أولا : الاستماع للرأى الآخر
[size=12][size=18][font=Times New Roman]مبادئ للتنشئة المسكونية
نحن نريد أن نُكوّن نشء وجيل لديه استعداد لسماع الرأى الآخر، مهما كان مختلفاً. هناك فرق بين أن يكون لدى الإنسان وضوحاً فى الرؤيا فى مسائل خاصة بالعقيدة وبين أن يكون غير مستعد للاستماع لأى رأى مخالف لما يراه أو يفهمه لدرجة أنه قد لا يستطيع أن يحتمل الاستماع إلى آخر الفقرة من الكلام.
وهناك تساؤل فى هذا المجال : إذا كان أى إنسان يتكلم وقاطعه آخر هل يعتبر هذا الأسلوب أسلوباً خاطئاً؟ للرد على ذلك نقول أنه يجوز أن يقاطعه فى الكلام على شرط أن يعطيه فرصة ليكمل كلامه مرة أخرى. بمعنى أن المقاطعة ليس هدفها منعه عن الكلام إنما قد تكون عرضاً لملاحظة اعتراضية. أى أنه إذا وجدت ملاحظة فى نصف الكلام يمكن أن تقال ولا تكون هذه هى الروح المرفوضة التى نود أن نبتعد عنها. لكن المرفوض هو إنه قد يوجد شخص لا يحتمل أن يستمع إلى نهاية الحديث. وكلمة لا يحتمل أى أنه يعترض على استكمال الحديث ويعترض على الاستماع. هذه الروح نسميها تعصب وهى عدم وجود استعداد لسماع الرأى الآخر وهذا ما نريد مقاومته فى النشء. نحن نريد أن نغرس فى أولادنا الاستعداد لسماع الرأى الآخر.
وبالنسبة لمقاطعة الكلام قبل نهايته؛ هناك آية تقول "من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه، فله حماقة وعار" (أم18: 13). اللياقة فى الحديث وفى التفاهم مع الآخرين تستوجب أن يستمع الإنسان لمحدثه حتى يعرض وجهة نظره كاملة ويساعده على شرح رأيه فى سهولة ويسر، مع عدم الإطالة والتكرار غير الضرورى.
جيل الرأى الواحد يقاوم أى فكر جديد:
إذا أنشأنا جيلاً لا يستطيع الاستماع إلا لما يعرفه ويقتنع به فقط. سيأتى يوم سيقاوموننا نحن أنفسنا إذا فُرض أن اتسعت مفاهيمنا أو رؤيتنا لقضية من القضايا. فقد تقرأ مثلا أقوالاً للقديس أثناسيوس، أو القديس كيرلس الكبير. وتتسع مفاهيمك لقضية من القضايا، فإذا عرضتها حينئذ على الشباب الذين تربّوا على مفاهيم معينة، فسوف يقاوموك أنت نفسك. وليست الكنائس أو الطوائف الأخرى فقط التى سوف يقاومونها، بل لأنهم لم يتعودوا أن يسمعوا إلا لما تعلموه من قبل فقط فسوف يقاومونك أنت أيضاً.
ثانياً : التفرقة بين الاختلاف فى التعبير اللاهوتى والاختلاف فى الجوهر الإيمانى العقيدى
فى أيام القديس أثناسيوس كان البعض يترجمون كلمة هيبوستاسيس (( اليونانية بمعنى جوهر، والبعض الآخر يترجمونها أقنوم. بعض الناس يقولون إن من يعتبر أن الثالوث ثلاثة هيبوستاسيس (( يؤمن بثلاثة جواهر فى الله أى تعدد آلهة ويتهمونهم بالهرطقة وانقسام الآلهة. وآخرين يعتبرون أن الذين يقولون عن الله أنه هيبوستاسيس (( واحد سابيليين يؤمنون بالأقنوم الواحد. نتج ذلك عن الاختلاف فى استخدام كلمة هيبوستاسيس فالواحد يعتبر أنها تعنى جوهر والآخر يعتبر أنها تعنى أقنوم وأصبحت مشكلة بين مدرستين. فكان رد القديس أثناسيوس عليهم كالآتى : إن كان أحد يريد أن يعتبر هيبوستاسيس تعنى أقنوم، إذاً سيكونوا ثلاثة هيبوستاسيس وإذا أراد آخر اعتبارها جوهر فسيكون هيبوستاسيس واحد. وقال إنه هو نفسه يمكنه أن يقولها فى نفس اليوم بالتعبيرين. وبهذا أعطانا درساً كبيراً جداً فى كيفية البحث عن الحقيقة اللاهوتية وليس عن اللفظ. فما أكثر ما حدث من قيام مشاجرات وانشقاق جماعات بسبب الاختلاف فى التعبير اللاهوتى وشرح interpretation of)) التعبيرات اللاهوتية.
