"طاقة أبو الحرّ"، فتحة في جدار حجري، تحولت إلى محكمة قراراتها لا تقبل الطعن متخصّصة بقضايا الشرف وتمييز ابن الحلال عن ابن الحرام، يقصدها كثيرون بصمت ولأسباب مختلفة، بعيداً عن صخب المحاكم العصريّة وسلطاتها القضائيّة، بينما يتّخذها آخرون هزءاً وتسلية، ومن التسالي ما قتل!
مختار قرية عيون معضاد الشومري تحدّث حول تاريخ المكان فقال "كانت الطاقة قديماً محكمة بناها كما يعتقد صاحب المقام "الشيخ أبو الحر"، وكان ولياً صالحاً يقصده الناس للقضاء بينهم، فإذا شكّوا أن أحدهم ابن حرام توجّهوا به إلى هذا الولي فيأمره بالمرور من الطاقة، فإن تمكن من ذلك يُبرّأ وإن لم يستطع تثبت عليه التهمة"
وتعد هذه النافذة معجزة إلهية لأن الناس قد يشهدون زوراً وبعضهم يقسم يميناً كاذباً، ولا يمكن اكتشاف الحقيقة إلا من خلال هذه المحكمة لأنها عادلة لا ترتشي ولا تقبل التوسّط بينها وبين المتهم كما هو الحال في محاكمنا، ولذا هي أصدق من المحاكم العصرية والتحاليل الطبية"!
الشيخ محمد الشومري (86) سنة من أهالي القرية لم ينفِ أن يكون للطاقة سر لكشف حقيقة الناس، لكنه في نفس الوقت قال "إن للمرور من الطاقة فن، لذا من يجهل طريقة المرور قد يفشل، والطريقة هي أن يلج الشخص الطاقة بوضعية جانبية ويمرر يده وكتفه فرأسه في البداية ثمّ بقية الجسم، وأذكر أن لحّاماً وزنه 105 كغ وآخر 110 استطاعا المرور منها بسهولة لأنهما اتبعا هذه الطريقة".
وأضاف الشومري "تقع شجرة التوت غرب المقام ولم يستطع خبراء الزراعة تحديد عمرها، لكن من المؤكد أنه يزيد عن 400 سنة، أما نبع الماء فيقع جنوب المقام، ويقال أن الشيخ أبو الحر كان يشرب من النبع ويأكل من الشجرة فاكتسبا قدسية منه. وتصل جذور الشجرة إلى مسافة 50 متراً، وأنتجت مئات الأطنان من الحطب، أما ماء النبع فيشفي من الأمراض الجلدية بغسل المكان المصاب به، وأنا شخصياً أصبت بالحصبة في صغري وعندما غسلت جسمي منه شفيت تماماً".
وتابع "هناك حوادث كثيرة برهنت على قداسة هذا المكان، منها إقدام شخص معروف في القرية على أخذ أحجار من المقام واستخدامها في بناء سطح منزله الحجري فتهدّم السطح في نفس اليوم كما سقط ابنه عن السطح وكسرت رجله، وحصل أيضاً أنّ شخصاً آخر سرق نقوداً من المقام فشُلّ جسمه".
أحد أهالي القرية قال "هناك الكثير من السيدات ظُلمن بسبب هذه الخرافة، إحداهنّ كانت متزوجة ومع هذا اتهمت بالزنا وبعد أن وضعت مولودها أخذه والده إلى الطاقة ولم يستطع تمريره من خلالها حسب قوله، ولذا طلّق زوجته وادعى أن الطفل ليس ابنه!".
الكنة والحماية بانتظار الحكم
شاب مع والدته وزوجته وطفله ابن السبعة أشهر كانوا قادمين من إحدى قرى محافظة السويداء ليختبروا أنفسهم.
وبدأ المسلسل حين ارتسمت معالم الخوف على وجوههم، وفي الحالة الطبيعية لا تتفق الحماة مع الكنة فكيف في هذا الموقف الحرج. وتردد الشاب في الدخول لذا قرر أن يدخل طفله أولاً، فأسرعت زوجته لتستقبله من الجهة الخارجية وبالفعل خرج بسهولة، فتلقّت الكنّة التهنئة والتبريكات.
أما الحماة فقد تكدر وجهها وبدا عليها الارتباك عندما بدأ ابنها محاولة الخروج، وهو شاب في العقد الرابع من العمر، طويل وضخم البنية ووزنه نحو 80 كغ، وباءت جميع محاولاته بالفشل رغم تشجيع الموجودين له، ومساعدة البعض له في الجهة الأخرى.
وبرّر الشاب عدم خروجه من الطاقة بضخامة جثته وضيق الطاقة ربّما للتخفيف عن والدته، ثم غادروا المقام بفوز الكنة على حماتها فوزاً لن تنساه!
هذه الظاهرة استثنائية أو ماورائية ولا تخضع لقوانين العلم، إنما تخضع للاعتقاد فقط، فشخص ما قد يصدقها وشخص آخر قد لا يصدقها على الإطلاق، وفي علم النفس هناك ما يسمى بالإيحاء حيث يحوِّر الناس الوقائع بما يتلاءم مع معتقداتهم و ربما كان لهذه الظاهرة حقيقة في الماضي لتعزيز الإيمان بقدرة بعض الأولياء، لكن يجب ألا تكرّس مثل هذه الظواهر على الإطلاق وألا تدخل نطاق حياتنا بشكل دائم
فما رأيكم انتم ؟
الكاتب (aspazia)
نقلاً عن حدائق اللوتس