وفي دمشقَ آثارٌ من العصرِ الآرامي والروماني ومازالَ الشارعُ الطويلُ ومدخلُ المدينةِ والسورِ وآثارُ معبدِ جوبيتر قائمةً، تذكرُ بازدهارِ المدينةِ في ذلك العصرِ، ويبقى منزل القديسِ "حنانيا" أول مسيحي دمشقي وبوابةُ "بولس" من الآثارِ المسيحيةِ القديمةِ إضافة إلى عشرات الكنائس القديمة، أما الآثارُ الإسلاميةُ فإنها تملأُ المدينةَ كالمساجدِ والمدارسِ والبيمارستاناتِ والخاناتِ والتكايا وهي على حالٍ جيدةٍ.
لقد تزوجَ "سبتيم سيفير" وهو قائدٌ رومانيٌ من ليبيا من أصل قرطاجي ويتكلمُ البونيقيةَ (شقيقة الآرامية) من "جوليا دومنا" الحمصية، أصبح "سبتيم" إمبراطوراً وانتقلت حاشيةُ الملكةِ من حمصَ إلى روما لكي يتجلى تأثيرُ سوريةَ في الحكمِ والثقافةِ بشكلٍ جليٍ، حتى أن الشاعرَ الروماني "جوفينال" قالَ متحسراً ( لقد أصبحَ نهرُ العاصي يصبُّ في نهر التيبر).
وفي ذلك الوقتِ حظيتْ تدمرُ بالمزيدِ من عنايةِ روما، وحازتْ في عهد "كاركلا" عام 212ميلادي على لقبِ مستعمرةٍ رومانيةٍ أي أنها أصبحتْ معادلةً لروما وغيرَ مجبرةٍ على دفعِ الضرائبِ لها.
خلال القرنين الثاني والثالثِ وصلتْ تدمرُ إلى أقصى أمجادها حتى إلى الأناضولِ والشامِ ومصرَ، وكانت حاضرةً ضخمةً لها منشآتٌ ما زالت شاهدةً حتى اليوم على ازدهارها، ولعلَ "معبدَ بل" وهو أكبرُ معبدٍ عُرفَ يبقى الدليلَ القاطعَ على تقدمِ المدينةِ وانتشار سيطرتهِا، كما أن الشارعَ المستقيمَ بما اشتملَ عليه من مخازنَ تجاريةٍ ومصلبةٍ (تترابيل) ضخمةٍ وما جاورَه من سوقٍ (فوروم) ومسرحٍ، إضافةً إلى السورِ الضخمِ وما تلاه من قبورٍ ذاتِ أبراجٍ أو تحتَ الأرضِ دليلُ ازدهارٍ اقتصاديٍ واجتماعيٍ رفيعِ المستوى.
إبانَ انتهاء حكمِ الأسرةِ السيفيريةِ، لم يلبثْ أن أُعلنَ "فيليب العربي" المولود في شهبا إمبراطوراً سوريةً على روما، فعاد العطفُ من جديدٍ على هذا القطرِ، وتجلى ذلك في تشييدِ شهبا (فيليبوبوليس) وفي دعمِ مدينةِ بصرى، ومازلنا نرى في شهبا الطرقاتِ المبلطةَ والمخازنَ والحماماتِ وأقنيةَ المياهِ والمسرحَ والمصلبةَ والمعبدَ ومدفنَ فيليب (الذي لم يُدفن فيه) قائمةً حتى اليوم.
أما بصرى فإنها مدينةٌ عريقةٌ أيضاً، فكانت موطنَ العربِ وبخاصةً الأنباط، ومنذ عام 106ميلادي أصبحت مدينةً رومانيةً هامةً وأصبحت عاصمة للمقاطعة التي أوجدها "تراجان" وسماها المقاطعة العربية.
مُنحت في عهدِ "اسكندر سيفر" لقبَ متروبول (أمهاتِ المدنِ) وأصبحتْ من المراكزِ الهامةِ المتميزةِ بالعمرانِ والمنشآتِ الضخمةِ وكان مركزُها التجاري سببَ ازدهارِها المستمر.
من أهم ما تبقَّى من بصرى في القرنِ الثاني الميلادي المسرحُ وهو الوحيدُ في أنحاءِ العالمِ الذي يتصفُ بالكمالِ، نظراً لأنه بقي محُتفظاً بجميعِ أقسامهِ عندما أُنشئَت عليهِ قلعةٌ إسلاميةٌ، بُني من الحجر البازلتي بقطرِ 102متراً مؤلفٌ من 37 درجة تتسعُ لخمسة عشر ألفِ متفرجٍ ولقد أُزيلتْ المنشآتُ التي كانت قائمةً فوقه، وأصبح جاهزاً لاستقبالِ الزوارِ والاحتفالاتِ الضخمةِ.