شرح التعبيرات اللاهوتية وعدم التمسك بالألفاظ:
فى حوارنا - نحن عائلة الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية مع الروم الأرثوذكس البيزنطيين- توصلنا للاتفاق: لأن كل طرف قدّم شرحاً interpretation لاهوتياً للتعبيرات التى يستخدمها حتى نتفادى أى التباس فى الأذهان وحتى لا يتهم أحد الأطراف الطرف الآخر بالأوطاخية والآخر لا يتهمه بالنسطورية. لذلك كان شرح التعبيرات اللاهوتية مهماً.
ففى أثناء الحوارات التى تجرى عن طبيعة السيد المسيح Christology قلنا أن الذين ينادون بطبيعتين غير منفصلتين للسيد المسيح يقصدون استمرار وجود الطبيعتين فى الاتحاد، بينما الذين ينادون بطبيعة واحدة بغير امتزاج يقصدون عدم وجود هاتين الطبيعتين فى حالة متشرذمة أو منقسمة أو منفصلة. ويؤكدون أنه حينما تم الاتحاد فى لحظة التجسد لم تستمر الطبيعتان فى حالة انقسام من بعد الاتحاد. أى دخلوا فى حالة اتحاد طبيعى أى اتحاد بحسب الطبيعة فقد حدثت وحدة حقيقية. لذلك ينادون بطبيعة واحدة توجد فى داخلها طبيعتين بغير امتزاج. واستمرت الطبيعتان فى الوجود. وكل طبيعة احتفظت بخصائصها بغير امتزاج مع الطبيعة الأخرى لكن هاتين الطبيعتين كونتا مع بعضهما البعض اتحاداً حقيقياً. هذا الاتحاد يعبّر عنه بالطبيعة الخاصة بالتجسد أو طبيعة التجسد. فالذين يتكلمون عن طبيعتين غير منفصلتين بعد الاتحاد يتكلمون عن استمرار وجود الطبيعتين. وأما الذين يتكلمون عن طبيعة واحدة بغير امتزاج يتكلمون عن حالة وجود الطبيعتين لكن كلاهما يرفض التقسيم من بعد الاتحاد كما يرفض الامتزاج فى الاتحاد. بل أن هذين التعبيرين المتمايزين يمكنهما أن يزيدا روح الرؤيا إذا وضعا بجانب بعضهما البعض فيشرحا حقيقة الموقف بصورة أوضح. ففى تعبيرنا القبطى الأرثوذكسى نحن نقول طبيعة واحدة من طبيعتين فإذا قبل الطرف الآخر تعبيرنا، ويقول أنه يؤمن بطبيعتين بغير انفصال. نعرف أن تعبيره ليس فيه خطأ على الإطلاق طالما هو يقبل تعبيرى ويؤكده؛ وفى نفس الوقت يقصد بتعبيره أنه ليس هناك إلغاء لأى من الطبيعتين بل استمرتا فى الوجود من بعد الاتحاد. فالتعبيرات المختلفة تدعّم وتقوى بعضها البعض ولا تتصارع أو تتقاتل. هذا مَثل من أمثلة كثيرة فى كيفية التفريق بين الاختلاف فى التعبير اللاهوتى والاختلاف فى جوهر العقيدة والإيمان.
والخلاصة من هذه النقطة إن ما يجب أن نغرسه ونعلمه للنشء هو ألا يتسرّع فى الحكم على من يختلف معه فى التعبير. يجب أن تنتظر حتى تعرف قصد المتكلم لأنه قد ينتهى إلى نفس الحقيقة التى تحيا فى داخلك لكنه يعبّر عنها بطريقة مختلفة. حاول أن تسمع وفكّر بهدوء بعقلية صافية ولا تتصيد الأخطاء.
