نعم.
أنت لست نفسك.
رغم أنك ظللت طوال الفترة الماضية من عمرك وأنت تظن أنك أنت.
ولكن الحقيقة هي أنك أنت لست أنت، وأنت لا تدري
أنت تظن أن نفسك هي أنت.
وأنها هي حقيقة ذاتك.
وأنها هي عين جوهرك وذاتيتك
لأنها هي التي تحدثها، وتسمع لها، كلما أغمضت عينيك.
أو خلوت عن الناس وجلست وحدك.
ولأنها هي القوة القريبة الحاضرة.
التي تباشر التدبير، والنظر في الأسباب، وتحصيل المطالب الحياتية القريبة.
فقد صارت لهذا السبب مألوفة عندك جداً.
حتى صرت تتوهم أنها هي فقط حقيقة باطنك
فترتب على ذلك أثر شديد الخطورة.
ألا وهو أنك تتحمل أمام نفسك مسئولية كل نزواتها وأطماعها وشرهها وحرصها.
وتتحمل تبعة كل تعلقها بالأعراض والأغراض والأهواء.
وكلما هبت عليها رياح الإثم والتدني والوسوسة امتلأ خاطرك أنت بأنك شديد السوء.
وبأنك غارق في مستنقع من الإثم والشعور بالذنب.
وربما تحوّل ذلك إلى قناعة راسخة عندك.
حتى تيأس من نفسك.
وتعتقد بأنك في الحقيقة كائن متسلط.
بعيد عن الطهر والنقاء.
وأنه لا أمل لك في أن تكون في يوم من الأيام كما كان الأكابر من الأتقياء.
وإنما نشأ كل ذلك بسبب ذلك الوهم الشديد المحيط الآسر.
الذي انغمست فيه، ولم تتأمل حقيقته.
حيث تخيلت أن نفسك هي أنت.
بل إنها هي فقط حقيقتك المريرة.
التي لا أمل لك في الخروج منها.
فكلما امْتَلَأَتْ هي بالعناد، أو بالكبر، أو الشحناء، أو الطمع الشديد في المعاصي والمخالفات، أو الانزلاق الجارف إلى البطالة والتراخي والوهن، أو التقاصر عن همم الصالحين، وعزائم الأكابر، ومقاصد الشرع الشريف، ومسالك بناء النهضة وصناعة الحضارة، والسير إلى الله.
توهمت أنك كذلك على الحقيقة.
وأن هذه هي حقيقتك.
فيضعف عزمك.
وتكون أقرب للتصديق بأنك كذلك في الحقيقة.
وتفقد بالتدريج الرغبة في المقاومة والتغيير.
وتستسلم لها.
للأسف.
الحقيقة.
نفسك ليست هي أنت.
بل هي شيء وأنت شيء آخر تماماً.
بل ما هي في الحقيقة إلا واحدة من رعاياك.
وفرد من أفراد مكوناتك.
لكنها تحاول أن تتسلط عليك.
وأن تستأثر بك.
وأن تستولي عليك.
وأن تسخر كل القوى الأخرى المكوّنة لك في أطماعها.
وأن توهمك بأنها فقط حقيقتك وذاتك.
حتى تتلبس أنت بأطماعها.
وتتقمص دورها.
وتسعى في مطالبها على أنها هي مقاصدك أنت.
وهي في كل ذلك ليست أنت.
بل هي أقلّ مكوناتك شأناً.
بل هي خادم لبقية المكونات التي تصنع حقيقتك.
فأين أنت من الروح؟!.
في علويّتها وسموّها.
ونزوعها إلى الملأ الأعلى.
لا سيما وهي النفخة الإلهية الخالصة لقوله تعالى عن آدم: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}
أي من تلك الروح التي خلقها الله وأبدعها
وأين أنت من القلب الحي المشرق؟!
المعمور بالمقاصد الحسنة الخالصة.
القائم بتعظيم جلال الله وتوقيره ومحبته وإجلاله.
فالنفس أمام تلك القوى العظيمة خادم متلاعب.
يسعى إلى السيطرة والانفراد بك.
فانتبه.
وارجع بتلك النفس إلى حجمها الحقيقي.
وانظر إليها على أنها واحد من أولادك ورعاياك الذين تقوم على تربيتهم وتهذيبهم.
ومقاومة سوء أدبهم وأخلاقهم.
والاجتهاد الشديد في إنقاذهم من غفلتهم وتماديهم وتسلطهم على إخوانهم.
وأنت في كل ذلك لا تتحمل أمام نفسك بسوء تصرفهم.
ولا يخطر لك أبداً أن كل إثم أو زلل صدر منهم هو حقيقة تكوينك أنت.