ولقد تم الكشفُ في بصرى عن السوقِ الأرضيةِ (الكريبتوبوتيك) وهي رواقٌ تحتَ الأرضِ بطولِ مائةٍ وستةِ أمتارٍ، تُضيءُ هذا الرواق أربع وأربعونَ نافذةً ، وكُشف أيضاً عن الحماماتِ والفورومِ والطريقِ المستقيمِ والمصلبةِ وقوسِ النصر.
أما أفاميا وهي العاصمةُ الثانيةُ للسلوقيين والتي أصبحت بعد عام ستين قبل الميلاد حاضرةً رومانيةً، فان أطلالهَا الرائعةَ نامت باتجاهٍ واحدٍ كأنما بساطٌ سُحب من تحتها على حدِ تعبيرِ أديبٍ سوريٍ نتيجة زلزال دمرها عام 115ميلادي فأعيد إعمارها على الطراز الروماني حتى دمرها نهائياً زلزال عام 1157ميلادي و1172ميلادي.
استقبل سكانُ سوريةَ القدماءُ وهم الآراميون العربُ، المسيحيةَ بكثيرٍ من القناعةِ، واعتنقَ العربُ المناذرةُ والغساسنةُ هذا الدينَ، وأقاموا له الأديرةَ والكنائسَ، وظهرتْ إلى الوجودِ حواضرُ مسيحيةٌ كبصرى وازرع، ما زالتْ آثارُها قائمةً حتى اليوم.
أما الرصافةُ فلقد كانت في العهدِ الروماني مجردَ ثغرٍ، تحرسُ القوافلَ بين دورا أوروبوس وحلب وتراقبُ تحركاتِ الفرسِ، وفي عام 300ميلادي أستشهد فيها ضابطان سوريةن من الفرق الرومانية المساعدة سرج وباخوس, وضمتْ هذه رفاتَ "سرجيوس" الذي أصبحَ قديساً بعد مقتلهِ في عهدِ "ديوكليان"، وحملت اسم "سرجيوبوليس"، ضمنَ أسوارها ما زالتْ تقومُ أطلالُ ثلاث كنائسَ كبرى، أضخَمها كتدرائية القديس "سرجيوس" وكنيسة الشهداء التي ضمت عظام هذا القديس والمدينة محاطة بأسوار ضخمة لا تزال بحالة جيدة وفيها ثلاثة خزانات لجمع المياه أكبرها يستوعب 16 ألف متر مكعب.
منذ القرنِ الخامسِ الميلادي وبعد أن استقرتْ المسيحيةُ بين سكانِ سوريةِ، انتشرتْ ظاهرةُ التنسكِ والتقشفِ، وكان على الرهبانِ أن يعتكفوا في صوامعهم أو في رؤوسِ الجبالِ والمغائر أو على أعمدةٍ، كما تم بالنسبة "لسمعان العامودي" القديس، الذي عاشَ حسب الإعتقاد الشعبي على عامودٍ مدةً تقاربُ الأربعين عاماً.
على أن الفترةَ الإسلاميةَ من تاريخِ سوريةَ العريق تبقى أطولَ الفتراتِ وأهمها، ويبقى الجامعُ الأمويُ أكملَ الأوابدِ الإسلاميةِ وأقدمها، شاهداً على أهميةِ دمشقَ كأولِ عاصمةٍ إسلاميةٍ لأكبرِ دولةٍ عربيةٍ في التاريخ، وأن تصميمَه وضعَ المخططَ الأساسيَ للمساجدِ الإسلاميةِ، وحفلَ لأولِ مرةٍ بصورٍ جداريةٍ فسيفسائيةٍ رائعةٍ، لعلَها تذكّرُ بأحلامِ المسلمينَ بالجنةِ والفردوسِ الموعودِ، وكان عصرُ هشام بن عبد الملك 724-743 ميلادي عصرَ ازدهارٍ معماريٍ كبيرٍ فلقد أنشأَ في بلادِ الشامِ عدداً من القصور، منها قصرُ الرصافة وقصرُ الحير الشرقي، وقصرُ الحير الغربي في الباديةِ جنوب غربي تدمرَ وهما من روائعِ العمارةِ الإسلاميةِ الأولى، استمدت زخارفَها من الفنونِ الساسانيةِ والبيزنطيةِ القائمةِ في ذلك الوقت، ولكنها أخذت طابعاً جديداً هو بدايةٌ للفنِ الإسلامي، ويتحدثُ المؤرخون عن قصرين لهشامٍ مقابلَ الرقةِ وقصرٍ في دمشق، عدا قصرِ المفجرِ والمشتى وغيره في فلسطين والأردن.