ثالثاً : المسكونية هى انفتاح وليست تنازلاً
ليست المسكونية هى التنازل عن العقيدة إرضاءً للآخر أو مجاملةً إنما المسكونية هى الانفتاح لسماع الآخر والحوار معه ومحاولة إيجاد نقط تلاقى. ففى أثناء انعقاد الجمعية العمومية السابعة لمجلس الكنائس العالمى فى كامبرا بأستراليا فوجئنا بصدور بيانات أثناء انعقاد الجمعية وأثناء وجودنا هناك كأعضاء فى المجلس -وليس كمراقبين- فوجدنا البعض يتكلمون عن الضيافة الإفخاريستية Eucharistic Hospitality بحسب تعبيرهم أى كنائس مضيافة؛ بمعنى أنه إذا دخل أى شخص إليهم يناولونه. هذه رؤيتهم للأمر ونحن نحترمها، لكنهم يهاجمون أى كنيسة لا تعمل مثلما يعملون؛ فكيف يشتركون فى اجتماع مسكونى وهم يهاجمون الكنائس الأخرى؟ ومعنى هذا الهجوم هو أنهم يفرضون على الآخرين أن يعملوا مثلهم وإلا صرنا فى نظرهم متخلفين أو متعصبين.. ألخ. نحن نحب أن نعرف رأى الآخرين ونستمع لهم فى شرحهم لقضيتهم فى ورقة تعبّر عن وجهة نظر الآخر لكن ما فعله أصحاب مبدأ الضيافة الإفخاريستية هو أنهم نشروا رؤيتهم فى بيانات عامة وليست كرؤية خاصة وكإدانة من الغالبية للأقلية الموجودة. (فالأرثوذكس فى العالم يمثلون خمس وعشرون فى المائة من المجلس وتمثل الطوائف البروتستانتية فى مجموعها خمسة وسبعون فى المائة من المجلس أما الكاثوليك فلم يشتركوا ويحضرون كمراقبين فى كل الأقسام ماعدا قسم Faith and Order الذى يشتركون فيه بعضوية محدودة لا تمثل حقيقة عددهم فى العالم).
المسكونية الحقيقية لا تطالب أى شخص بالتنازل عن عقيدته إرضاءً للآخر. لكن هى التفاهم فى القضايا المعروضة للوصول إلى حلول. لكن بيان الاحتجاج الذى أصدره أصحاب رأى الضيافة الإفخاريستية كأغلبية جعل الأقلية تشعر أنها تحت ضغط، وليست هذه هى المسكونية ولا هذا هو الانفتاح.
دور الطرف الآخر :
ما هو دور الطرف الآخر إذاً؟ هنا تأتى أهمية التنشئة المسكونية. التنشئة المسكونية ليست كما انتشر فى أذهان البعض فى الزمن الحاضر، إنها هى التنازل عن العقيدة إرضاءً للآخر لأن هذا لا يوصل إلى وحدة حقيقية. فهم يقولون أنت مسكونى حينما لا تتمسك بأى فكر وهذا تعريف جديد للمسكونية قد تتقبله قطاعات كبيرة، لكن لا يقبله الكثيرون أيضاً، ممن يريدون الوصول إلى الوحدة عن طريق الحوار الذى يؤدى إلى التفاهم ووحدانية الفكر.
رابعاً : غرس فكرة الوحدة فى نفوس النشء
إن غرس فكرة الوحدة فى نفوس النشء هى مطلب أساسى للحياة المسيحية. بعض الكنائس أو الكهنة والرعاة يغرسون فكر التمزق فى الناس. فكيف نعلِّم الطفل إذاً من صغره فى الكنيسة أن يسعى من أجل وحدة الكنيسة؟ هل بموافقتنا بأن يتناول من الأسرار فى كنيسة أخرى؟ لا، ليس هذا هو المقصود. إنما المقصود هو أن ينشأ الطفل ولديه الاستعداد ليصادق الأطفال من الطوائف الأخرى ويتفاهم معهم فى حوار هـادئ، بروح الصداقة والمودة بقدر مفاهيمهم الصغيرة.
لا مانع أن يكون للطفل صداقة بريئة مع أى طفل آخر من الطوائف الأخرى، فلا ينظر له كخِصم أو عدو. يجب علينا أن نغرس هذه الروح ولو كبذرة صغيرة. ويجب أن يؤمن الطفل بقضية الوحدة الكنسية ( وسوف نشرح فى البند السابع ما هو أساس قيام الوحدة فى الكنيسة).
