(دير الشيروبيم)
هذا الصرح الأثري السياحي الذي يعانق السحاب يعتلي أعلى قمم القلمون الشرقية السورية على ارتفاع 2000 م عن سطح البحر والشيروبيم كلمة آرامية الأصل معناها الملائكة وهي مركبة من «الشيروب» أي الملاك والـ «بيم» علامة الجمع وقد سمي هذا الدير على اسم هؤلاء الملائكة ليكون هذا المكان المرتفع هيكلاً للرب وليكون العائشين فيه مشابهين الملائكة في السيرة والخدمة ومن قمة هذا الدير يستطيع الزائر أن يرى دمشق والنبك وسهل البقاع وجبال صنين والشيخ مسكين.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الدير مؤلف من قسمين مختلفي الشكل والنوعية: القسم الأول ويضم سلسلة من المغاور المحفورة والقسم الثاني يضم أبنية ضخمة أما المغاور فيلاحظ أنها قسمين قسم يشكل مغاور لحياة شركوية "مشتركة" رهبانية وقسم آخر لحياة أكثر توحداً "إفرادية" حيث يتواجد بجانبها مدّرج خاص لاجتماع الرهبان مع الشيخ الروحي لأخذ التعاليم وهي محفورة حوالي القرن الثالث.
يذكر الدير شهاب الدين العمري في كتابه مسالك الأبصار في جملة ديارات الشام حيث قال: «هو دير مار شريف يقصد للتنزه من بناء الروم بالحجر الأبيض الجليل وهو دير كبير وفي ظاهره عين ماء سارحة وفيه كوى وطاقات تشرف على غوطة دمشق».
وذكره أيضاً الرحالة الغربي بوكوك قائلاً: أنه حين صعد إليه عام 1727م كان مأهولاً وفيه راهب واحد وكنيسة عامرة. ويعود العمران فيه ليكون ديراَ مزدهراَ وناشطاَ إلى القرن السادس الميلادي أيام الإمبراطور الرومي جوستنيانوس (527-565).
أتت عوادي الدهر وعوامل الزمن على هذا الدير فخُرب وبقي معروفاً في تسمية شعبية بدير شربيم أو شربين ثم أعادة رئيسة دير سيدة صيدنايا الأم كاترين أبي حيدر الحياة لهذا الدير بدءاً من عام 1982 بالتشجير والعمران واليوم يستمر الاهتمام بهذا الدير من قبل صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم) الذي كلف قدس الإرشمندريت يوحنا التلي مع أخويته الرهبانية لمتابعة التنمية الروحية والعمرانية والخدمية لهذا الدير العريق. فأضيف إليه أبنية جديدة؛ وتم عمران بوابة كبيرة وجميلة، خاصة أن حجارتها الضخمة هي من بوائد حجارة الدير الذي يحتوي أنقاض على حجارة قديمة كثيرة تُستعمل كلها مع العمران الجديد.
(دير سيدة صيدنايا البطريركي، صيدنايا)
يحتل دير السيدة المركز الثاني في الأهمية بعد القدس الشريف من حيث عدد زائري الأماكن الدينية في الشرق.
يتربع الدير على رابية عالية تشرف على قرية صيدنايا، فيه مكتبة تضم العديد من الكتب المخطوطة الثمينة التي تبيّن أن عهد بناء هذا الدير يرجع إلى حوالي سنة 547م.
لمحة تاريخية:
يروي المؤرخون أن الأمبراطور البيزنطي يوستنيانوس الأول لما خرج بجيوشه لمهاجمة الفرس، مرّ بطريقه عبر سوريا فوصل إلى صحرائها حيث عسكر الجند مع خيولهم ومعداتهم، ولكن ما لبث أن فتك بهم العطش نظراً لقلة المياه في تلك البقاع. وفيما هم على هذه الحالة المؤلمة، إذ بأنظار الملك تقع من بعيد على غزالة شهية للصيد، فأخذ يطاردها بحماس شديد حتى أن التعب كاد أن ينهكها، فوقعت على رأس تل صخرية، ثم اتجهت صوب ينبوع ماء عذب متدفق رقراق. وهناك لم تترك الغزالة للصياد أي فرصة ليطلق السهام عليها بل فجأةً تحولت هيئتها إلى أيقونة للسيدة العذراء يشع منها نور عظيم ... وخرجت من الأيقونة يد بيضاء وامتدت عن بعد نحو الملك الصياد، وقالت له: لن تقتلني يا يوستنيانوس ... ولكنك ستشيد لي كنيسة هنا على هذه الرابية ... عادت العذراء "الغزالة ثانية" وظهرت ليوستنيانوس مرة ثانية في الحلم وأرشدته إلى تصميم فخم، ويقال أن هذا الرسم يمثل نفس الهندسة التي بني عليها هذا الدير الشريف الذي لا يزال لليوم محتفظاً بعظمته وجماله البيزنطي.