وإذا انتقلنا إلى عصورٍ إسلاميةٍ لاحقةٍ فان قلعةَ حلبَ التي أُعيد ترميمُها تبقى مفخرةَ القلاعِ الإسلاميةِ، وفي العصر الأيوبي أنشأَ الملكُ الظاهرُ "غازي بن صلاح الدين" أقساماً كثيرةً في القلعةِ ورمَّم أقساماً أخرى، وحفرَ خندقَها وكُسا سفحَها بالحجارةِ وشيَّد في داخلها مسجداً كبيراً وقصوراً، وعاش في القلعةِ مع زوجهِ "ضيفة خاتون" التي دُفنت فيها بعد موتهِا، قبل أن تُنقلَ رفاتهُِا إلى المدرسةِ الفردوسيةِ.
وليست قلعةُ دمشقَ بأقلِ أهميةٍ، بل أنها تمتازُ بوقوعها على مستوى سطحِ الأرضِ في الزاويةِ الشماليةِ الغربيةِ من مدينة دمشقَ القديمةِ، ولقد كانت قائمةً كتحصيناتٍ منذ عهدِ السلاجقةِ والأتابكةِ، ولكن "الملكَ العادلَ" أخا "صلاح الدين" أمرَ بتشييدِها على شكلِها المستطيلِ الحالي منذ مطلعِ القرنِ السابعِ الهجري، في غربها القصر والحي الملكي، وفيها برجٌ لطيورِ البريدِ (الحمام الزاجل) ودارٌ لسكِ العملةِ ومصنعٌ للسلاحِ وسجنٌ وسوقٌ وحمامٌ وعددٌ من المساجدِ، وكانت القلعةُ مركزَ الدولةِ وقيادةَ الجيشِ، فهي محاطةٌ بأبراجٍ وأبوابٍ ضخمةٍ.
محافظة دمشـــق وغوطتها
مدينة تبعد عن حمص 162كم شمالاً، ومدينة السويداء 124كم ودرعا 101كم والقنيطرة 67كم جنوباً.
تقعُ واحتها الشهيرة بأنها إحدى جنات الأرض والمسماة الغوطة في منطقةِ خطِ طولٍ 36ْو18 دقيقةً شرقي غرينتش وخطِ عرضٍ 33ْ و33 دقيقةً شمالاً، ترتفعُ عن سطحِ البحرِ تدريجاً من أخفضِ نقطةٍ 598متراً في الهيجانةِ والعتيبةِ الى 900متراً في حي المهاجرين.
على مساحة 633كم2، تحُيطُ بها الجبالُ من ثلاثة اتجاهات وتنفتح من جهة الشرق على بادية الشام، فمن شمالٍ وشمال غربٍ جبالِ "عنترَ وقاسيونَ"، وامتدادها شرقاً جبالِ "أبو العطا والضمير"، ومن جنوب شرق الصباتِ البركانيةِ المرتفعةِ في ديرةِ "التلولِ والصفا"، ومن الجنوبِ تلالُ "الكسوةِ" وجبالها البركانيةِ، ومن الغربِ وجنوب غربٍ امتداد جبال لبنان الشرقية الجنوبية المعروفة بجبل "الشيخ أو الحرمون".
هي أقدمُ عاصمةٍ مأهولةٍ في العالمِ حتى اليومِ.
يُعتقدُ كما تدلُ الحفرياتُ الأثريةُ أن الاستقرارَ الإنساني فيها يعودُ للألفِ السابعِ قبلَ الميلادِ، على الأقلِ في التلالِ المحيطةِ بالمدينةِ مثلَ تل أسود 7000 قبلَ الميلادِ وتل الصالحيةِ وتل الغريفةِ وتل الخزامى وتل الرمادِ 5000 قبلَ الميلادِ.
يبلغ عددُ سكان دمشقَ مع ريفها أربعةُ ملايين نسمة حسب إحصاء عام 2002ميلادي يُشكلون نسبة 25.