[size=12][size=18][font=Times New Roman]مبادئ للتنشئة المسكونية
نحن نريد أن نُكوّن نشء وجيل لديه استعداد لسماع الرأى الآخر، مهما كان مختلفاً. هناك فرق بين أن يكون لدى الإنسان وضوحاً فى الرؤيا فى مسائل خاصة بالعقيدة وبين أن يكون غير مستعد للاستماع لأى رأى مخالف لما يراه أو يفهمه لدرجة أنه قد لا يستطيع أن يحتمل الاستماع إلى آخر الفقرة من الكلام.
وهناك تساؤل فى هذا المجال : إذا كان أى إنسان يتكلم وقاطعه آخر هل يعتبر هذا الأسلوب أسلوباً خاطئاً؟ للرد على ذلك نقول أنه يجوز أن يقاطعه فى الكلام على شرط أن يعطيه فرصة ليكمل كلامه مرة أخرى. بمعنى أن المقاطعة ليس هدفها منعه عن الكلام إنما قد تكون عرضاً لملاحظة اعتراضية. أى أنه إذا وجدت ملاحظة فى نصف الكلام يمكن أن تقال ولا تكون هذه هى الروح المرفوضة التى نود أن نبتعد عنها. لكن المرفوض هو إنه قد يوجد شخص لا يحتمل أن يستمع إلى نهاية الحديث. وكلمة لا يحتمل أى أنه يعترض على استكمال الحديث ويعترض على الاستماع. هذه الروح نسميها تعصب وهى عدم وجود استعداد لسماع الرأى الآخر وهذا ما نريد مقاومته فى النشء. نحن نريد أن نغرس فى أولادنا الاستعداد لسماع الرأى الآخر.
وبالنسبة لمقاطعة الكلام قبل نهايته؛ هناك آية تقول "من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه، فله حماقة وعار" (أم18: 13). اللياقة فى الحديث وفى التفاهم مع الآخرين تستوجب أن يستمع الإنسان لمحدثه حتى يعرض وجهة نظره كاملة ويساعده على شرح رأيه فى سهولة ويسر، مع عدم الإطالة والتكرار غير الضرورى.
جيل الرأى الواحد يقاوم أى فكر جديد:
إذا أنشأنا جيلاً لا يستطيع الاستماع إلا لما يعرفه ويقتنع به فقط. سيأتى يوم سيقاوموننا نحن أنفسنا إذا فُرض أن اتسعت مفاهيمنا أو رؤيتنا لقضية من القضايا. فقد تقرأ مثلا أقوالاً للقديس أثناسيوس، أو القديس كيرلس الكبير. وتتسع مفاهيمك لقضية من القضايا، فإذا عرضتها حينئذ على الشباب الذين تربّوا على مفاهيم معينة، فسوف يقاوموك أنت نفسك. وليست الكنائس أو الطوائف الأخرى فقط التى سوف يقاومونها، بل لأنهم لم يتعودوا أن يسمعوا إلا لما تعلموه من قبل فقط فسوف يقاومونك أنت أيضاً.
ثانياً : التفرقة بين الاختلاف فى التعبير اللاهوتى والاختلاف فى الجوهر الإيمانى العقيدى
فى أيام القديس أثناسيوس كان البعض يترجمون كلمة هيبوستاسيس (( اليونانية بمعنى جوهر، والبعض الآخر يترجمونها أقنوم. بعض الناس يقولون إن من يعتبر أن الثالوث ثلاثة هيبوستاسيس (( يؤمن بثلاثة جواهر فى الله أى تعدد آلهة ويتهمونهم بالهرطقة وانقسام الآلهة. وآخرين يعتبرون أن الذين يقولون عن الله أنه هيبوستاسيس (( واحد سابيليين يؤمنون بالأقنوم الواحد. نتج ذلك عن الاختلاف فى استخدام كلمة هيبوستاسيس فالواحد يعتبر أنها تعنى جوهر والآخر يعتبر أنها تعنى أقنوم وأصبحت مشكلة بين مدرستين. فكان رد القديس أثناسيوس عليهم كالآتى : إن كان أحد يريد أن يعتبر هيبوستاسيس تعنى أقنوم، إذاً سيكونوا ثلاثة هيبوستاسيس وإذا أراد آخر اعتبارها جوهر فسيكون هيبوستاسيس واحد. وقال إنه هو نفسه يمكنه أن يقولها فى نفس اليوم بالتعبيرين. وبهذا أعطانا درساً كبيراً جداً فى كيفية البحث عن الحقيقة اللاهوتية وليس عن اللفظ. فما أكثر ما حدث من قيام مشاجرات وانشقاق جماعات بسبب الاختلاف فى التعبير اللاهوتى وشرح interpretation of)) التعبيرات اللاهوتية.
