ايها الشاب السوري
جبران خليل جبران (1883 -1931)
مجلة الشمس 1927
هل سألت ذاتك ايها الشاب السوري ما اذا كنت من ابناء الامس ام من ابناء الغد ؟
هل خلوت بنفسك متفحصاً اعماقها مستجوباً خفاياها لتعلم ما إذا كانت سائرة كأسير يجر قيوده في موكب الماضي او ماشية كالحر بقدم ثابتة ورأس مرفوع في موكب المستقبل ؟
هل انت ساكن في المنزل المعنوي الذي بناه آباؤك وجدودك ام انت مجد في بناء منزل لأبنائك واحفادك ؟
هل انت ممن يعيشون في عالم التذكار او ممن يحيون في عالم المقاصد؟
هل يسير بك خيالك الى البلدة التي ولدت فيها فترى نفسك مع صبيان يلعبون في الساحات فتتأوه قائلاً في ذاتك (ما احلى تلك الأيام التي لا و لن تعود) ام يقودك خيالك الى سوريا الجديدة فترى ذاتك رجلا بين الرجال يخدمون امتهم بقوى عقولهم او بنبالة ارواحهم او بعزم سواعدهم ؟
هل انت ممن يقرأون أخبار المتقدمين - واكثرها تلفيق في تلفيق فتتوهم بانهم كانوا حاصلين على جميع الكمالات البشرية وان بذهابهم ذهب الفضل والسؤدد والشرف وعلو الهمة ؟.
او انت ممن انار الله بصائرهم فعملت ان مآتي الماضي لم تكن سوى درجات تعلو الواحدة الاخرى تصعد عليها الى حيث الرقي الحقيقي والمعرفة الصحيحة؟
قل لي ايها الشاب السوري، قل لي بما تفتكر وبما تحلم في خلواتك؟ هل تندب الماضي ام تتشوق الى المستقبل؟
هل تنتقل على غير معرفة منك بين قبور الذين طوتهم الارض ام تسبح مرفوعاً على اسراب النفوس التي لم تولد بعد؟
هل تحسب ذاتك نهاية الامر كان ام بداية لامر سيكون؟
ومن هم يا ترى ابطال احلامك وعرائس امانيك؟
هل سألت نفسك في تلك الساعة التي تمر بين النعاس والنوم ادعى رجال التاريخ الى اعجابك واقربهم الى محبتك واحترامك؟
لقد جاء في الامثال (قل لي من تعاشر اقل لك من انت)
اما انا فأزيد على ذلك (قل لي من هم ابطال احلامك من رجال التاريخ اقل لك من انت)
اذا كنت معجباً بنابلوين فأنت من أبناء الأمس فنابليون هو مجموعة غريبة لم تأتلف في شخص آخر من قبله او بعده ، لم يفعل شيئاً عظيماً للغد وموقعة واترلو كانت كفنا ولحداً لجميع منازعه واغراضه. وذلك السلطان العظيم الذي صرف عشرين سنة في رفعه على رابية من الجماجم قد هبط الى الحضيض واضمحل في يوم واحد!
واذا كنت معجباً بواشنطون فانت من ابناء الغد ومع ان واشنطون لم يكن داهية عسكرية ولا نابغة فكرية كنابلوين ، قد وضع الاساس لاعظم وانبل بناء اجتماعي امام وجه الشمس.
اخبرني ايها الشاب السوري عن رأيك في بلادك؟
ان كنت من الذين لا يذكرون بلادهم الا ويتغنون بمجد الامم التي فتحت سوريا وحكمتها فأنت اذاً كهف يرجع صدى الاغاني العتيقة ولست بصوت حي يتصاعد نحو الاثير ويتموج مع الهواء. وان كنت من الذين يتبصرون المستقبل من خلال غيوم الحاضر فيرون سوريا بلاداً عامرة والسوريين امة حرة حية نشيطة تسير مستقلة وحدها ولا تستند الى عكاز ، اذاً انت من ابناء الغد الذين سيساعدون سوريا على تحقيق آمالها وامانيها.
اخبرني ايها الشاب السوري . اخبرني عن عقيدتك الدينية . هل انت ممن يخلطون بين الاختبار الروحي والوهم فيبتعدون عن الاول بابتعادهم عن الثاني وينكرون الحق بكرههم ما التصق به من خرافات. اذاً فانت من ابناء الماضي الطرشان الذين لا يميزون بين نقيق الضفادع وترنيمة الشحرور.
وان كنت من اولئك الذين حبتهم الحياة فأرتهم بأن التقاليد والاساطير من مفرزات الارض وهي زائلة وان الدين من اثمار التشويق النفسي وهو خالد. اذا فانت من ابناء المستقبل الذين يسيرون نحو محجة الحق على سبل الفضل والفضيلة.
اخبرني ايها الشاب السوري. اخبرني ما رأيك في العلم وآله؟ اذا كنت من الذين يصَفون الالفاظ الرنانة بعضها ازاء بعض وينصبون فوق المنابر ليحشوا آذان الناس بنتف من المدارك السطحية المقتبسة بين جدران المدارس. اذا فانت من اطفال الماضي الذين لا يدركون الفقاقيع اللماعة التي تقوم هنيهة على وجه الماء ثم تنطفئ والكواكب التي تسير ابدا بهدوء وجلال في القبة الزرقاء. وان كنت من اولئك الذين يدركون بالفطرة ان العلم هو الاخلاق، وفي الاخلاق ، ومن الاخلاق ، اذاً فانت من ابناء الغد الذين لا تستوي لديهم الانوار والظلمات.
الا فاخبرني ايها الشاب السوري . اخبرني هل انت من ابناء الامس لنندبك ميتاً ام انت من ابناء الغد ، لنحييك اخاً حياً.