5% من سكان القطر، بينما لا تتجاوز مساحة المدينة القديمة جزءاً من ألف من مساحة القطر، أي 1.
6 كم2 يحيط بها سور ضم أحياء باب توما والقيمرية والعمارة والشاغور وباب شرقي وحي الأمين
........................................................................................ يتبع
إذا لم يكن إلا الأَسِنَّةُ مركبا فلا رأي للمضطر إلا ركوبها
لقد تزوجَ "سبتيم سيفير" وهو قائدٌ رومانيٌ من ليبيا من أصل قرطاجي ويتكلمُ البونيقيةَ (شقيقة الآرامية) من "جوليا دومنا" الحمصية، أصبح "سبتيم" إمبراطوراً وانتقلت حاشيةُ الملكةِ من حمصَ إلى روما لكي يتجلى تأثيرُ سوريةَ في الحكمِ والثقافةِ بشكلٍ جليٍ، حتى أن الشاعرَ الروماني "جوفينال" قالَ متحسراً ( لقد أصبحَ نهرُ العاصي يصبُّ في نهر التيبر).
وفي ذلك الوقتِ حظيتْ تدمرُ بالمزيدِ من عنايةِ روما، وحازتْ في عهد "كاركلا" عام 212ميلادي على لقبِ مستعمرةٍ رومانيةٍ أي أنها أصبحتْ معادلةً لروما وغيرَ مجبرةٍ على دفعِ الضرائبِ لها.
خلال القرنين الثاني والثالثِ وصلتْ تدمرُ إلى أقصى أمجادها حتى إلى الأناضولِ والشامِ ومصرَ، وكانت حاضرةً ضخمةً لها منشآتٌ ما زالت شاهدةً حتى اليوم على ازدهارها، ولعلَ "معبدَ بل" وهو أكبرُ معبدٍ عُرفَ يبقى الدليلَ القاطعَ على تقدمِ المدينةِ وانتشار سيطرتهِا، كما أن الشارعَ المستقيمَ بما اشتملَ عليه من مخازنَ تجاريةٍ ومصلبةٍ (تترابيل) ضخمةٍ وما جاورَه من سوقٍ (فوروم) ومسرحٍ، إضافةً إلى السورِ الضخمِ وما تلاه من قبورٍ ذاتِ أبراجٍ أو تحتَ الأرضِ دليلُ ازدهارٍ اقتصاديٍ واجتماعيٍ رفيعِ المستوى.
إبانَ انتهاء حكمِ الأسرةِ السيفيريةِ، لم يلبثْ أن أُعلنَ "فيليب العربي" المولود في شهبا إمبراطوراً سوريةً على روما، فعاد العطفُ من جديدٍ على هذا القطرِ، وتجلى ذلك في تشييدِ شهبا (فيليبوبوليس) وفي دعمِ مدينةِ بصرى، ومازلنا نرى في شهبا الطرقاتِ المبلطةَ والمخازنَ والحماماتِ وأقنيةَ المياهِ والمسرحَ والمصلبةَ والمعبدَ ومدفنَ فيليب (الذي لم يُدفن فيه) قائمةً حتى اليوم.
أما بصرى فإنها مدينةٌ عريقةٌ أيضاً، فكانت موطنَ العربِ وبخاصةً الأنباط، ومنذ عام 106ميلادي أصبحت مدينةً رومانيةً هامةً وأصبحت عاصمة للمقاطعة التي أوجدها "تراجان" وسماها المقاطعة العربية.
مُنحت في عهدِ "اسكندر سيفر" لقبَ متروبول (أمهاتِ المدنِ) وأصبحتْ من المراكزِ الهامةِ المتميزةِ بالعمرانِ والمنشآتِ الضخمةِ وكان مركزُها التجاري سببَ ازدهارِها المستمر.
من أهم ما تبقَّى من بصرى في القرنِ الثاني الميلادي المسرحُ وهو الوحيدُ في أنحاءِ العالمِ الذي يتصفُ بالكمالِ، نظراً لأنه بقي محُتفظاً بجميعِ أقسامهِ عندما أُنشئَت عليهِ قلعةٌ إسلاميةٌ، بُني من الحجر البازلتي بقطرِ 102متراً مؤلفٌ من 37 درجة تتسعُ لخمسة عشر ألفِ متفرجٍ ولقد أُزيلتْ المنشآتُ التي كانت قائمةً فوقه، وأصبح جاهزاً لاستقبالِ الزوارِ والاحتفالاتِ الضخمةِ.
