من طرف عثمان سليمان 8/7/2010, 17:53لم تلق مشكلة التلوث في سورية حتى الآن الاهتمام الكافي من كافة القطاعات والجهات المعنية، رغم تعاظم التلوث البيئي في كل المدن والمحافظات دون استثناء، وخصوصاً في المنطقة الساحلية
حيث تتوضّع شركات ومعامل اقتصادية إنتاجية ضخمة تفرز العديد من الملوثات التي تهدد الحياة البيئية بما فيها الإنسان دون أي رقابة بيئية تذكر أو حتى متابعة حثيثة لهذا الواقع المتردي الذي يحتاج إلى إجراءات ملموسة حفاظاً على بيئتنا الساحلية.
وللوقوف على الواقع البيئي والتلوث الحاصل في الساحل السوري (محافظة طرطوس نموذجاًُ)
الساحل محكوم عليه بالإعدام بيئياً
تعاني المنطقة الساحلية عموماً ومدينة بانياس في محافظة طرطوس خصوصاً من ملوثات عديدة تهدد واقعها السياحي والأثرى، فالمنطقة الساحلية محكوم عليها بالإعدام بيئياً وهذا ما أكده معظم الذين التقيناهم في المنطقة سواء من المواطنين أو من المسؤولين عن قطاعات إنتاجية في المنطقة، حيث تتوزع فيها منشآت اقتصادية ونفطية وكهربائية وجميعها من النوع الضار بيئياً لأنها تنفث كميات كبيرة جداً من هباب الفحم خصوصاً في سماء المنطقة القريبة من الساحل، حيث تتوزع شركات النفط (المصفاة وشركة نقل النفط ) ومحطة توليد كهرباء بانياس ومعمل الإسمنت إضافة إلى الملوثات الأرضية المتمثلة بالمجاري ومخلفات تلك الشركات التي تسبب تلوّثاً للشواطئ
ونشير هنا إلى أن نسبة التلوث في مدينة بانياس وحسب تقارير دولية وصلت إلى أكثر من 70% بالمئة وهي أكثر مدينة على ساحل البحر المتوسط تلوثاً، ومن هنا يمكن لنا أن نقدر حجم الكارثة البيئية التي تتعرض لها خصوصاً هذه المدينة الساحلية التي يفترض أن تكون سياحية وأثرية أيضاً, وكل ذلك انعكس بشكل أو بآخر على صحة المواطن عموماً في الساحل السوري فقد كثرت حالات الإصابة بالربو الصدري والأمراض التحسسية، والأخطر من ذلك انتشار وارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الخبيثة كالسرطان والأمراض القلبية التي وصلت حدوداً كارثية، وللإشارة فإن قرية واحدة في مدينة بانياس وهي "خربة سناسل" لا يزيد عدد سكانها عن 600 نسمة يوجد فيها أكثر من 20 حالة مرض بأورام خبيثة وسرطانية، سببت وفاة العديد منهم جراء ارتفاع نسبة التلوث التي أكدها العديد من الأطباء في المنطقة.
المناطق المحيطة بالمصفاة ملوّثة بالغازات السامة
إن الأبحاث التي أجريت على القرى والبلدات المجاورة لشركة مصفاة بانياس ومنها على سبيل المثال قرى( الزوبة ـ بارمايا ـ العصيبة ـ خربة سناسل ـ ابتلة سربيون ـ حريصون ـ دير البشل وبعمرائيل ) والتي تقع على ارتفاع من 50 إلى 300 متر عن مستوى المصفاة, أكدت على وجود تلوث كبير بالغازات السامة في تلك القرى بسبب "الهباب" المتصاعد من المداخن العالية, ولدى تحليل عينات من الحبوب التي توضع على أسطح المنازل في نفس المواقع من قبل مديرية صحة طرطوس تبين تلوثها بالمعادن الثقيلة وعلى رأسها( الرصاص والكادميوم والزئبق) بدرجات ليست قليلة والتي ما من شك أن أحداً يجهل تأثيراتها السامة على صحة الإنسان وحياته.
فهل تستدرك الجهات المسؤولة وفي مقدمتها وزارة النفط والثروة المعدنية ووزارة الإدارة المحلية والبيئة الأمر وتكون لهم بصمة فاعلة لإبقاء هذا الصرح الإنتاجي نعمة لا نقمة ؟ فوزارة النفط مطالبة بتطبيق جميع الوسائل الحديثة لإيقاف هذا التلوث الضار على صحة العامل وعلى البيئة المجاورة كما أن وزارة الإدارة المحلية والبيئة مطلوب منها التحقيق في هذا الموضوع وفرض الحلول المناسبة لها قبل أن نترحّم على الكثير من أبناء المنطقة الذين أكدوا لنا ارتفاع نسب الإصابة بالإمراض الخبيثة.
عمال المصفاة: التلوث سبب لنا عجزاً صحياً بلغ 35 %
يبدو أن الآثار البيئية الخطيرة التي تخلفها شركة مصفاة بانياس لتكرير النفط لم تؤثر على المناطق المحيطة بها بل سببت كارثة صحية لعمالها، والتي تؤكد مصادرهم أن الفحوصات الطبية لعمال الشركة جاءت بنتائج لا تحمد عقباها، فقد أشارت نتائج فحوصات السنوات القليلة الماضية إلى ارتفاع نسب العجز الصحي لدى أغلبية عمال الشركة إلى ما بين 10 إلى 35 %.
