أنتهى يوم آخر من حكم الأشغال الشّاقة الّتي ينفّذها المدرّسون والمدرّسات في مثل هذا الوقت من كل عام ، وأقصد بذلك أعمال تصحيح أوراق الامتحانات
للشهادات .انتهى الدوام وتدافع الجميع باتجاه المَخرج وكانوا كمن حصل على حكم بالإفراج بعد فترة طويلة بالسجن . لكن المعاناة اليوميّة لا تنتهي بانتهاء
الدوام اليومي بل هناك فصول أخرى للمعاناة .كنت متعبة فأخذت سيّارة أجرة متوجّهة إلى الكراجات . صعدت إلى الباص وجلست في أحد المقاعد بانتظار أن
يكتمل عدد الركّاب وتمنّيت من كل قلبي أن ينسى السائق تشغيل الأغاني لأنني كنت في حالة صداعٍ رهيب . اكتمل عدد الركّاب وانطلق الباص إلى بانياس
الحبيبة الغالية وعلى فكرة انا أحبّ بانياس فقط وأؤكّد فقط لأنّ أحبابي موجودين فيها. وما هي إلاّ لحظات حتّى انطلق صوت الغناء عالياً جداً ...جداً ...
انزعجت لكن ما باليد حيلة وصلت إلى مسامعي كلمة "بتمون" وكان صوت المطربة جميلاً جداً وعاطفيّاً جداً ومؤثّراً جداً
ورغم أنّ ثقافتي الفنّيّة صفر بامتياز مع مرتبة الشرف إلاّ أنّني في تلك الحظة نسيت الباص ومن فيه من شدّة تأثّري بالأغنية .شعرت أنّ قلبي يذوب ويذوب
بين ضلوعي مع كل حرف ونغمة من الأغنية
أسندت رأسي المتعب على زجاج نافذة الباص وأغمضت عيّنيّ واستحضرت صورة الحبايب العيال وأبو العيال وصرت أتخيّل نفسي اؤدّي الأغنية لهم وأقول
لكلّ واحد منهم "بتمون " على قلبي وعلى روحي وعلى عمري وعلى عيني وعلى بعضي وعلى كلّي
ثمّ ما عدت أسمع الأغنية أو غيرها
سرح بي ذهني إلى التفكير بعلاقة المحبّة الرائعة الّتي تربطني بزوجي أبو عيالي
والعلاقة الأروع الّتي تربطنا نحن الاثنان بأولادنا وهم أغلى وأثمن ما في حياتنا
وشكرت الله من كل قلبي على أنّه رزقني بزوج رائع أحبّه وأشعر بالسعادة معه ورزقني أيضاً بأولاد رائعين مميّزين ومتفوّقين
وتمنّيت من كلّ قلبي أن يهيّء الله لكل انسان اسباب الاستقرار والسعادة
وانقطعت سلسلة أفكاري مع توقّف الباص لينزل أحد الركّاب وبعدها بقليل نزلت انا وأسرعت إلى المنزل فتدافع الصّغار باتّجاهي
مرحّبين بعودتي احتضنتهم بحبّ وحنان ولسان حالي يقول لكلّ واحد منهم "بتمون يا غاااااالي " لكن مع الأسف أبو العيال لم
يكن في المنزل وكان عليّ أن أنتظر ساعات إلى أن عاد وقلتها له