وقد جُسدت هذه الحادثة من خلال لوحة فنية غاية في الروعة، معلقة فوق مقام الشاغورة الحالي. وهي من رسم فنان يوناني، تتحدث عن الكيفية التي بُني فيها الدير، والرسم المشار إليه أكثر تعبير من النص.
مقام الشاغورة هو القسم الأهم في دير السيدة، وهو غرفة صغيرة مظلمة تُضاء بالشموع والزيت أبداً، ذات سقف معقود تتدلى منه مصابيح عديدة مملوءة بالزيت. في جدارها الشرقي كوة ذات شبك من الفضة فوقه قطع وسلاسل ذهبية وفضية وصلبان مختلفة الأشكال مما قدمه الزوار في مختلف الأزمان.
تُحفظ أيقونة السيدة مريم العذراء، وراء هذا الشبك المسدود وفي داخل طاق محفور في الجدار، وهي إحدى النسخ الأصلية للأيقونات الأربع التي رسمت بيد الرسول لوقا البشير، وتلقب بالسريانية "شاهورة أو شاغورة" ومعناها "المعروفة والذائعة الصيت". يوجد في المقام أيقونات فنية للعذراء وغيرها، يرجع تاريخها إلى القرن الخامس والسادس والسابع الميلادي. وعن هذا المكان روت الكتب القديمة قصصاً وحكايات عن هذه الأيقونة العجائبية، فكم من سقيم شفته وكم من مصاب أبرأته.
أما الكنيسة، فهي كبيرة حسنة البناء. وروى الأب يسون اليسوعي 1660م إنها تماثل أعظم كنائس فرنسا وأجملها. يفصل الهيكل عن صحن الكنيسة حامل أيقونات "أيقونسطاس" من الخشب الملون والمحفور، يماثل في روعته أجمل ما تضم كنائس العالم، ويعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، ويقع أمام الهيكل ووراءه فرش من الفسيفساء الملونة تمثل بعض الحيوانات، وهو غاية في الجمال. تحوي الكنيسة كذلك العشرات من الأيقونات القديمة النادرة تعتبر كنز من الناحية الأثرية. للكنيسة ثلاث قباب بديعة أكبرها القبة الوسطى التي تتخللها الشمس من كل الجهات. في سنة 1728م، وجد السائح الروسي بارسكي أن الكنيسة تشبه كنيسة طور سيناء بل تفوقها جمالاً. جُددت الكنيسة سنة 1780م.
يضم الدير بين جنباته العديد من الغرفة. يدخل الزائر إلى الدير عبر باب صغير مصنوع من الخشب السميك المصفح بالحديد.
أهم أقسام الدير وأجنحته:
المتحف والمكتبة: يقع إلى جوار مقام الشاغورة، ويحتوي على كمية كبيرة ومتنوعة من الأواني والبدلات والأيقونات والكتب المقدسة، حيث جُمع فيه كل ما يمكن اعتباره عناصر تحكي تاريخ الدير.
دائرة الرئاسة: وتقع قبالة الباب الغربي للكنيسة، وتعتبر بمثابة مقر القيادة المباشر للدير. وتتألف من عدة غرف مع فسحة سماوية، فيها مكتب ومقر إقامة رئيسة الدير ومساعدتها مع غرفة استقبال الزوار.
الميتم: يقع الميتم في القسم الشمالي الغربي للدير، يضم حالياً 35 فتاة يتيمة، يتلقين فيه كل العطف والعناية الاجتماعية والتربوية والصحية، ويفسح المجال أمامهن لمتابعة الدراسة.
حارة الراهبات: تقع في جوار الكنيسة وتتألف من عشرات الغرف، ولكل راهبة غرفة خاصة بها. يضم الدير حالياً 39 راهبة، يهتممن بخدمة الشاغورة والكنيسة والميتم والزوار ... الخ.
