الطموح
سألني أحدهم اليوم وقد كنا نجلس على صخرة بحرية تتماوج فوقها الأمواج بعذوبة في ليل مقمر له نسمات الصيف المنعشة. هل الطموح نعمة أم نقمة؟
اندهشت لسؤاله المفاجئ بعد صمت كان قد ساد بيننا لدقائق . وارتبكت في صمتي ولكني نظرت اليه ولم أجبه.
ثم تنهد بحزن عميق وجاوب نفسه بنفسه .... قائلا بل الطموح نقمة.
وسألت نفسي دون أن أتفوه بشيء
ولكن أليس الطموح شيئاً جميلا . أليس الطموح أمل وكانت الناس قد تغنت بالأمل .
أليس الطموح أن يتمنى الإنسان الأفضل لحياته المستقبلية. الطموح رسالة حياة . بل هو الحياة والحياة أمل .
ولكن كيف إذا كان الطموح تمنيا وتسويفا فقط بغير فعل ؟؟
هذه لعمري طامة كبرى. يرى أحدنا بأنه سيصبح كذا وكذا في المستقبل وأن شأنه سيصبح عظيما ثم يجلس مكانه لا يتحرك ولا يحرك ساكنا ويمني نفسه بالأيام والمستقبل والظروف. ثم تجري الرياح بما لا تشتهي السفن . فيقعد ملوما محسورا. ويرى بأم عينيه صروح طموحاته العتيدة وهي تنهار أمامه بشكل مأساوي وتذهب أدراج الرياح . وهو ينتظر الغد الذي لن يأتي أبدا. وهذا قد يولد فيه العقد والمشاكل النفسية........ إذا بل الطموح..... نقمة
ولكن كيف إذا كان الطموح أملا في تغيير مجتمع ومحاولة لخلق ثورة اجتماعية جذرية تؤدي الي بناء مجتمع مثالي؟ ألم يكن هذا أمل الفلاسفة والمفكرين والمتدينين والسياسيين ؟ ألم يكتب في هذا الفارابي وأفلاطون ؟ وكم من شباب العالم يأمل في مجتمعات خالية من كل الأمراض؟ أليس هذا مطلب الإنسانية؟ وكم من الشباب الذين يمنون أنفسهم بهذه الأفكار متمثلين بتجارب السياسيين التاريخية مثل كاسترو وغيفارا الذين يعتبران أصحاب ثورة اجتماعية عظيمة في كوبا وما جاورها؟ لقد غيروا مجتمعاتهم .
ولكن هل استطاع كاسترو أن يجعل كوبا كما حلم بها ؟؟
لا أعتقد ...
حتى الأنبياء أنفسهم لم يصنعوا مجتمعات مؤمنة برسالاتهم بشكل مطلق...
إذا .... بل الطموح .....نقمة
ولكن كيف اذا كان الطموح صنعا لمجد خالد؟ على صعيد التاريخ أو السياسة أو العلم أو الدين أو العسكر؟
كيف اذا كان رغبة في عزف منفرد؟
ومن يستطيع مجابهة العالم والمجتمع والظروف والتقاليد والقوانين. إنها حرب فرد ضد كل شيء حتى ضد نفسه.
إن لهذا العالم ناموس لا يتجاوزه أحد على الإطلاق . هذا نابليون ونهايته الكارثية وهذا أليكسندر الذي حفر اسمه على قارات العالم القديم ولكن إنجازه لم يعمر أكثر من حياته لتنهار إمبراطوريته وحياته معا في لحظة واحدة.
إذا ...بل .... الطموح.... نقمة.
ولكن كيف اذا كان الطموح أحلاما صغيرة على مستوى ضيق ومحدود ؟ أليست هذه تفاهة وإجحاف بحق الروح البشرية التي في داخلنا ؟
الإنسان يولد مرة واحدة فليحيا حياته بكل تفاصيلها. وليستنزف كل فرصها . لا يعيشن أحدنا حياته وكأنه دخل من باب وخرج من آخر بسرعة وبشكل خاطف دون أن يلاحظه أحد . ودون أن يترك أثر . فيكون ميتا وقلبه ينبض .
علينا أن نجرب ... نغامر بغض النظر عن النتائج. وكان الشاعر قد قال –
شرف الوثبة أن ترضي العلا ............. غلب الواثب أم لم يغلب
الحياة فرصة فإما أن نركبها الى العلا وإما أن ندفن أنفسنا في محطات الانتظار بلا أمل طيلة حياتنا ونلعن الظروف....
الطموح هو دليلٌ على الحياة. فهو يعطي لحياتنا معنى ويعطينا سببا للوجود. والإنسان الذي ليس لديه طموح إنسان ميت كما ....... يردد والدي دائما....
رأيتني وقد جف حلقي وشعرت بنوبة من السعال الذي يصيب المتحدث.....
استفقت من حلم اليقظة الذي عشته للحظات و إذ بي أحاضر بصديقي الصامت الى جواري وعيناه محملقتين الي
تداركت نفسي .... ولكنه بادرني بالقول .... بل الطموح ........... نعمة