اشتملت معلَّقة عنترة كغيرها من المعلَّقات على عدَّة أغراضِ ، فقد بدأها بالوقوفِ على ديار عبلة التي أمست
أطلالاً دارسة ، وهو إذ يقفُ ليحيّيها يذكر صاحبتها ويترنّم بمحاسنها، ثمَّ يتمنَّى أن يصيرَ إليها على ناقة ٍ
يسهبُ في وصفها، ثمَّ يلتفتُ إلى خطابِ معشوقتهِ ويطلبُ إليها أن تكثر من الثَّناء عليهِ بما هو أهلٌ له من
المحامد ، ويدخلُ في شعر الفخرِ والحماسة ، وهو لا ينسى في أثناءِ ذلك أن يعودَ لذكرِ عبلة وذكرِ وصيّةِ عمّهِ
له أن يكونَ نعمَ الرَّجل ونعم البطل المنقذ. وينفذُ إلى وصفِ جوادهِ في المعركة وصفاً معبَّراً ثمَّ ينتهي بالاعتذار
إلى عبلة عن واجب الزِّيارة لأنَّهُ أصبحَ في شغل ٍ شاغل بطعانِ الفوارسِ وردِّ كيدِ الأعداء. والأبياتُ المختارة
فيمايلي تمثِّلُ الوقوفَ على الأطلال ثمَّ الفخر والحماسة:
أعياكَ رسمُ الدَّارِ لم يتكلَّمِ ... حتَّى تكلَّمَ كالأصمِّ الأعجمِ
ولقد حبستُ بها طويلاً ناقتي ... أشكو إلى سُفْعِ رواكد جُثَّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي ... وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها... بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
أثني عليَّ بما علِمْتِ فإنني ... سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلمِ
فإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلميَ باسلٌ ... مرٌّ مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقم
فإذا شربتُ فإنني مُسْتَهْلِكٌ ... مالي وعرضي وافرٌ لم يُكلم
وإذا صَحَوْتُ فما أَقصِّرُ عنْ ندىً ... وكما عَلمتِ شمائلي وَتَكَرُّمي
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا بنَةََ مالِكٍ ... إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
يُخبرْك من شَهدَ الوقيعَة َ أنني ... أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم
ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة ُ نِزَالَهُ ... لا مُمْعنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسلم
جادتْ له كفي بعاجل طعنة ٍ ... بمثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّم
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ ... لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ
فتركتهُ جزرَ السباع ينشنهُ ... يقضمنَ حسنَ بنانهِ والمعصم
ولقد حفظتُ وصاة عمّي بالضحى ... إذ تقلصُ الشفتانِ عنْ وضح الفم
في حومة ِ الحربِ التى لا تشتكي ... غَمَرَاتِها الأَبطالُ غيْرَ تَغَمْغُمِ
لما رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهُم ... يتذَامرونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مذَمّم
يدعون عنترَ والرِّماحُ كأنها ... أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهم
ما زلتُ أرميهمْ بثغرة ِ نحره ... ولِبانِهِ حتى تَسَرْبلَ بالدّم
فازورّ من وقع القنا بلبانهِ ... وشكا إليّ بعَبْرة ٍ وَتَحَمْحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى ... وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
ولقد شفى نفسي وأبرأ سُقمها ... قيلُ الفوارس ويكَ عنتر أقدم
عدل سابقا من قبل العصماء في 29/10/2009, 16:55 عدل 1 مرات