عشرات من شركات الإنتاج السينمائي كانت موجودة، ومع نهاية الخمسينات كان عدد صالات العرض 120 صالة موزعة في مختلف محافظات القطر، ورصيد من الأفلام المعروضة يزيد عن 350 فيلماً روائياً طويلاً ومئات من الأفلام القصيرة والتسجيلية والوثائقية..
وكان من الشائع أن تقرأ في الإعلانات عن الأفلام " الفيلم الذي شاهده أكثر من مئة ألف مشاهد.." هل تصدق أننا نتحدث عن السينما السورية !
نعم السينما السورية التي لم تتأخر كثيراً عن السينما العالمية بجهود وإرادة الشباب الطموح الذي تعلم وتدرب في الخارج وحمل هذه النافذة السحرية إلى وطنه الأم. متخطياً كل العقبات والصعوبات من نقص الوسائل والمعدات والصالات وحتى الممثلات النساء..لكنه استطاع تحقيق إنتاج سينمائي لافت، لم يتحول إلى صناعة بالمعنى الدقيق للكلمة. لكنه خلق حركة سينمائية مشهودة.
نشطت السينما التسجيلية في بداية الخمسينات في عهد الرئيس أديب الشيشكلي الذي أدرك أهميتها كوسيلة للدعاية الإعلامية الخاصة به، وكانت الأفلام على شكل جريدة سينمائية تقوم بتغطية الأخبار المحلية التي ينتجها الجيش بقرار من الرئاسة.
ومن جهة أخرى نشط القطاع الخاص إنتاجاً واستيراداً للأفلام العربية والأجنبية التي وصلت إلى 200 فيلم كان يستورد ويسوق سنوياً داخل سوريا.
وفي 1951 دعمت الدولة السينما السورية رسمياً، حيث أسست قسماً متخصصاً للسينما وجهزت معملاً سينمائياً للطبع والإظهار وقسماً آخر للتصوير السينمائي، كما أطلقت جريدة سينمائية مصورة أسبوعية تناولت أخبار الأفلام والممثلين وما يتعلق بشؤون السينما وجديدها في سوريا والعالم. الأمر الذي يؤكد وجود حركة سينمائية سورية مواكبة للحركة السينمائية العالمية وللحراك الاجتماعي العام في المجتمع السوري آنذاك.
من المؤكد اليوم تراجع السينما السورية، حتى بات البعض يتساءل عن وجود ما يسمى سينما سورية، رغم حضور مهرجان دمشق السينمائي بل وتحوله إلى مهرجان سنوي يعرض مئات الأفلام الأجنبية في المقام الأول والقليل من الأفلام العربية والنادر من الأفلام السورية !
الاهتمام الجدي بالسينما بدأ في الخمسينات الأمر الذي مهد للعصر الذهبي للسينما السورية في الستينات والسبعينات، أحد وجوه ذاك الاهتمام تمثل في عرض ونقد وإثارة الحوار حول الأفلام في الصحف والمجلات.حيث خصصت بعض الصحف ركناً للفن يعرض حصاد الأفلام أسبوعيا.
نعرض اليوم لواحدة من مقالات العرض النقدي للأفلام كما وردت في جريدة الإنشاء. المقال للناقد المعروف صلاح دهني*. تحت عنوان " هوليود تتمادى بتصوير فن الإجرام وننسى أن ترينا الوجه الإنساني لأمريكا " كما نعرض خبراً يؤكد اهتمام الدولة بالسينما كوسيلة للإعلام والدعاية الداخلية والخارجية.
الإنشاء العدد 3648 كانون الثاني 1951
" اشكي لمين : (الفيلم الذي يعرض في صالة الفردوس)
الفيلم المصري من إخراج ابراهيم عمارة وتمثيل فاتن حمامة، شادية، محسن سرحان، عماد حمدي،فريد شوقي.