بل إنك تربّي وتهذّب وتتعب في ذلك؛ بينما قلبك أنت، المطمئن بالإيمان، يسير في طريقه آمناً مستنيراً.
فبذلك لا يتشوش خاطرك بمعصية ذلك الفرد.
ولو أنك تعلق بك ذلك الطفل وأنت تصلي مثلاً، يريد أن يصرفك عن الصلاة؛ فإنك تزيحه برفق، وتمضي في صلاتك، ثم تعلّمه برفق شرف الصلاة وقدسيتها.
ولا يخطر لك أبداً أنه ما دام هو آثم وممتلئ بالذنوب؛ فقد صرت أنت الملطخ بالإثم، الممتلئ بعقدة الذنب.
والسبب في ذلك كله هو يقينك التام في انفصاله عنك.
وفي أنه شيء وأنك شيء آخر.
فتستطيع أن تراقبه وتقوّمه وأنت في سكينة وهدوء.
***
كذلك نفسك التي بين جنبيك.
لا تزال هي في نزوعها ونزولها وانجرافها في خواطر الإثم والانحراف والتدني والوسوسة.
وأنت ترقب ذلك منها.
دون أن تتلبس به.
بل تراه من الخارج.
وتتأمله بهدوء.
وتقاومه، وتراقبه، وتتدخل في تعديله وتصويبه.
دون أن يمس انصرافك إلى الله تعالى، وتعلقك به، وسيرك إليه، وإيثارك لمرضاته.
***
وعن كلام الصالحين.
الذين عاملوا النفس البشرية بنور الوحي.
وقلّبوا تلك النفس على كل وجوهها.
حتى عرفوا عنها وعن آثارها كل شيء.
عبارة عجيبة جداً لواحد من الصالحين.
تُبكى كثيرا
لجلالها
وعمق تأثيرها.
لقد قال:
(دعوت نفسي إلى الله تعالى ثلاثين سنة..
وهي تأبى عليّ).
ثلاثون سنة ونفسه تتأبى، وتمتنع، وتتلاعب.
وهو يدعوها في كل ذلك إلى الله.
كيف تصرف وماذا فعل ذلك العبد الصالح.
تخيلوا ماذا فعل؟؟!!
ما أطاعها.
ولا انجرف معها.
بل قال:
(فتركتها!!
ومضيت إلى الله).
مما راق لى
مع حبـــــــــي __________________
أنت لست نفسك.
رغم أنك ظللت طوال الفترة الماضية من عمرك وأنت تظن أنك أنت.
ولكن الحقيقة هي أنك أنت لست أنت، وأنت لا تدري
أنت تظن أن نفسك هي أنت.
وأنها هي حقيقة ذاتك.
وأنها هي عين جوهرك وذاتيتك
لأنها هي التي تحدثها، وتسمع لها، كلما أغمضت عينيك.
أو خلوت عن الناس وجلست وحدك.
ولأنها هي القوة القريبة الحاضرة.
التي تباشر التدبير، والنظر في الأسباب، وتحصيل المطالب الحياتية القريبة.
فقد صارت لهذا السبب مألوفة عندك جداً.
حتى صرت تتوهم أنها هي فقط حقيقة باطنك
فترتب على ذلك أثر شديد الخطورة.
ألا وهو أنك تتحمل أمام نفسك مسئولية كل نزواتها وأطماعها وشرهها وحرصها.
وتتحمل تبعة كل تعلقها بالأعراض والأغراض والأهواء.
وكلما هبت عليها رياح الإثم والتدني والوسوسة امتلأ خاطرك أنت بأنك شديد السوء.
وبأنك غارق في مستنقع من الإثم والشعور بالذنب.
وربما تحوّل ذلك إلى قناعة راسخة عندك.
حتى تيأس من نفسك.
وتعتقد بأنك في الحقيقة كائن متسلط.
بعيد عن الطهر والنقاء.
وأنه لا أمل لك في أن تكون في يوم من الأيام كما كان الأكابر من الأتقياء.
وإنما نشأ كل ذلك بسبب ذلك الوهم الشديد المحيط الآسر.
الذي انغمست فيه، ولم تتأمل حقيقته.
حيث تخيلت أن نفسك هي أنت.
بل إنها هي فقط حقيقتك المريرة.
التي لا أمل لك في الخروج منها.
فكلما امْتَلَأَتْ هي بالعناد، أو بالكبر، أو الشحناء، أو الطمع الشديد في المعاصي والمخالفات، أو الانزلاق الجارف إلى البطالة والتراخي والوهن، أو التقاصر عن همم الصالحين، وعزائم الأكابر، ومقاصد الشرع الشريف، ومسالك بناء النهضة وصناعة الحضارة، والسير إلى الله.