وقال بعض عمال الشركة الذين التقيناهم خارج الشركة لعدم السماح لنا بالدخول إليها أو لقاء مديرها العام بحجج واهية وبطلبات ومراسلات تعجيزية إنهم اعتادوا على الأجواء الملوثة بغاز الكبريت السام والذي قلّما يخلو أيّ موقع عمل في المصفاة منه، وتبين أن معظم شكاوى العمّال كانت تتمحور حول الاختلالات التنفسيّة والصدريّة إلى جانب شكاوى بصريّة مختلفة إضافة إلى ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض السرطانية، ولا شك أن وراء كل ذلك الهواء الملوث بالغازات المختلفة سواء المخرّشة أو الخانقة أو الضبابيّة أو السامّة.
ونتساءل هنا: هل نعالج المشكلة بدفع تعويضات للعمّال المتضرّرين بحيث تتماشى مع نسب العجز الموجودة لديهم أم نتدافع الخطى من أجل كبح جماح هذا التلوث الكبير والحفاظ على صحة عمالنا لاسيما وأنهم عماد الإنتاج فيها؟.
تلوث الشواطئ خطر يداهم الساحل السوري عموماً
شكاوى عديدة أطلقها المواطنون في المنطقة الساحلية مفادها ضرورة المحافظة على نظافة الشواطئ وجماليتها، هذه المنطقة السياحية التي تتعرض اليوم لأنواع كثيرة من الملوثات سواء المتعلق منها بمد خطوط الصرف الصحي إلى الشواطئ القريبة من مراكز المدن أو البلدات المحيطة به أو عمليات الصيد الجائر للأسماك بطرق كيميائية محرّمة ومؤذية لصحة الإنسان.
وكثيرون هم الأشخاص الذين أصيبوا بالتسمم بعد تناولهم السمك بسبب ملوثات عديدة تلقى في البحر من مخلفات المعامل والشركات والمنشآت الأخرى, وهذه المخلفات تلوّث البيئة البحرية وتؤثّر على حياة الحيوانات البحريّة ويمكن أن تؤثّر على صحة الإنسان أيضاً.
رغم كل النداءات والتحذيرات من خطورة المقالع الصخرية على المنازل القريبة والزراعات والبيئة المحيطة بها في بانياس، لا يزال تجاهل هذه التحذيرات قائماً ولا تزال المقالع المنتشرة على مساحة واسعة من ريف المدينة تعمل على هواها دون أي ضابط بيئي أو حتى وازع أخلاقي.
هذه المقالع التي تتوزع على محور أراضي قرى (العصيبة ـ بلوزة ـ العنينيزة ـ بارمايا) وعددها ثلاثة مقالع للقطاع الخاص وآخر حكومي تقوم بعمليات الحفر والردم والتفجير لتكسير في الأراضي الزراعية التي تتبع لتلك القرى حتى اقترب خطرها أو داهم المنازل المجاورة التي يعاني سكانها من أصوات الانفجارات القوية، إضافة إلى أن هذه المنازل باتت مهددة بالانهيار وأصحابها قدّموا العديد من الشكاوى واعترضوا، لكن شكواهم ذهبت أدراج الرياح علماً أنّ المشكلة صارت ملفاً أُحيل إلى هيئة الرقابة والتفتيش منذ سنوات عديدة، وحتى الآن لم يصدر أي قرار يشير إلى متابعة جديّة للموضوع.
مجموعة من المواطنين في المنطقة أفادونا بأنهم تقدموا بعدة دعاوى قضائية على أصحاب هذه المقالع للتعويض لهم عن الأضرار البيئية التي سببوها لهم، وطالبوا الجهات المختصة بإغلاق هذه المقالع أو نقلها خارج حدود القرى ولكن دون جدوى؟ فمتى تحرك الجهات المختصة في محافظة طرطوس بشكل جدّي وفعّال من أجل النظر في هذه المسألة؟
وحدة البيئة في معمل إسمنت طرطوس لا تستطيع فعل أي شيء
غبار متصاعد وأكوام وتلال من الإسمنت على الطرقات ومداخل الأقسام، عمال يعملون في ظروف بيئية وصحية صعبة للغاية، مناطق محيطة أشبه بصحراء رملية وواقع بيئي مرير، هذا هو حال معمل إسمنت طرطوس.
بالعودة إلى مدينة بانياس حيث تتركز فيها معظم المعامل والشركات ومنها أيضاً محطة توليد الكهرباء التي تسبب جرّاء تشغيلها على الفيول تلوثاً بيئياً كبيراً لسكان المنطقة، وخاصة مع ارتفاع أبراجها العالية مما يعني توسّع دائرة التلوث التي تصيب المنطقة وهناك العديد من الشكاوى أمام الجهات المعنية لمعالجة هذه الظاهرة عن طريق تشغيلها على الغاز الطبيعي، وقد وعدت الجهات المسؤولة منذ عدة سنوات بالبدء بهذا المشروع، لكنّه حتى الآن لم ينفذ، فما هي الأسباب وماذا عن المشروع ذاته ؟
ويبقى السؤال العريض الذي يطرحه كل مواطن في الساحل، إذا كانت المنطقة الساحلية هي منطقة سياحية وزراعية أولاً، لماذا لا تحظى بالاهتمام الكافي من الجهات المعنية لدعم قطاع السياحة، وبالتالي التخلص من المعامل والمنشآت الملوثة للبيئة لأن قطاع السياحة لا يقل ريعية اقتصادية عن باقي المنشآت، فالمطلوب اتخاذ قرارات شجاعة بالنظر إلى أهمية حياة الناس والبيئة معاً لأنهما مقدسان في كل دول العالم--