ولقد تم الكشفُ في بصرى عن السوقِ الأرضيةِ (الكريبتوبوتيك) وهي رواقٌ تحتَ الأرضِ بطولِ مائةٍ وستةِ أمتارٍ، تُضيءُ هذا الرواق أربع وأربعونَ نافذةً ، وكُشف أيضاً عن الحماماتِ والفورومِ والطريقِ المستقيمِ والمصلبةِ وقوسِ النصر.
أما أفاميا وهي العاصمةُ الثانيةُ للسلوقيين والتي أصبحت بعد عام ستين قبل الميلاد حاضرةً رومانيةً، فان أطلالهَا الرائعةَ نامت باتجاهٍ واحدٍ كأنما بساطٌ سُحب من تحتها على حدِ تعبيرِ أديبٍ سوريٍ نتيجة زلزال دمرها عام 115ميلادي فأعيد إعمارها على الطراز الروماني حتى دمرها نهائياً زلزال عام 1157ميلادي و1172ميلادي.
استقبل سكانُ سوريةَ القدماءُ وهم الآراميون العربُ، المسيحيةَ بكثيرٍ من القناعةِ، واعتنقَ العربُ المناذرةُ والغساسنةُ هذا الدينَ، وأقاموا له الأديرةَ والكنائسَ، وظهرتْ إلى الوجودِ حواضرُ مسيحيةٌ كبصرى وازرع، ما زالتْ آثارُها قائمةً حتى اليوم.
أما الرصافةُ فلقد كانت في العهدِ الروماني مجردَ ثغرٍ، تحرسُ القوافلَ بين دورا أوروبوس وحلب وتراقبُ تحركاتِ الفرسِ، وفي عام 300ميلادي أستشهد فيها ضابطان سوريةن من الفرق الرومانية المساعدة سرج وباخوس, وضمتْ هذه رفاتَ "سرجيوس" الذي أصبحَ قديساً بعد مقتلهِ في عهدِ "ديوكليان"، وحملت اسم "سرجيوبوليس"، ضمنَ أسوارها ما زالتْ تقومُ أطلالُ ثلاث كنائسَ كبرى، أضخَمها كتدرائية القديس "سرجيوس" وكنيسة الشهداء التي ضمت عظام هذا القديس والمدينة محاطة بأسوار ضخمة لا تزال بحالة جيدة وفيها ثلاثة خزانات لجمع المياه أكبرها يستوعب 16 ألف متر مكعب.
منذ القرنِ الخامسِ الميلادي وبعد أن استقرتْ المسيحيةُ بين سكانِ سوريةِ، انتشرتْ ظاهرةُ التنسكِ والتقشفِ، وكان على الرهبانِ أن يعتكفوا في صوامعهم أو في رؤوسِ الجبالِ والمغائر أو على أعمدةٍ، كما تم بالنسبة "لسمعان العامودي" القديس، الذي عاشَ حسب الإعتقاد الشعبي على عامودٍ مدةً تقاربُ الأربعين عاماً.
على أن الفترةَ الإسلاميةَ من تاريخِ سوريةَ العريق تبقى أطولَ الفتراتِ وأهمها، ويبقى الجامعُ الأمويُ أكملَ الأوابدِ الإسلاميةِ وأقدمها، شاهداً على أهميةِ دمشقَ كأولِ عاصمةٍ إسلاميةٍ لأكبرِ دولةٍ عربيةٍ في التاريخ، وأن تصميمَه وضعَ المخططَ الأساسيَ للمساجدِ الإسلاميةِ، وحفلَ لأولِ مرةٍ بصورٍ جداريةٍ فسيفسائيةٍ رائعةٍ، لعلَها تذكّرُ بأحلامِ المسلمينَ بالجنةِ والفردوسِ الموعودِ، وكان عصرُ هشام بن عبد الملك 724-743 ميلادي عصرَ ازدهارٍ معماريٍ كبيرٍ فلقد أنشأَ في بلادِ الشامِ عدداً من القصور، منها قصرُ الرصافة وقصرُ الحير الشرقي، وقصرُ الحير الغربي في الباديةِ جنوب غربي تدمرَ وهما من روائعِ العمارةِ الإسلاميةِ الأولى، استمدت زخارفَها من الفنونِ الساسانيةِ والبيزنطيةِ القائمةِ في ذلك الوقت، ولكنها أخذت طابعاً جديداً هو بدايةٌ للفنِ الإسلامي، ويتحدثُ المؤرخون عن قصرين لهشامٍ مقابلَ الرقةِ وقصرٍ في دمشق، عدا قصرِ المفجرِ والمشتى وغيره في فلسطين والأردن.
