غربية وشكلت عوامل ضغط سياسي واقتصادي واجتماعي ذات تأثير كبير. وفي العالم العربي كما في بقية دول العالم برزت جمعيات بعضها قديم العهد وبعضها الآخر واكب الاهتمام العالمي بهدف تنمية الوعي البيئي للمواطن وتركيز اهتمام المسؤولين نحو بعض القضايا البيئية، وظهرت كذلك وزارات البيئة كوزارات متخصصة في الكثير من الدول العربية، ولا تكاد تخلو وزارة أو مؤسسة أو مديرية من قسم يعنى بالشؤون البيئية بشكل أو بآخر.
أما على صعيد المناهج التعليمية فإن الاهتمام بدا واضحا في مناهج العلوم بفروعها وغير مباشر في الكثير من المناهج الأخرى بعد أن كان خجولا قبل حركات التطوير التربوي التي شهدتها الأعوام العشرة الماضية.
ولكن، هل الوعي البيئي واتجاهات الطلبة بخاصة والمواطنين بعامة هي بالمستوى المطلوب؟، لن نقارن الحال لدينا بمثيله في أوروبا، ولكن لنفكر في إجابات لبعض الأسئلة التي تكشف الواقع غير المرضي لدينا: هل يترك المتنزهون أماكنهم نظيفة من النفايات؟ هل يتورع راكب السيارة أو الحافلة عن إلقاء أكياس نفاياته لتتناثر فوق مساحة كبيرة فيصعب جمعها؟ هل هناك رادع داخلي يمنع الطالب من تمزيق كتبه ودفاتره ونثر أوراقها في ساحة مدرسته والشوارع المحيطة ابتهاجا بانتهاء العام الدراسي؟ هل تلتزم المصانع بالبنود التي تفرضها الدوائر المختصة بتنفيذ قانون تقييم الأثر البيئي؟ هل حال هوائنا ومائنا وتربتنا كما يجب أن يكون؟ هل نحافظ كما يلزم على التنوع الحيوي في بلدنا؟ باختصار، هل حال البيئة لدينا على ما يرام؟ إن المجيب عن هذه الأسئلة سيفتخر ولا ريب ببعض الإنجازات في مجال التشريعات والقوانين وتشكيل اللجان والمؤسسات ذات العلاقة، ولكنه سيصطدم بالواقع المر إذا ما حاول استكشاف أثر ذلك في الميدان، وعند البحث عن السبب تبرز عوامل كثيرة على رأسها غياب الوعي البيئي الذي إن تمت تنميته لدى طلبتنا صغارا، ترعرع معهم كبارا حين يصبحون في مواقع المسؤولية واتخاذ القرار، مما يدفع بحال البيئة إلى الأمام ويقربنا كثيرا مما نتمنى ونحلم.
وما ذكر سابقا عن طرح المواضيع البيئية في بعض المناهج سواء بشكل وحدات منفصلة كما في مناهج العلوم أو مواضيع جانبية كما في التربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الاجتماعية ليس بكاف لتنمية الوعي البيئي المنشود؛ لابد من منهاج مستقل تحت مسمى التربية البيئية يقدم للأطفال من الروضة الثانية حتى الصف السادس الابتدائي، فقد قالوا قديما: " العلم في الصغر كالنقش في الحجر ".
وفيما يلي وصف مقترح لمنهاج في التربية البيئية للصفوف المذكورة أعلاه مع ملاحظة أن محتوى المنهاج والأنشطة وأوراق العمل اللازمة والتقييم موجودة لدى كاتب هذا الموضوع لمن يهمه الأمر: الخطوط العريضة لمنهاج مقترح في التربية البيئية:
(أ) الأهداف العامة للمنهاج:
1- أن يحافظ الطالب على الموارد البيئية المتاحة.
2- أن يحث الطالب أقرانه وأفراد عائلته على التعامل السليم مع الموارد البيئية.