جبران خليل جبران (1883 -1931)
مجلة الشمس 1927
هل سألت ذاتك ايها الشاب السوري ما اذا كنت من ابناء الامس ام من ابناء الغد ؟
هل خلوت بنفسك متفحصاً اعماقها مستجوباً خفاياها لتعلم ما إذا كانت سائرة كأسير يجر قيوده في موكب الماضي او ماشية كالحر بقدم ثابتة ورأس مرفوع في موكب المستقبل ؟
هل انت ساكن في المنزل المعنوي الذي بناه آباؤك وجدودك ام انت مجد في بناء منزل لأبنائك واحفادك ؟
هل انت ممن يعيشون في عالم التذكار او ممن يحيون في عالم المقاصد؟
هل يسير بك خيالك الى البلدة التي ولدت فيها فترى نفسك مع صبيان يلعبون في الساحات فتتأوه قائلاً في ذاتك (ما احلى تلك الأيام التي لا و لن تعود) ام يقودك خيالك الى سوريا الجديدة فترى ذاتك رجلا بين الرجال يخدمون امتهم بقوى عقولهم او بنبالة ارواحهم او بعزم سواعدهم ؟
هل انت ممن يقرأون أخبار المتقدمين - واكثرها تلفيق في تلفيق فتتوهم بانهم كانوا حاصلين على جميع الكمالات البشرية وان بذهابهم ذهب الفضل والسؤدد والشرف وعلو الهمة ؟.
او انت ممن انار الله بصائرهم فعملت ان مآتي الماضي لم تكن سوى درجات تعلو الواحدة الاخرى تصعد عليها الى حيث الرقي الحقيقي والمعرفة الصحيحة؟
قل لي ايها الشاب السوري، قل لي بما تفتكر وبما تحلم في خلواتك؟ هل تندب الماضي ام تتشوق الى المستقبل؟
هل تنتقل على غير معرفة منك بين قبور الذين طوتهم الارض ام تسبح مرفوعاً على اسراب النفوس التي لم تولد بعد؟
هل تحسب ذاتك نهاية الامر كان ام بداية لامر سيكون؟
ومن هم يا ترى ابطال احلامك وعرائس امانيك؟
هل سألت نفسك في تلك الساعة التي تمر بين النعاس والنوم ادعى رجال التاريخ الى اعجابك واقربهم الى محبتك واحترامك؟
لقد جاء في الامثال (قل لي من تعاشر اقل لك من انت)
اما انا فأزيد على ذلك (قل لي من هم ابطال احلامك من رجال التاريخ اقل لك من انت)
اذا كنت معجباً بنابلوين فأنت من أبناء الأمس فنابليون هو مجموعة غريبة لم تأتلف في شخص آخر من قبله او بعده ، لم يفعل شيئاً عظيماً للغد وموقعة واترلو كانت كفنا ولحداً لجميع منازعه واغراضه. وذلك السلطان العظيم الذي صرف عشرين سنة في رفعه على رابية من الجماجم قد هبط الى الحضيض واضمحل في يوم واحد!
واذا كنت معجباً بواشنطون فانت من ابناء الغد ومع ان واشنطون لم يكن داهية عسكرية ولا نابغة فكرية كنابلوين ، قد وضع الاساس لاعظم وانبل بناء اجتماعي امام وجه الشمس.
اخبرني ايها الشاب السوري عن رأيك في بلادك؟
ان كنت من الذين لا يذكرون بلادهم الا ويتغنون بمجد الامم التي فتحت سوريا وحكمتها فأنت اذاً كهف يرجع صدى الاغاني العتيقة ولست بصوت حي يتصاعد نحو الاثير ويتموج مع الهواء. وان كنت من الذين يتبصرون المستقبل من خلال غيوم الحاضر فيرون سوريا بلاداً عامرة والسوريين امة حرة حية نشيطة تسير مستقلة وحدها ولا تستند الى عكاز ، اذاً انت من ابناء الغد الذين سيساعدون سوريا على تحقيق آمالها وامانيها.
اخبرني ايها الشاب السوري . اخبرني عن عقيدتك الدينية . هل انت ممن يخلطون بين الاختبار الروحي والوهم فيبتعدون عن الاول بابتعادهم عن الثاني وينكرون الحق بكرههم ما التصق به من خرافات. اذاً فانت من ابناء الماضي الطرشان الذين لا يميزون بين نقيق الضفادع وترنيمة الشحرور.
وان كنت من اولئك الذين حبتهم الحياة فأرتهم بأن التقاليد والاساطير من مفرزات الارض وهي زائلة وان الدين من اثمار التشويق النفسي وهو خالد. اذا فانت من ابناء المستقبل الذين يسيرون نحو محجة الحق على سبل الفضل والفضيلة.
اخبرني ايها الشاب السوري. اخبرني ما رأيك في العلم وآله؟ اذا كنت من الذين يصَفون الالفاظ الرنانة بعضها ازاء بعض وينصبون فوق المنابر ليحشوا آذان الناس بنتف من المدارك السطحية المقتبسة بين جدران المدارس. اذا فانت من اطفال الماضي الذين لا يدركون الفقاقيع اللماعة التي تقوم هنيهة على وجه الماء ثم تنطفئ والكواكب التي تسير ابدا بهدوء وجلال في القبة الزرقاء. وان كنت من اولئك الذين يدركون بالفطرة ان العلم هو الاخلاق، وفي الاخلاق ، ومن الاخلاق ، اذاً فانت من ابناء الغد الذين لا تستوي لديهم الانوار والظلمات.
الا فاخبرني ايها الشاب السوري . اخبرني هل انت من ابناء الامس لنندبك ميتاً ام انت من ابناء الغد ، لنحييك اخاً حياً.