دور الضيافة: تضم مجوعة كبيرة من الأجنحة والغرف المخصصة للضيوف من نزلاء الدير، موزعة في كل أرجائه.
يتبع الدير روضة ومدرسة ابتدائية تهتم بتعليم بنات الميتم، بالإضافة إلى 125 طفل آخر من أولاد البلدة. ويسعى الدير لتوسيعها حتى تصل إلى المرحلة الإعدادية.
يملك الدير أراضٍ زراعية كبيرة (حوالي 300دنم) تؤمن للدير القمح والزيتون وكمية كبيرة من الخضراوات والفواكه، كما تؤمن للحيوانات العلف المناسب، إذ يهتم الدير أيضاً بتربية الأبقار والغنم والماعز. وبذلك يكتفي الدير من موارد المزارع في تأمين الطعام.
يعتمد الدير مادياً بشكل رئيس على تقدمات المؤمنين وتبرعاتهم (المادية والعينية) كما يستفيد من موارد الخدم الكنسية التي تتم في الدير.
يساهم الدير في إعانة الكثير من العائلات المريضة، في مساعدة نساء مهجرات من مختلف الأقطار.
(دير القديس جاورجيوس البطريركي، صيدنايا)
يقع الدير على سفح جبل جنوبي البلدة، ويرتقي إلى ما يقارب 1500م. يتألف الدير أساساً من المغارة الرئيسة وكنيسة صغيرة، تعود إلى العصر البيزنطي على أقرب تقدير، يحتمل أن تكون قد بنيت على أنقاض معبد وثني. يعود معظم بنائها الحالي إلى القرن السابع عشر، وتم ترميمها وإصلاحها وتوسيعها مراراً. وتعود كنيسته الحالية غالباً إلى ما بعد 1860م.
وقد أعيد تجديد بناء الكنيسة، خاصة السقف والقبة البيتونية الحالية، في عهد جرمانوس شحادة مطران سلفكياس سنة 1905م، استمرت بعض أعمال الترميم حتى 1909م. كما يتضح من بعض الآثار المتوفرة في الدير.
في الجهة الغربية من الكنيسة يمتد الشعاري على عرض الكنيسة، وهو مبني فوق الصخر مباشرة.
الأيقونسطاس الموجود حالياً حديث العهد، مشغول في الستينيات من القرن الماضي، أيقوناته مؤرخة سنة 1966م. تُحفظ في الدير بعض الأيقونات من الأيقونسطاس القديم، وأبوابه المزينة بالأيقونات.
جرى في الكنيسة بعض التحديث، كتلبيس قبتها بالقرميد، والارتقاء بقبة الجرسية إلى طابق ثالث، مع تلبيس قبة الجرسية بالقرميد، ويعلوها الصليب المقدس، فخر الأرثوذكسيين السرمدي.
المقام الثاني، والأهم، هو مغارة القديس جاورجيوس. وهي عبارة عن طابقين، غرفة عليا ومغارة في الأسفل، يُنزل إلى المغارة من خلال درج محفور في الصخر. تحولت هذه المغارة مؤخراً إلى كنيسة صغيرة خشوعية مزودة بمائدة ومذبح وأيقونسطاس بسيط. هناك مغارة ملحقة إلى جهة الشمال من هذه المغارة، كتجويف صخري شبه مخروطي.
أُلحقت بالمغارة ساحة رحبة مغطاة بسقف قرميدي، وقناطر صخرية جميلة، وبجانبها مكتبة لبيع الكتب الروحية والأيقونات والهدايا الدينية.
الجناح الجديد والتطور العمراني للدير:
في نهاية عام 1995م أراد صاحب الغبطة أغناطيوس الرابع أن يعيد للدير نشاطه الرهباني وحيويته، كامتداد للنهضة الحاصلة في أرجاء الكرسي الأنطاكي، وبخاصة في مجال الرهبنة، فشكل الأخوية الحالية برئاسة قدس الأرشمندريت يوحنا التلي. "وبنعمة الله، ومعونة القديس العظيم في شهداء المسيح جاورجيوس، وبأدعية صاحب الغبطة وصلواته، وبإسهامات الأخوة المؤمنين الغيورين، تمكن الرهبان من بعث الدير من سباته الطويل وأخذت المشاريع العمرانية تتوالى، والصلوات تتعالى إلى الخالق الجواد والبشارة تنشط وتتطور".