من ناحية الإخراج أقوى من كل ما أمكنني أن أرى في المدة الأخيرة من أفلام مصرية،.. هناك ضعف عام عند كتاب السيناريو في السينما المصرية، هذه الناحية طالما كتبت عنها الصحف والمجلات.. تنعي عليها تهلهل قصصها وضعف حبكتها.إلا أننا بدأنا نشعر اليوم أن السينما المصرية وصلت أو هي في طريقها إلى درجة معقولة في نواحي التكنيك المخالفة: فالصوت فيها أضحى مسموعاً بشكل لا يزعج الآذان كما كان إلى سنوات قليلة والصورة أخذت تتحسن وأضواؤها لا توزع بشكل عفوي، والإخراج يتجه بدوره إلى نوع من الفهم والتعقل والذكاء.. ويكاد يشعر المرء بأن الأدوار فصلت تفصيلاً على الممثلين ففريد شوقي أبداً لم يكن " وغداً" بشكل أكمل منه في هذا الفيلم. وفاتن حمامة أبداً لم تكن بكاءة نواحة تعيسة بقدر ما عاشت في هذه القصة...
أما الفيلم الأمريكي " جريمة ميدان ثورنتون" الذي يعرض في سينما الدنيا للمخرج الكبير جورج كيوكر الذي سبق له أن اخرج فيلماً بعنوان النساء تقوم بأدواره ممثلات فقط دون أي رجل.. الفيلم الحالي تصوير للجريمة، نعم مرة أخرى تخوض هوليود في تصوير الجريمة! وهي وإن تكن من نوع آخر غير نوع القتل وإسالة الدماء وقرقعة البارود، إلا أنها لا يمنع أنها من نفس النوع ونفس البشاعة أو تزيد..
أما فيلم عصفورة الجنة الذي تعرضه سينما دمشق... يمكن أن يعد من الأفلام الممتازة التي وردتنا من هوليود هذا العام مما يدل دلالة واضحة على أن هوليود قادرة على أن تكون إنسانية مقدرتها على تصوير العواطف المنحطة، وأن تصور البساطة والجمال بقدر تصويرها للملاحقات الشيطانية.."
وفي خبر أوردته جريدة الإنشاء في السنة نفسها ذكرت " أن وزارة الخارجية اتفقت مع الدوائر المختصة على السماح لممثلي شركة الطيران الهولندي في دمشق بالتقاط شريط سينمائي في دمشق وعلى الأخص في قسميها القديم والحديث وفي بعض المدن السورية الداخلية والساحلية والقرى الأثرية القديمة... والاتفاق على يجري إخراج الشريط وتحميضه بواسطة فنيين ألمان ... كما أن وزارة الخارجية وافقت مبدئياً على السماح للشركة الايطالية المختصة بالدعاية ونشر الأخبار.. بأن تقوم على نفقتها بإخراج فيلم سينمائي ملون عن سوريا يشمل على معالم نهضتها في شتى الحقول وقد أفادت وزارة الاقتصاد الوطني بأنها مستعدة للمساهمة مع وزارة الخارجية ومديرية الدعاية والأنباء في تحمل نفقات ضيافة صاحب الشركة وقرينته والمخرج السينمائي وقرينته والمصور خلال المدة اللازمة لعمليات إخراج الفيلم. شريطة حصولها من الشركة المذكورة على نسخة من الفيلم بدون مقابل مع منحها حق عرضه.."
* صلاح دهني
ولد في درعا في سورية 1925 ، درس السينما في باريس و تولى إدارة أول مهرجان سينمائي في دمشق 1955.
ترأس دائرة السينما في وزارة الثقافة قبل إحداث المؤسسة العامة للسينما
أنجز فيلماً روائياً طويلاً بعنوان : الأبطال يولدون مرتين
أنجز الكثير من الأفلام التسجيلية منها: نزهات صيفية، الماء والجفاف، أخبار الثقافة، بصرى، الزجاج في سورية في 40 قرناً، زهرة الجولان، ابن النفيس، الفن العربي الإسلامي، المعجزة الخالدة..
