[size=29]كما يعرفُ الفجر أنه متبوعٌ بنوم أخفُّ من النعاس
وتعرف كل الطرقات التي تقطعها في طريقك إليّ، أنك قادم إليّ
كما يعرف كل الناس الذين لا يعرفونك وجهتك
وتعرف كل الوجوه الغريبة عنك، والشاخصات ولوحات الإعلانات وصور المطربين والسياسيين بي بقصتي وما جنيت عليك ودون أن ينظر أحدٌ إليك
كما يعرف هاتفي أن صوتك لم يحتجْ لسبعة أيام كي يخلق في أذنيَ حياة كاملة
كما تعرف أرجوحتك أن تُزامن إبحارها مع قهوة صباحية
وتميّز أشجاركَ طعمات كفوفك المختلفة...
بالسهولة التي تستجيب بها أقفالك للمفاتيح
أعرف انك ستأتي
بصبر النحلات العاملات على كسل ملكة مستبدة، أعرف أنك ستأتي
أنتظرك وأعرف أنك ستأتي كما يؤمن متفائلٌ بنبوّة "سين" قادمة
وأعرف أنك ستأتي ، كما عرفت عندما كنت صغيرة أني صغيرة لكن، بيقينٍ كبير، وبأمل كان أكبر مني ومن يقيني
أعرف أنك ستاتي كرسوخ اعتقاد طفلة أنها حين تستيقظ ، سيصبح شعرها أطول مما هو عليه، وتحتال، وتُرجعُ رأسها لمداهُ خلفاً علَّ شعرها يطول وعلّك تأتي، وتعرفُ أنكَ ستأتي
وأعرف أنك ستأتي ، كما أعرف أن الليل سيأتي، وسيكون بمقدوري أن أفتح العتمة وأحدَ صناديقي المُعتّقة، فأُوسّع شقّه شيئاً فشيئاً لاستمتعَ بانكشاف بصيص فريد معلّق بأذناب فراشات ليل، تقدم لي ، وحدي، استعراضاً فريداً من أجمل عروض الرقص بالنور
أعرف انك ستأتي ، كما كنت موقنة أن فأرة الأسنان ستفاجئني أكثر من مفاجأتي بخسارة سنّي الأول، وأني سأجد منها بدلاً من مفقود تحت المخدة
كما تعرف يدي النائمة أنها تستطيع أن تسترخي باتجاه الأرض فلا يقتلها أن تقع في الفراغ، إذ تعثرُ بالأصداف التي أخفيها تحت سريري، وسيمكن لأصابعي أن تمشطها كلما أرادت ، لتحصيل الأمان
أعرف انك ستأتي ، ومعرفتي هذه معرفة مطمئنة قلقة كما أعرف أن غداً سيكون، ولو لم أكن
وأعرف أنك ستأتي كميعاد ربة الخصب، كما يعرف مجرى النهر المحفور بين الصخور أن الماء سيتدفق بين قدميه بشغف، ولو لم يسمح الصيف بظهور العوارض
بيقين مؤمن لا يملك من اليقين غير جدلتين من القمح
أعرف انك ستأتي
كما يعرف الفلكي بالهطل الشهابي،وتعرف الغيوم والضباب كيف يخفيانه جيداً تحت بطانة السر
كما يرفض المخطوف التسليم إلاّ بأن أحداً ما سيأتيَ ويخلّصه
كما تعرف الطيور المهاجرة كيف تضبط ساعتها بحسب توقيت الأرض الدافئة
أعرف أنك ستأتي
كما يعرف السؤال الذي يأبى الخروج عن عتبة فمي كيف يحفر،وأين يجد الرفش والشاهدة
أنتظرك وأعرف أنك ستأتي كما تعرف السلاحف الصغيرة بمجرد أن تخلع عنها قشورها كيف تهجر مدفن الرمل، باتجاه البحر
أعرف أنك مهما تأخرت ستأتي، بنأي ريف الصخر الذي به أعلق كما تعلق أفراخ نسرٍ تحظى بأم تعرف دائماً طريقها إليها..
أؤمن أنك ستأتي كقناعة كل صبي صغير بأن والده أقوى رجل في الكون
كظنّ الأطفال أن والديهما عصيّان على الموت
وكما يعرف الأخطبوط إن نفذت الأقلام كيف يخترع حبره الخاص ويكتب على الماء بالحبر، أعرف أنك ستأتي
أيّها الُمحرّمُ كرقصة تانغو أرجنتينية في العشرينيات من القرن الماضي
أحبك كراقص يعشق الخطر
ويمارس رقصه في الأقبية المهجورة
وأعرف أنك ستأتي كما عرفت هذه الرقصة أن طريقها إلى النور يبدأ من العتمة
وطريقها إلى المسارح يبدأ بالأزقة
كإيمانِ والدٍ أن لا أحد أبداً جديرٌ كفايةً بابنته ، أعرف أنك ستأتي
بقدر كونك بنيّ الذي لم ألده، أعرف أنك ستأتي
وأنتظرك
وأعرف أنك ستأتي كما يعرف حنظلة الذي لا يملك شيئاً، أن يملك القبض على يقين العودة
كما تعرف الغيوم متى تقول كفى، لإشباعها ببخار الماء
كما تعرف الذاكرة الأوتار وتعزف الأوكار
كما يعرف قطار كهربائي أن زحلقته ليست وقفاً على سكة
كما يعرف قطار عادي أنه صاحب امتيازات، فلو دهس رجلاً فجريمته مبررة
كما تتمسك عجوز بتكرار حكاياها نفسها كل مساء وكأنها آخر أسلحتها بوجه الغياب
أعرف أنك ستأتي
كما يعرف العسل الراقد في أسفل عينيك كيف يحتال على الضوء ويخفف من كثافة لونه أكثر فأكثر كلما اقترب من سطحهما وكلما دفعتهُ ضحكتك إلى الفوهة، فوق.
كما تعرف القلادة المتوارثة أنها ستحصد باكورة الدهشة كل مرة ، وتتصيد الإبهار كلما طالعت وجه جيل جديد
كما يعرف الدفتر أنه لن يعود كما كان ما بين فتحه وفتحه مرة أخرى
كما يعرف حائك أفنى عيناه كيف يصبّ إبداعه كله بسجادة لن تكون له
كما يعرف الحائك نفسه أن شيئاً من روحه المدسوس في تحفة لا يُعادل بالمال
أعرف أنك ستأتي
كما يعرف قشر التفاح أن يردّ على سجنه ، بالخلّ!
أعرف أنك ستأتي كما عرفتُ دائماً أن فرحي سيكلفني باهظاً
وكما عرفتُ أنني لا يجب أن أعكر الفرح في لحظة الفرح...بالحسابات
أعرف تماماً أنك ستأتي بنفس الزخم الذي أعرف به أنني لم أحصل أبداً ولن أحصل أبداً على ما بدا أنني حاصلة عليه
أعرف أنك ستأتي ولا أملك من القرائن والأدلة والبراهين والتطمينات مقدار التجرؤ على شبه ابتسامة، ومع ذلك أحيا سلاماً يوسّع رقعاته على خارطة فمي
وأعرف أنك ستدخل من ذلك الباب وأنه بمجرد دخولك، سيخرج الوقت.
[/sizeأ