فيما يتعلق بنشاط الدير الأهم، وهو النشاط الروحي التبشيري، فإن الدير ينظم لمجموعات من الشبيبة الأرثوذكسية وغيرها، خلوات روحية لعدة أيام، يأتون من مختلف مناطق الكرسي الأنطاكي المقدس، يلتجئون إلى رحاب الدير لتمضية عدة أيام في رياضة روحية تتمحور حول الصلاة والمطالعة والحوارات الروحية واللاهوتية والاعتراف والاسترشاد الروحي، بالإضافة لممارسة بعض الأعمال البسيطة النشيطة والتي تساعد الرهبان أيضاً في تسيير بعض شؤونهم الحياتية في الدير. والأهم هو الاستقاء من الخبرة والمعرفة الروحية لراعي الدير وأبيه الروحي، سائر الرهبان.
تطال هذه النشاطات الروحية اللاهوتية رجال الإكليروس، في أبرشية دمشق بخاصة، فيتم ترتيب لقاءات مع الآباء الروحيين أو اللاهوتيين البارزين لإغناء معارفهم الروحية واللاهوتية وتنميتها.
يعيش اليوم في الدير، بالإضافة إلى قدس الأرشمندريت يوحنا التلي (رئيساً)، والأب الروحي، ستة رهبان، وعدد من الأخوة طالبي التكريس، يحاولون جميعاً الاهتمام بأمور البناء والزراعة، وأعمال أخرى كثيرة.
يعتمد الدير بشكل رئيسي على التبرعات المادية والعينية، بالإضافة إلى واردات وحسنات المؤمنين في الكنيسة والمزار. يُنفق قسم من هذا المبلغ كمساهمات مادية شهرية ثابتة وعابرة لذوي الحاجة، ويساعد قسم آخر منها على إتمام النشاط العمراني في الدير.
يعيد الدير للقديس جاورجيوس في 6 أيار من كل عام.
هذا الصرح الأثري السياحي الذي يعانق السحاب يعتلي أعلى قمم القلمون الشرقية السورية على ارتفاع 2000 م عن سطح البحر والشيروبيم كلمة آرامية الأصل معناها الملائكة وهي مركبة من «الشيروب» أي الملاك والـ «بيم» علامة الجمع وقد سمي هذا الدير على اسم هؤلاء الملائكة ليكون هذا المكان المرتفع هيكلاً للرب وليكون العائشين فيه مشابهين الملائكة في السيرة والخدمة ومن قمة هذا الدير يستطيع الزائر أن يرى دمشق والنبك وسهل البقاع وجبال صنين والشيخ مسكين.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الدير مؤلف من قسمين مختلفي الشكل والنوعية: القسم الأول ويضم سلسلة من المغاور المحفورة والقسم الثاني يضم أبنية ضخمة أما المغاور فيلاحظ أنها قسمين قسم يشكل مغاور لحياة شركوية "مشتركة" رهبانية وقسم آخر لحياة أكثر توحداً "إفرادية" حيث يتواجد بجانبها مدّرج خاص لاجتماع الرهبان مع الشيخ الروحي لأخذ التعاليم وهي محفورة حوالي القرن الثالث.
يذكر الدير شهاب الدين العمري في كتابه مسالك الأبصار في جملة ديارات الشام حيث قال: «هو دير مار شريف يقصد للتنزه من بناء الروم بالحجر الأبيض الجليل وهو دير كبير وفي ظاهره عين ماء سارحة وفيه كوى وطاقات تشرف على غوطة دمشق».
وذكره أيضاً الرحالة الغربي بوكوك قائلاً: أنه حين صعد إليه عام 1727م كان مأهولاً وفيه راهب واحد وكنيسة عامرة. ويعود العمران فيه ليكون ديراَ مزدهراَ وناشطاَ إلى القرن السادس الميلادي أيام الإمبراطور الرومي جوستنيانوس (527-565).