وإذا انتقلنا إلى عصورٍ إسلاميةٍ لاحقةٍ فان قلعةَ حلبَ التي أُعيد ترميمُها تبقى مفخرةَ القلاعِ الإسلاميةِ، وفي العصر الأيوبي أنشأَ الملكُ الظاهرُ "غازي بن صلاح الدين" أقساماً كثيرةً في القلعةِ ورمَّم أقساماً أخرى، وحفرَ خندقَها وكُسا سفحَها بالحجارةِ وشيَّد في داخلها مسجداً كبيراً وقصوراً، وعاش في القلعةِ مع زوجهِ "ضيفة خاتون" التي دُفنت فيها بعد موتهِا، قبل أن تُنقلَ رفاتهُِا إلى المدرسةِ الفردوسيةِ.
وليست قلعةُ دمشقَ بأقلِ أهميةٍ، بل أنها تمتازُ بوقوعها على مستوى سطحِ الأرضِ في الزاويةِ الشماليةِ الغربيةِ من مدينة دمشقَ القديمةِ، ولقد كانت قائمةً كتحصيناتٍ منذ عهدِ السلاجقةِ والأتابكةِ، ولكن "الملكَ العادلَ" أخا "صلاح الدين" أمرَ بتشييدِها على شكلِها المستطيلِ الحالي منذ مطلعِ القرنِ السابعِ الهجري، في غربها القصر والحي الملكي، وفيها برجٌ لطيورِ البريدِ (الحمام الزاجل) ودارٌ لسكِ العملةِ ومصنعٌ للسلاحِ وسجنٌ وسوقٌ وحمامٌ وعددٌ من المساجدِ، وكانت القلعةُ مركزَ الدولةِ وقيادةَ الجيشِ، فهي محاطةٌ بأبراجٍ وأبوابٍ ضخمةٍ.
محافظة دمشـــق وغوطتها
مدينة تبعد عن حمص 162كم شمالاً، ومدينة السويداء 124كم ودرعا 101كم والقنيطرة 67كم جنوباً.
تقعُ واحتها الشهيرة بأنها إحدى جنات الأرض والمسماة الغوطة في منطقةِ خطِ طولٍ 36ْو18 دقيقةً شرقي غرينتش وخطِ عرضٍ 33ْ و33 دقيقةً شمالاً، ترتفعُ عن سطحِ البحرِ تدريجاً من أخفضِ نقطةٍ 598متراً في الهيجانةِ والعتيبةِ الى 900متراً في حي المهاجرين.
على مساحة 633كم2، تحُيطُ بها الجبالُ من ثلاثة اتجاهات وتنفتح من جهة الشرق على بادية الشام، فمن شمالٍ وشمال غربٍ جبالِ "عنترَ وقاسيونَ"، وامتدادها شرقاً جبالِ "أبو العطا والضمير"، ومن جنوب شرق الصباتِ البركانيةِ المرتفعةِ في ديرةِ "التلولِ والصفا"، ومن الجنوبِ تلالُ "الكسوةِ" وجبالها البركانيةِ، ومن الغربِ وجنوب غربٍ امتداد جبال لبنان الشرقية الجنوبية المعروفة بجبل "الشيخ أو الحرمون".
هي أقدمُ عاصمةٍ مأهولةٍ في العالمِ حتى اليومِ.
يُعتقدُ كما تدلُ الحفرياتُ الأثريةُ أن الاستقرارَ الإنساني فيها يعودُ للألفِ السابعِ قبلَ الميلادِ، على الأقلِ في التلالِ المحيطةِ بالمدينةِ مثلَ تل أسود 7000 قبلَ الميلادِ وتل الصالحيةِ وتل الغريفةِ وتل الخزامى وتل الرمادِ 5000 قبلَ الميلادِ.
يبلغ عددُ سكان دمشقَ مع ريفها أربعةُ ملايين نسمة حسب إحصاء عام 2002ميلادي يُشكلون نسبة 25.
5% من سكان القطر، بينما لا تتجاوز مساحة المدينة القديمة جزءاً من ألف من مساحة القطر، أي 1.
6 كم2 يحيط بها سور ضم أحياء باب توما والقيمرية والعمارة والشاغور وباب شرقي وحي الأمين
........................................................................................ يتبع
إذا لم يكن إلا الأَسِنَّةُ مركبا فلا رأي للمضطر إلا ركوبها