له مجموعة من الكتب السينمائية : قصة السينما، دعوة إلى السينما، سينما..سينما
يعتبر من رواد الحركة السينمائية في سورية، وهو قصاص ومترجم إضافة لكونه مخرجاً وناقداً سينمائياً
سيريا نيوز
وكان من الشائع أن تقرأ في الإعلانات عن الأفلام " الفيلم الذي شاهده أكثر من مئة ألف مشاهد.." هل تصدق أننا نتحدث عن السينما السورية !
نعم السينما السورية التي لم تتأخر كثيراً عن السينما العالمية بجهود وإرادة الشباب الطموح الذي تعلم وتدرب في الخارج وحمل هذه النافذة السحرية إلى وطنه الأم. متخطياً كل العقبات والصعوبات من نقص الوسائل والمعدات والصالات وحتى الممثلات النساء..لكنه استطاع تحقيق إنتاج سينمائي لافت، لم يتحول إلى صناعة بالمعنى الدقيق للكلمة. لكنه خلق حركة سينمائية مشهودة.
نشطت السينما التسجيلية في بداية الخمسينات في عهد الرئيس أديب الشيشكلي الذي أدرك أهميتها كوسيلة للدعاية الإعلامية الخاصة به، وكانت الأفلام على شكل جريدة سينمائية تقوم بتغطية الأخبار المحلية التي ينتجها الجيش بقرار من الرئاسة.
ومن جهة أخرى نشط القطاع الخاص إنتاجاً واستيراداً للأفلام العربية والأجنبية التي وصلت إلى 200 فيلم كان يستورد ويسوق سنوياً داخل سوريا.
وفي 1951 دعمت الدولة السينما السورية رسمياً، حيث أسست قسماً متخصصاً للسينما وجهزت معملاً سينمائياً للطبع والإظهار وقسماً آخر للتصوير السينمائي، كما أطلقت جريدة سينمائية مصورة أسبوعية تناولت أخبار الأفلام والممثلين وما يتعلق بشؤون السينما وجديدها في سوريا والعالم. الأمر الذي يؤكد وجود حركة سينمائية سورية مواكبة للحركة السينمائية العالمية وللحراك الاجتماعي العام في المجتمع السوري آنذاك.
من المؤكد اليوم تراجع السينما السورية، حتى بات البعض يتساءل عن وجود ما يسمى سينما سورية، رغم حضور مهرجان دمشق السينمائي بل وتحوله إلى مهرجان سنوي يعرض مئات الأفلام الأجنبية في المقام الأول والقليل من الأفلام العربية والنادر من الأفلام السورية !
الاهتمام الجدي بالسينما بدأ في الخمسينات الأمر الذي مهد للعصر الذهبي للسينما السورية في الستينات والسبعينات، أحد وجوه ذاك الاهتمام تمثل في عرض ونقد وإثارة الحوار حول الأفلام في الصحف والمجلات.حيث خصصت بعض الصحف ركناً للفن يعرض حصاد الأفلام أسبوعيا.
نعرض اليوم لواحدة من مقالات العرض النقدي للأفلام كما وردت في جريدة الإنشاء. المقال للناقد المعروف صلاح دهني*. تحت عنوان " هوليود تتمادى بتصوير فن الإجرام وننسى أن ترينا الوجه الإنساني لأمريكا " كما نعرض خبراً يؤكد اهتمام الدولة بالسينما كوسيلة للإعلام والدعاية الداخلية والخارجية.
الإنشاء العدد 3648 كانون الثاني 1951
" اشكي لمين : (الفيلم الذي يعرض في صالة الفردوس)
الفيلم المصري من إخراج ابراهيم عمارة وتمثيل فاتن حمامة، شادية، محسن سرحان، عماد حمدي،فريد شوقي.