أتت عوادي الدهر وعوامل الزمن على هذا الدير فخُرب وبقي معروفاً في تسمية شعبية بدير شربيم أو شربين ثم أعادة رئيسة دير سيدة صيدنايا الأم كاترين أبي حيدر الحياة لهذا الدير بدءاً من عام 1982 بالتشجير والعمران واليوم يستمر الاهتمام بهذا الدير من قبل صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم) الذي كلف قدس الإرشمندريت يوحنا التلي مع أخويته الرهبانية لمتابعة التنمية الروحية والعمرانية والخدمية لهذا الدير العريق. فأضيف إليه أبنية جديدة؛ وتم عمران بوابة كبيرة وجميلة، خاصة أن حجارتها الضخمة هي من بوائد حجارة الدير الذي يحتوي أنقاض على حجارة قديمة كثيرة تُستعمل كلها مع العمران الجديد.
(دير سيدة صيدنايا البطريركي، صيدنايا)
يحتل دير السيدة المركز الثاني في الأهمية بعد القدس الشريف من حيث عدد زائري الأماكن الدينية في الشرق.
يتربع الدير على رابية عالية تشرف على قرية صيدنايا، فيه مكتبة تضم العديد من الكتب المخطوطة الثمينة التي تبيّن أن عهد بناء هذا الدير يرجع إلى حوالي سنة 547م.
لمحة تاريخية:
يروي المؤرخون أن الأمبراطور البيزنطي يوستنيانوس الأول لما خرج بجيوشه لمهاجمة الفرس، مرّ بطريقه عبر سوريا فوصل إلى صحرائها حيث عسكر الجند مع خيولهم ومعداتهم، ولكن ما لبث أن فتك بهم العطش نظراً لقلة المياه في تلك البقاع. وفيما هم على هذه الحالة المؤلمة، إذ بأنظار الملك تقع من بعيد على غزالة شهية للصيد، فأخذ يطاردها بحماس شديد حتى أن التعب كاد أن ينهكها، فوقعت على رأس تل صخرية، ثم اتجهت صوب ينبوع ماء عذب متدفق رقراق. وهناك لم تترك الغزالة للصياد أي فرصة ليطلق السهام عليها بل فجأةً تحولت هيئتها إلى أيقونة للسيدة العذراء يشع منها نور عظيم ... وخرجت من الأيقونة يد بيضاء وامتدت عن بعد نحو الملك الصياد، وقالت له: لن تقتلني يا يوستنيانوس ... ولكنك ستشيد لي كنيسة هنا على هذه الرابية ... عادت العذراء "الغزالة ثانية" وظهرت ليوستنيانوس مرة ثانية في الحلم وأرشدته إلى تصميم فخم، ويقال أن هذا الرسم يمثل نفس الهندسة التي بني عليها هذا الدير الشريف الذي لا يزال لليوم محتفظاً بعظمته وجماله البيزنطي.
وقد جُسدت هذه الحادثة من خلال لوحة فنية غاية في الروعة، معلقة فوق مقام الشاغورة الحالي. وهي من رسم فنان يوناني، تتحدث عن الكيفية التي بُني فيها الدير، والرسم المشار إليه أكثر تعبير من النص.
مقام الشاغورة هو القسم الأهم في دير السيدة، وهو غرفة صغيرة مظلمة تُضاء بالشموع والزيت أبداً، ذات سقف معقود تتدلى منه مصابيح عديدة مملوءة بالزيت. في جدارها الشرقي كوة ذات شبك من الفضة فوقه قطع وسلاسل ذهبية وفضية وصلبان مختلفة الأشكال مما قدمه الزوار في مختلف الأزمان.
تُحفظ أيقونة السيدة مريم العذراء، وراء هذا الشبك المسدود وفي داخل طاق محفور في الجدار، وهي إحدى النسخ الأصلية للأيقونات الأربع التي رسمت بيد الرسول لوقا البشير، وتلقب بالسريانية "شاهورة أو شاغورة" ومعناها "المعروفة والذائعة الصيت". يوجد في المقام أيقونات فنية للعذراء وغيرها، يرجع تاريخها إلى القرن الخامس والسادس والسابع الميلادي. وعن هذا المكان روت الكتب القديمة قصصاً وحكايات عن هذه الأيقونة العجائبية، فكم من سقيم شفته وكم من مصاب أبرأته.