توهمت أنك كذلك على الحقيقة.
وأن هذه هي حقيقتك.
فيضعف عزمك.
وتكون أقرب للتصديق بأنك كذلك في الحقيقة.
وتفقد بالتدريج الرغبة في المقاومة والتغيير.
وتستسلم لها.
للأسف.
الحقيقة.
نفسك ليست هي أنت.
بل هي شيء وأنت شيء آخر تماماً.
بل ما هي في الحقيقة إلا واحدة من رعاياك.
وفرد من أفراد مكوناتك.
لكنها تحاول أن تتسلط عليك.
وأن تستأثر بك.
وأن تستولي عليك.
وأن تسخر كل القوى الأخرى المكوّنة لك في أطماعها.
وأن توهمك بأنها فقط حقيقتك وذاتك.
حتى تتلبس أنت بأطماعها.
وتتقمص دورها.
وتسعى في مطالبها على أنها هي مقاصدك أنت.
وهي في كل ذلك ليست أنت.
بل هي أقلّ مكوناتك شأناً.
بل هي خادم لبقية المكونات التي تصنع حقيقتك.
فأين أنت من الروح؟!.
في علويّتها وسموّها.
ونزوعها إلى الملأ الأعلى.
لا سيما وهي النفخة الإلهية الخالصة لقوله تعالى عن آدم: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}
أي من تلك الروح التي خلقها الله وأبدعها
وأين أنت من القلب الحي المشرق؟!
المعمور بالمقاصد الحسنة الخالصة.
القائم بتعظيم جلال الله وتوقيره ومحبته وإجلاله.
فالنفس أمام تلك القوى العظيمة خادم متلاعب.
يسعى إلى السيطرة والانفراد بك.
فانتبه.
وارجع بتلك النفس إلى حجمها الحقيقي.
وانظر إليها على أنها واحد من أولادك ورعاياك الذين تقوم على تربيتهم وتهذيبهم.
ومقاومة سوء أدبهم وأخلاقهم.
والاجتهاد الشديد في إنقاذهم من غفلتهم وتماديهم وتسلطهم على إخوانهم.
وأنت في كل ذلك لا تتحمل أمام نفسك بسوء تصرفهم.
ولا يخطر لك أبداً أن كل إثم أو زلل صدر منهم هو حقيقة تكوينك أنت.
بل إنك تربّي وتهذّب وتتعب في ذلك؛ بينما قلبك أنت، المطمئن بالإيمان، يسير في طريقه آمناً مستنيراً.
فبذلك لا يتشوش خاطرك بمعصية ذلك الفرد.
ولو أنك تعلق بك ذلك الطفل وأنت تصلي مثلاً، يريد أن يصرفك عن الصلاة؛ فإنك تزيحه برفق، وتمضي في صلاتك، ثم تعلّمه برفق شرف الصلاة وقدسيتها.
ولا يخطر لك أبداً أنه ما دام هو آثم وممتلئ بالذنوب؛ فقد صرت أنت الملطخ بالإثم، الممتلئ بعقدة الذنب.
والسبب في ذلك كله هو يقينك التام في انفصاله عنك.
وفي أنه شيء وأنك شيء آخر.
فتستطيع أن تراقبه وتقوّمه وأنت في سكينة وهدوء.
***
كذلك نفسك التي بين جنبيك.
لا تزال هي في نزوعها ونزولها وانجرافها في خواطر الإثم والانحراف والتدني والوسوسة.
وأنت ترقب ذلك منها.
دون أن تتلبس به.
بل تراه من الخارج.
وتتأمله بهدوء.
وتقاومه، وتراقبه، وتتدخل في تعديله وتصويبه.
دون أن يمس انصرافك إلى الله تعالى، وتعلقك به، وسيرك إليه، وإيثارك لمرضاته.
***
وعن كلام الصالحين.
الذين عاملوا النفس البشرية بنور الوحي.
وقلّبوا تلك النفس على كل وجوهها.
حتى عرفوا عنها وعن آثارها كل شيء.
عبارة عجيبة جداً لواحد من الصالحين.
تُبكى كثيرا
لجلالها
وعمق تأثيرها.
لقد قال:
(دعوت نفسي إلى الله تعالى ثلاثين سنة..
وهي تأبى عليّ).
ثلاثون سنة ونفسه تتأبى، وتمتنع، وتتلاعب.
وهو يدعوها في كل ذلك إلى الله.
كيف تصرف وماذا فعل ذلك العبد الصالح.
تخيلوا ماذا فعل؟؟!!
ما أطاعها.
ولا انجرف معها.
بل قال:
(فتركتها!!
ومضيت إلى الله).
مما راق لى
مع حبـــــــــي __________________