شرح التعبيرات اللاهوتية وعدم التمسك بالألفاظ:
فى حوارنا - نحن عائلة الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية مع الروم الأرثوذكس البيزنطيين- توصلنا للاتفاق: لأن كل طرف قدّم شرحاً interpretation لاهوتياً للتعبيرات التى يستخدمها حتى نتفادى أى التباس فى الأذهان وحتى لا يتهم أحد الأطراف الطرف الآخر بالأوطاخية والآخر لا يتهمه بالنسطورية. لذلك كان شرح التعبيرات اللاهوتية مهماً.
ففى أثناء الحوارات التى تجرى عن طبيعة السيد المسيح Christology قلنا أن الذين ينادون بطبيعتين غير منفصلتين للسيد المسيح يقصدون استمرار وجود الطبيعتين فى الاتحاد، بينما الذين ينادون بطبيعة واحدة بغير امتزاج يقصدون عدم وجود هاتين الطبيعتين فى حالة متشرذمة أو منقسمة أو منفصلة. ويؤكدون أنه حينما تم الاتحاد فى لحظة التجسد لم تستمر الطبيعتان فى حالة انقسام من بعد الاتحاد. أى دخلوا فى حالة اتحاد طبيعى أى اتحاد بحسب الطبيعة فقد حدثت وحدة حقيقية. لذلك ينادون بطبيعة واحدة توجد فى داخلها طبيعتين بغير امتزاج. واستمرت الطبيعتان فى الوجود. وكل طبيعة احتفظت بخصائصها بغير امتزاج مع الطبيعة الأخرى لكن هاتين الطبيعتين كونتا مع بعضهما البعض اتحاداً حقيقياً. هذا الاتحاد يعبّر عنه بالطبيعة الخاصة بالتجسد أو طبيعة التجسد. فالذين يتكلمون عن طبيعتين غير منفصلتين بعد الاتحاد يتكلمون عن استمرار وجود الطبيعتين. وأما الذين يتكلمون عن طبيعة واحدة بغير امتزاج يتكلمون عن حالة وجود الطبيعتين لكن كلاهما يرفض التقسيم من بعد الاتحاد كما يرفض الامتزاج فى الاتحاد. بل أن هذين التعبيرين المتمايزين يمكنهما أن يزيدا روح الرؤيا إذا وضعا بجانب بعضهما البعض فيشرحا حقيقة الموقف بصورة أوضح. ففى تعبيرنا القبطى الأرثوذكسى نحن نقول طبيعة واحدة من طبيعتين فإذا قبل الطرف الآخر تعبيرنا، ويقول أنه يؤمن بطبيعتين بغير انفصال. نعرف أن تعبيره ليس فيه خطأ على الإطلاق طالما هو يقبل تعبيرى ويؤكده؛ وفى نفس الوقت يقصد بتعبيره أنه ليس هناك إلغاء لأى من الطبيعتين بل استمرتا فى الوجود من بعد الاتحاد. فالتعبيرات المختلفة تدعّم وتقوى بعضها البعض ولا تتصارع أو تتقاتل. هذا مَثل من أمثلة كثيرة فى كيفية التفريق بين الاختلاف فى التعبير اللاهوتى والاختلاف فى جوهر العقيدة والإيمان.
والخلاصة من هذه النقطة إن ما يجب أن نغرسه ونعلمه للنشء هو ألا يتسرّع فى الحكم على من يختلف معه فى التعبير. يجب أن تنتظر حتى تعرف قصد المتكلم لأنه قد ينتهى إلى نفس الحقيقة التى تحيا فى داخلك لكنه يعبّر عنها بطريقة مختلفة. حاول أن تسمع وفكّر بهدوء بعقلية صافية ولا تتصيد الأخطاء.