أما الكنيسة، فهي كبيرة حسنة البناء. وروى الأب يسون اليسوعي 1660م إنها تماثل أعظم كنائس فرنسا وأجملها. يفصل الهيكل عن صحن الكنيسة حامل أيقونات "أيقونسطاس" من الخشب الملون والمحفور، يماثل في روعته أجمل ما تضم كنائس العالم، ويعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، ويقع أمام الهيكل ووراءه فرش من الفسيفساء الملونة تمثل بعض الحيوانات، وهو غاية في الجمال. تحوي الكنيسة كذلك العشرات من الأيقونات القديمة النادرة تعتبر كنز من الناحية الأثرية. للكنيسة ثلاث قباب بديعة أكبرها القبة الوسطى التي تتخللها الشمس من كل الجهات. في سنة 1728م، وجد السائح الروسي بارسكي أن الكنيسة تشبه كنيسة طور سيناء بل تفوقها جمالاً. جُددت الكنيسة سنة 1780م.
يضم الدير بين جنباته العديد من الغرفة. يدخل الزائر إلى الدير عبر باب صغير مصنوع من الخشب السميك المصفح بالحديد.
أهم أقسام الدير وأجنحته:
المتحف والمكتبة: يقع إلى جوار مقام الشاغورة، ويحتوي على كمية كبيرة ومتنوعة من الأواني والبدلات والأيقونات والكتب المقدسة، حيث جُمع فيه كل ما يمكن اعتباره عناصر تحكي تاريخ الدير.
دائرة الرئاسة: وتقع قبالة الباب الغربي للكنيسة، وتعتبر بمثابة مقر القيادة المباشر للدير. وتتألف من عدة غرف مع فسحة سماوية، فيها مكتب ومقر إقامة رئيسة الدير ومساعدتها مع غرفة استقبال الزوار.
الميتم: يقع الميتم في القسم الشمالي الغربي للدير، يضم حالياً 35 فتاة يتيمة، يتلقين فيه كل العطف والعناية الاجتماعية والتربوية والصحية، ويفسح المجال أمامهن لمتابعة الدراسة.
حارة الراهبات: تقع في جوار الكنيسة وتتألف من عشرات الغرف، ولكل راهبة غرفة خاصة بها. يضم الدير حالياً 39 راهبة، يهتممن بخدمة الشاغورة والكنيسة والميتم والزوار ... الخ.
دور الضيافة: تضم مجوعة كبيرة من الأجنحة والغرف المخصصة للضيوف من نزلاء الدير، موزعة في كل أرجائه.
يتبع الدير روضة ومدرسة ابتدائية تهتم بتعليم بنات الميتم، بالإضافة إلى 125 طفل آخر من أولاد البلدة. ويسعى الدير لتوسيعها حتى تصل إلى المرحلة الإعدادية.
يملك الدير أراضٍ زراعية كبيرة (حوالي 300دنم) تؤمن للدير القمح والزيتون وكمية كبيرة من الخضراوات والفواكه، كما تؤمن للحيوانات العلف المناسب، إذ يهتم الدير أيضاً بتربية الأبقار والغنم والماعز. وبذلك يكتفي الدير من موارد المزارع في تأمين الطعام.
يعتمد الدير مادياً بشكل رئيس على تقدمات المؤمنين وتبرعاتهم (المادية والعينية) كما يستفيد من موارد الخدم الكنسية التي تتم في الدير.
يساهم الدير في إعانة الكثير من العائلات المريضة، في مساعدة نساء مهجرات من مختلف الأقطار.
(دير القديس جاورجيوس البطريركي، صيدنايا)
يقع الدير على سفح جبل جنوبي البلدة، ويرتقي إلى ما يقارب 1500م. يتألف الدير أساساً من المغارة الرئيسة وكنيسة صغيرة، تعود إلى العصر البيزنطي على أقرب تقدير، يحتمل أن تكون قد بنيت على أنقاض معبد وثني. يعود معظم بنائها الحالي إلى القرن السابع عشر، وتم ترميمها وإصلاحها وتوسيعها مراراً. وتعود كنيسته الحالية غالباً إلى ما بعد 1860م.
وقد أعيد تجديد بناء الكنيسة، خاصة السقف والقبة البيتونية الحالية، في عهد جرمانوس شحادة مطران سلفكياس سنة 1905م، استمرت بعض أعمال الترميم حتى 1909م. كما يتضح من بعض الآثار المتوفرة في الدير.