من ناحية الإخراج أقوى من كل ما أمكنني أن أرى في المدة الأخيرة من أفلام مصرية،.. هناك ضعف عام عند كتاب السيناريو في السينما المصرية، هذه الناحية طالما كتبت عنها الصحف والمجلات.. تنعي عليها تهلهل قصصها وضعف حبكتها.إلا أننا بدأنا نشعر اليوم أن السينما المصرية وصلت أو هي في طريقها إلى درجة معقولة في نواحي التكنيك المخالفة: فالصوت فيها أضحى مسموعاً بشكل لا يزعج الآذان كما كان إلى سنوات قليلة والصورة أخذت تتحسن وأضواؤها لا توزع بشكل عفوي، والإخراج يتجه بدوره إلى نوع من الفهم والتعقل والذكاء.. ويكاد يشعر المرء بأن الأدوار فصلت تفصيلاً على الممثلين ففريد شوقي أبداً لم يكن " وغداً" بشكل أكمل منه في هذا الفيلم. وفاتن حمامة أبداً لم تكن بكاءة نواحة تعيسة بقدر ما عاشت في هذه القصة...
أما الفيلم الأمريكي " جريمة ميدان ثورنتون" الذي يعرض في سينما الدنيا للمخرج الكبير جورج كيوكر الذي سبق له أن اخرج فيلماً بعنوان النساء تقوم بأدواره ممثلات فقط دون أي رجل.. الفيلم الحالي تصوير للجريمة، نعم مرة أخرى تخوض هوليود في تصوير الجريمة! وهي وإن تكن من نوع آخر غير نوع القتل وإسالة الدماء وقرقعة البارود، إلا أنها لا يمنع أنها من نفس النوع ونفس البشاعة أو تزيد..
أما فيلم عصفورة الجنة الذي تعرضه سينما دمشق... يمكن أن يعد من الأفلام الممتازة التي وردتنا من هوليود هذا العام مما يدل دلالة واضحة على أن هوليود قادرة على أن تكون إنسانية مقدرتها على تصوير العواطف المنحطة، وأن تصور البساطة والجمال بقدر تصويرها للملاحقات الشيطانية.."
وفي خبر أوردته جريدة الإنشاء في السنة نفسها ذكرت " أن وزارة الخارجية اتفقت مع الدوائر المختصة على السماح لممثلي شركة الطيران الهولندي في دمشق بالتقاط شريط سينمائي في دمشق وعلى الأخص في قسميها القديم والحديث وفي بعض المدن السورية الداخلية والساحلية والقرى الأثرية القديمة... والاتفاق على يجري إخراج الشريط وتحميضه بواسطة فنيين ألمان ... كما أن وزارة الخارجية وافقت مبدئياً على السماح للشركة الايطالية المختصة بالدعاية ونشر الأخبار.. بأن تقوم على نفقتها بإخراج فيلم سينمائي ملون عن سوريا يشمل على معالم نهضتها في شتى الحقول وقد أفادت وزارة الاقتصاد الوطني بأنها مستعدة للمساهمة مع وزارة الخارجية ومديرية الدعاية والأنباء في تحمل نفقات ضيافة صاحب الشركة وقرينته والمخرج السينمائي وقرينته والمصور خلال المدة اللازمة لعمليات إخراج الفيلم. شريطة حصولها من الشركة المذكورة على نسخة من الفيلم بدون مقابل مع منحها حق عرضه.."
* صلاح دهني
ولد في درعا في سورية 1925 ، درس السينما في باريس و تولى إدارة أول مهرجان سينمائي في دمشق 1955.
ترأس دائرة السينما في وزارة الثقافة قبل إحداث المؤسسة العامة للسينما
أنجز فيلماً روائياً طويلاً بعنوان : الأبطال يولدون مرتين
أنجز الكثير من الأفلام التسجيلية منها: نزهات صيفية، الماء والجفاف، أخبار الثقافة، بصرى، الزجاج في سورية في 40 قرناً، زهرة الجولان، ابن النفيس، الفن العربي الإسلامي، المعجزة الخالدة..
له مجموعة من الكتب السينمائية : قصة السينما، دعوة إلى السينما، سينما..سينما
يعتبر من رواد الحركة السينمائية في سورية، وهو قصاص ومترجم إضافة لكونه مخرجاً وناقداً سينمائياً
سيريا نيوز