العيد

مع قدوم العيد فإنّك ومهما كثرت همومك ومهما ساءت ظروفك فلا بدّ وأن تستشعر بشىء من الفرح ..
طالما تساءلت ما الذي كان يدور في خلد ذلك العبقري الأول الذي اخترع فكرة العيد ليكون يوماً مقدّساً مكرّساً للفرح يعود في كلّ عام؟
أهو كسرٌ لرتابة الحياة كي لا تستمرّ بخطٍ بياني مستقيم لا يتغيّر إلا هبوطاً لفقد حبيب أو ملمّة لا ينفع معها ذكاء أو قوّة فقرر إجبار ذلك الخطّ على الصعود ليومٍ في العام على الأقل؟
أم هو محاكاة للطبيعة القوية ولسير الزّمن الذي يعود فيه الربيع ثمّ يمضي ليعود بعد عام هل كان فرح ذلك الإنسان بقدوم الربيع ونجاته من أخطار الطبيعة في جفافها صيفاً وموتها خريفاً ثم من جنونها في ليالي الشتاء الطويلة فكان..... عيد الربيع؟
أم أنّ فرحه ببريق السنابل الذهبية التي ستملأ بيته غّلةً تضمن قوته بقيّة العام... فكان عيد الحصاد؟
وربّما كان وراء ذلك يرى في العيد فرصة للقاء من يحب -كان الارتباط بالزّواج يتمّ على هامش الأعياد-ليضمن قدسية رباطه بنصفه الآخر بقدسيّة ذلك اليوم أو قدسيّة المكان لذي تمّ فيه الرباط فيصير مقدّساً
أم أنّ ما دفعه لصنع العيد هو ارتباطٌ مكاني ...
نبعٌ يتدفق بسرّ وجوده وحياته أو مكان فقد فيه حبيباً يؤرقه الحنين إليه فيزوره فصارت الزيارة عيداً؟
في عيد الأضحى يتمثّل لنا الزّمان والمكان والفداء
2
الوفاء والحنين
مما أجده من الوفاء في العيد زيارة قبور الراحلين
رحلة قصيرة دأبت على الخروج بها -بإصرارٍمن والدي-
برفقة الرجال من العائلة صبيحة كل عيد رحلة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة من الزّمن كنت أجد بعض الثّقل أحياناً ولطالما جاهرت بالقول متفلسفاً هل من الضرورة زيارة الأموات في يوم هو يومٌ للفرح
في هذه الدقائق كنت أشاهد وجهاً آخر للعيد في مشهدٍ يتكرر في كلّ عيد مشهدٌ تتغيّرفيه الوجوه لكنّ الحال واحد رجلٌ تفرّ الدموع من عيينيه وهو يقف إلى جوار قبر عزيز كان يتشارك معه فرحة العيد قبل عام
هذا المشهد كان يثير فضولي و دهشتي لماذا يذرفون الدموع الآن ويعلمون أنّ ضحكاتهم ستعلو بعد مغادرة هذا المكان؟
منذ سنوات قدّر لي أن أعرف ذلك السّر
في تلك الزيارة وخلال خط سيرها القصير وقفت بين قبرين لجبيبين طواهما الموت عني وانتابني ذلك الشعور الغريب أغمضت عينيّ واستغرقت بعيداًعما يدور من حولي و انتابني إحساس غريب إحساسٌ بأنني لم أعد أخشى الموت لم أعد أحشى ذلك المجهول لن أكون غريباً فهنالك لي أحبّة
كنت أسمع صوت ذلك الشيخ يتلو آياتٍ من القرآن ولكن لم أكن أفهم شيئاً مما يتلوه فهمت أنّه انتهى عندما رفع صوته الفاتحة) رفعت راحتيّ كبقية الرجال سقطت في كفّي دمعة إنّها الدمعة الّتي كانت تثير دهشتي في كلّ عيد
في تلك اللحظة كان الموكب يتابع سيره وأنا مسمرٌ في المكان
ربت على كتفي كهلٌ ذرف تلك الدمعة من قبل همس في أذني بحنّو بنيّ إنه العيد فرحة العيد ليست لك وحدك لم أعرف كيف أفهم ذلك الرجل أن شعوري لم يكن حزناً فقط .....اكتفيت بمتابعة السير.

أيها الأحبّة :
كلّ عام وأنتم بخير