ثالثاً : المسكونية هى انفتاح وليست تنازلاً
ليست المسكونية هى التنازل عن العقيدة إرضاءً للآخر أو مجاملةً إنما المسكونية هى الانفتاح لسماع الآخر والحوار معه ومحاولة إيجاد نقط تلاقى. ففى أثناء انعقاد الجمعية العمومية السابعة لمجلس الكنائس العالمى فى كامبرا بأستراليا فوجئنا بصدور بيانات أثناء انعقاد الجمعية وأثناء وجودنا هناك كأعضاء فى المجلس -وليس كمراقبين- فوجدنا البعض يتكلمون عن الضيافة الإفخاريستية Eucharistic Hospitality بحسب تعبيرهم أى كنائس مضيافة؛ بمعنى أنه إذا دخل أى شخص إليهم يناولونه. هذه رؤيتهم للأمر ونحن نحترمها، لكنهم يهاجمون أى كنيسة لا تعمل مثلما يعملون؛ فكيف يشتركون فى اجتماع مسكونى وهم يهاجمون الكنائس الأخرى؟ ومعنى هذا الهجوم هو أنهم يفرضون على الآخرين أن يعملوا مثلهم وإلا صرنا فى نظرهم متخلفين أو متعصبين.. ألخ. نحن نحب أن نعرف رأى الآخرين ونستمع لهم فى شرحهم لقضيتهم فى ورقة تعبّر عن وجهة نظر الآخر لكن ما فعله أصحاب مبدأ الضيافة الإفخاريستية هو أنهم نشروا رؤيتهم فى بيانات عامة وليست كرؤية خاصة وكإدانة من الغالبية للأقلية الموجودة. (فالأرثوذكس فى العالم يمثلون خمس وعشرون فى المائة من المجلس وتمثل الطوائف البروتستانتية فى مجموعها خمسة وسبعون فى المائة من المجلس أما الكاثوليك فلم يشتركوا ويحضرون كمراقبين فى كل الأقسام ماعدا قسم Faith and Order الذى يشتركون فيه بعضوية محدودة لا تمثل حقيقة عددهم فى العالم).
المسكونية الحقيقية لا تطالب أى شخص بالتنازل عن عقيدته إرضاءً للآخر. لكن هى التفاهم فى القضايا المعروضة للوصول إلى حلول. لكن بيان الاحتجاج الذى أصدره أصحاب رأى الضيافة الإفخاريستية كأغلبية جعل الأقلية تشعر أنها تحت ضغط، وليست هذه هى المسكونية ولا هذا هو الانفتاح.
دور الطرف الآخر :
ما هو دور الطرف الآخر إذاً؟ هنا تأتى أهمية التنشئة المسكونية. التنشئة المسكونية ليست كما انتشر فى أذهان البعض فى الزمن الحاضر، إنها هى التنازل عن العقيدة إرضاءً للآخر لأن هذا لا يوصل إلى وحدة حقيقية. فهم يقولون أنت مسكونى حينما لا تتمسك بأى فكر وهذا تعريف جديد للمسكونية قد تتقبله قطاعات كبيرة، لكن لا يقبله الكثيرون أيضاً، ممن يريدون الوصول إلى الوحدة عن طريق الحوار الذى يؤدى إلى التفاهم ووحدانية الفكر.
رابعاً : غرس فكرة الوحدة فى نفوس النشء
إن غرس فكرة الوحدة فى نفوس النشء هى مطلب أساسى للحياة المسيحية. بعض الكنائس أو الكهنة والرعاة يغرسون فكر التمزق فى الناس. فكيف نعلِّم الطفل إذاً من صغره فى الكنيسة أن يسعى من أجل وحدة الكنيسة؟ هل بموافقتنا بأن يتناول من الأسرار فى كنيسة أخرى؟ لا، ليس هذا هو المقصود. إنما المقصود هو أن ينشأ الطفل ولديه الاستعداد ليصادق الأطفال من الطوائف الأخرى ويتفاهم معهم فى حوار هـادئ، بروح الصداقة والمودة بقدر مفاهيمهم الصغيرة.
لا مانع أن يكون للطفل صداقة بريئة مع أى طفل آخر من الطوائف الأخرى، فلا ينظر له كخِصم أو عدو. يجب علينا أن نغرس هذه الروح ولو كبذرة صغيرة. ويجب أن يؤمن الطفل بقضية الوحدة الكنسية ( وسوف نشرح فى البند السابع ما هو أساس قيام الوحدة فى الكنيسة).