في الجهة الغربية من الكنيسة يمتد الشعاري على عرض الكنيسة، وهو مبني فوق الصخر مباشرة.
الأيقونسطاس الموجود حالياً حديث العهد، مشغول في الستينيات من القرن الماضي، أيقوناته مؤرخة سنة 1966م. تُحفظ في الدير بعض الأيقونات من الأيقونسطاس القديم، وأبوابه المزينة بالأيقونات.
جرى في الكنيسة بعض التحديث، كتلبيس قبتها بالقرميد، والارتقاء بقبة الجرسية إلى طابق ثالث، مع تلبيس قبة الجرسية بالقرميد، ويعلوها الصليب المقدس، فخر الأرثوذكسيين السرمدي.
المقام الثاني، والأهم، هو مغارة القديس جاورجيوس. وهي عبارة عن طابقين، غرفة عليا ومغارة في الأسفل، يُنزل إلى المغارة من خلال درج محفور في الصخر. تحولت هذه المغارة مؤخراً إلى كنيسة صغيرة خشوعية مزودة بمائدة ومذبح وأيقونسطاس بسيط. هناك مغارة ملحقة إلى جهة الشمال من هذه المغارة، كتجويف صخري شبه مخروطي.
أُلحقت بالمغارة ساحة رحبة مغطاة بسقف قرميدي، وقناطر صخرية جميلة، وبجانبها مكتبة لبيع الكتب الروحية والأيقونات والهدايا الدينية.
الجناح الجديد والتطور العمراني للدير:
في نهاية عام 1995م أراد صاحب الغبطة أغناطيوس الرابع أن يعيد للدير نشاطه الرهباني وحيويته، كامتداد للنهضة الحاصلة في أرجاء الكرسي الأنطاكي، وبخاصة في مجال الرهبنة، فشكل الأخوية الحالية برئاسة قدس الأرشمندريت يوحنا التلي. "وبنعمة الله، ومعونة القديس العظيم في شهداء المسيح جاورجيوس، وبأدعية صاحب الغبطة وصلواته، وبإسهامات الأخوة المؤمنين الغيورين، تمكن الرهبان من بعث الدير من سباته الطويل وأخذت المشاريع العمرانية تتوالى، والصلوات تتعالى إلى الخالق الجواد والبشارة تنشط وتتطور".
فيما يتعلق بنشاط الدير الأهم، وهو النشاط الروحي التبشيري، فإن الدير ينظم لمجموعات من الشبيبة الأرثوذكسية وغيرها، خلوات روحية لعدة أيام، يأتون من مختلف مناطق الكرسي الأنطاكي المقدس، يلتجئون إلى رحاب الدير لتمضية عدة أيام في رياضة روحية تتمحور حول الصلاة والمطالعة والحوارات الروحية واللاهوتية والاعتراف والاسترشاد الروحي، بالإضافة لممارسة بعض الأعمال البسيطة النشيطة والتي تساعد الرهبان أيضاً في تسيير بعض شؤونهم الحياتية في الدير. والأهم هو الاستقاء من الخبرة والمعرفة الروحية لراعي الدير وأبيه الروحي، سائر الرهبان.
تطال هذه النشاطات الروحية اللاهوتية رجال الإكليروس، في أبرشية دمشق بخاصة، فيتم ترتيب لقاءات مع الآباء الروحيين أو اللاهوتيين البارزين لإغناء معارفهم الروحية واللاهوتية وتنميتها.
يعيش اليوم في الدير، بالإضافة إلى قدس الأرشمندريت يوحنا التلي (رئيساً)، والأب الروحي، ستة رهبان، وعدد من الأخوة طالبي التكريس، يحاولون جميعاً الاهتمام بأمور البناء والزراعة، وأعمال أخرى كثيرة.
يعتمد الدير بشكل رئيسي على التبرعات المادية والعينية، بالإضافة إلى واردات وحسنات المؤمنين في الكنيسة والمزار. يُنفق قسم من هذا المبلغ كمساهمات مادية شهرية ثابتة وعابرة لذوي الحاجة، ويساعد قسم آخر منها على إتمام النشاط العمراني في الدير.
يعيد الدير للقديس جاورجيوس في 6 أيار من كل عام.
عدل سابقا من قبل خريستو في 25/9/2008, 12:25 عدل 2 مرات