إسماعيل خليل
الخميس 22 نيسان 2010ما يزال حصر أصناف الكائنات الحية الموجودة في قاع البحار مهمة صعبة للباحثين، في حين يجد البعض في شاطئ البحر ملاذاً لا غنى عنه للتعبير عن أنفسهم وهواجسهم، هذا ما توصلنا إلى معرفته من خلال لقاء نماذج مختلفة من أصحاب تلك الطقوس، ممن يحافظون على ارتياد تلك الأماكن المعروفة على الشريط الساحلي بشكل مستمر.
هناك في مكانهم الهادئ المفضل التقيناهم، وربما لم يستقبلنا إلا فضولهم، فتحدثنا معهم هناك لبضع دقائق عن علاقتهم الخفية، وحديثهم الدائم مع البحر!
صاحب الأعمال التي لا تنتهي والتي أوصلته إلى هنا، وابن الجارة الداخلية محافظة "حمص"، مسافرٌ دائم، اعتبر الشاطئ خلاصاً لم تمنحه حتى طبيعة مدينته الخلابة رغم محاولاته، "منذر أحمد" الذي وجد نفسه منذ عدة أشهر على تلك الصخور، وأوضح عن تأملاته: «يعطي الجلوس إلى جانب البحر نظرة إلى ما وراء الأفق بسبب امتداده البعيد، حيث لا حدود تفصل بين مياهه، ويظلّ يخبئ الغموض بما يحوي في أعماقه، كما يعطي راحة نفسية بعيداً عن هموم الحياة، بما يتجاوز ما تمنحه الطبيعة، فالطبيعة تمثل عناصر معروفة ومحدودة غالباً بجبالها وأشجارها، أما البحر فعلى الرغم من امتداده الأفقي المستوي والبعيد عن تعقيدات الطبيعة، فيمنح شعوراً بالارتياح، لهذا أفضّل الجلوس على شاطئ البحر تاركاً ورائي هموم اليابسة».
"محمد الخليل" حضر من محافظة "دمشق" إلى مدينة "بانياس" منذ حوالي ستة أشهر للعمل، بعد أن غاب شاطئها الرملي، لكنه وجد في الجلوس على صخور الشاطئ الضخمة، فرصة للتعرف على أبجدية لم يفهمها الكثيرون: «أجلس هنا مساء بشكل يومي، وأحياناً
"منذر أحمد" |
هذا ما يقوله بعض ضيوف الساحل، فماذا يقول أبناء المحافظة الساحلية؟ ليست وحدها ظلالنا التي تتبعنا أينما حللنا، بل أيضاً همومنا؛ هذا ما تعلمناه من السيد "عمران علي عيسى" من مدينة "صافيتا"، الذي يقول عما يجده خلال تلك الدقائق بالقرب من الشاطئ: «الجلوس إلى شاطئ البحر يبعث الاطمئنان والراحة النفسية وسكون الروح، لأنّ هيبة البحر تذكّر بعظمة الخالق، كما تعتبر جلسةً مع الذات، فهو مكان له جوه الخاص، ولكن لا أعتبره هروباً من الواقع، لأنّ الإنسان يحمل همومه أينما حلّ، ولا يقلّ تأثير هذه الهموم إلا بتسليم الأمر لله عزّ وجلّ، فحينها يكون العقل هو المسيطر على كلّ شيء، إضافة إلى أنّ البحر يعطي شاعرية ونوعاً من الإلهام لا نجدهما في الطبيعة العادية، وتراودنا أفكار قد لا تخطر
"عمران علي عيسى" |
ثلاث سنوات من الزيارة شبه اليومية للمدرس "عاطف سمعان"، لكنّها تفتقد إلى الشاطئ الرملي، الذي يشعر بأهمية وجوده لكثير من العائلات، والتي لا تتمكن من الوصول إلى الشاطئ الحالي قرب موقع "عمريت"، خاصة مع عدم توافر وسائل النقل العامة، ويعلق على موضوع الجلوس قرب الأمواج والتأمل: «لا أظنّ أنّ هذا هو موضوعك؛ بل إنّ الكثير من الناس يعانون من الوحدة، سواء من المتقاعدين، رجال لا يجدون الراحة في بيوتهم، أو شباب دون عمل، وربما يتمنى هؤلاء وجود أحد يؤنسهم، يرتاحون ويتحدثون معه، فأغلب الأحيان تجد هنا شباباً وصبايا معاً، ونادراً ما تجد شخصاً وحده.
وهناك أشخاص يرتاحون من منظر المياه، لأنّ النظر إليها يريح العيون أينما وجدت، وتسبب نوعاً من الراحة النفسية، فهي نبع الحياة وأساسها، وقد ذكر عن أحد الشعراء العباسيين قوله؛ وكان قد حضر من البادية: "الخضرة والماء والوجه الحسن"، وهو القائل: "عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري"».
إذاً وجودك هنا دليل على أنّ للمياه تأثر نفسي إيجابي؟: «نعم، كما أنّ السبب لوجودي هنا يعود إلى بعض الوحدة ووقت الفراغ؛ لأنّني أقضي وقت فراغي
المدرس "عاطف سمعان" |