3- أن يوضح الطالب للمحيطين به دور عملية التدوير في دعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على نظافة البيئة.
4- أن يتمثل الطالب مفهوم التنمية المستدامة لموارد البيئة.
5- أن يشارك الطالب في حملات التوعية البيئية بفاعلية.
6- أن يساهم الطالب بكفاءة في حملات الحفاظ على البيئة من نظافة وزراعة نباتات الزينة وعناية بالغابات والحيوانات والنباتات البرية.
7- أن ينتمي الطالب إلى الجمعيات التي تعنى بشؤون البيئة.
(ب) المدة الزمنية:
يمكن تمرير المواضيع والأنشطة البيئية لأطفال الروضة الثانية، وتخصيص حصة صفية واحدة للطلبة من الصف الأول إلى السادس الابتدائيين كل أسبوع على أن تدخل علامة الطالب التي يحصل عليها في حساب معدله العام وذلك لإضفاء الأهمية والجدية على المادة.
(ج) المحتوى:
تتكرر مجموعة من المواضيع البيئية من صف لآخر بدءا بالروضة الثاني وانتهاء بالصف السادس الابتدائي بحيث تتدرج حسب المستوى العمري للطالب مراعية قدراته العقلية والجسدية، وذلك لتعزيز المفهوم المطروح وضمان تحوله إلى قيمة وسلوك يلازمانه مستقبلا. والمواضيع المطروحة في المنهاج (مع ملاحظة وجودها مرتبة حسب الصف لدى كاتب المقال) هي: التدوير، جولة للتعرف على الموارد المحيطة، تحضير مبيد حشري منزلي، تلوث الماء، تلوث الهواء، تلوث التربة، دور الأمانة أو البلدية في تحسين صورة البيئة (الأنفاق والحدائق)، التلوث الضوضائي، نفايات في كل مكان، أهمية الغابات، الموارد الطبيعية، أين تذهب نفاياتنا، في إثر سيارة جمع النفايات (رحلة للتعرف على مصير النفايات الصلبة)، تسميد التربة، النباتات البرية الطبية، جولة في متنزه قومي، تدوير النفايات الصلبة، مكبات النفايات الصلبة، تدوير الورق، الرمي العشوائي للنفايات، تصنيف النفايات الصلبة، نحو غابات أكثر، أهمية الحراج، طيور محلية، طيور مهاجرة، المياه العادمة، محطات معالجة المياه العادمة، بيئة مثالية (حلم)، مصانع صديقة للبيئة، تقييم الأثر البيئي، الشعاب المرجانية، التنوع الحيوي، التصحر، المطر الحمضي، ثقب الأوزون.
(د) الأنشطة والوسائل:
1- أوراق عمل تحتوي على أنشطة داعمة للمحتوى.
2- رسائل إلى ولي الأمر لدمجه في تنمية وعي ابنه ولفت انتباهه إلى الممارسات الخاطئة والصائبة ذات العلاقة بالبيئة.
3- جولات ميدانية إلى الأماكن ذات الصلة بالموضوع.
4- محاضرات وندوات يقدمها مختصون في مجالات البيئة.
5- تقارير وأبحاث.
6- عضوية جماعية في بعض الجمعيات البيئية.
7- حملات متنوعة ذات علاقة بشؤون البيئة.
مع العلم بأن هذه الأنشطة مثبتة في الكتاب المدرسي بالإضافة إلى طرح قضايا بيئية محلية وعالمية للمناقشة والبحث.
(هـ) التقويم:
تقويم مستمر بشكل أسئلة في نهاية كل نشاط، اختبارات دورية ونهائية مماثلة للمباحث الأخرى.
وإذ أنوه إلى أن هذا المكان لا يتسع لتفاصيل المنهاج المقترح، أتمنى على ذوي العلاقة والاختصاص إيلاء مزيد من الاهتمام بموضوع التربية البيئية والوعي البيئي لما في ذلك من خير للوطن والمواطن.
