الاستقلال والطرابيش
قرأت منذ أمد غير بعيد مقالا لأديب كان يعترض و يحتج فيه على ربان و موظفي باخرة فرنسيةأقلته من سورية إلى مصر .ذلك لأن هؤلاء قد أجبروه
أو حاولوا إجباره على خلع طربوشه أثناء جلوسه إلى مائدة الطعام و كلنا يعلم أن خلع القبعات تحت كل سقف عادة مرعية عند الغربيين
أجل يعجبني أن أرى الشرقي متمسكا ببعض مزاعمه قابضا و لو على ظل من ظلال عاداته القومية
و لكن إعجابي هذا لا ولن يمحو ما وراءه من الحقائق الخشنة المستتبة المتشبثة بذاتية الشرق ومنازع الشرق و مزارعم الشرق
ولو فكر ذلك الأديب الذي استصعب خلع طربوشه في الباخرة الإفرنجية بأن ذلك الطربوش الشريف قد صنع في معمل إفرنجي لهان عليه خلعه
في أي مكان و في أي باخرة إفرنجية
لو فكر أديبنا بأن الاستقلال الشخصي في الأمور الصغيرة سيكون رهن اللاستقلال الفني ةالاستقلال الصناعي
وهما كبيران لخلع طربوشه ممتثلا صامتا
لو فكر صاحبنا بأن الأمة المستعبدة بروحها و عقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها
لو فكر بذلك لما كتب مقاله معترضا
مصاب أديبنا الشجاع أنه قد اعترض على النتائج ولم يحفل بالأسباب فتناولته الأعراض قبل أن يستميله الجوهر وهذ شأن أكثر الشرقيين الذين يأبون أن يكونوا
شرقيين إلا بتوافه الأمور وصغائرها مع أنهم يفاخرون بما اقتبسوه من الغربيين مما ليس بتافه أو صغير
أقول لأديبنا وأقول لجميع المتطربشين :ألا فاصنعوا طرابيشكم بيدكم ثم تخيروا في ما تفعلونه بطرابيشكم على ظهر الباخرة أو على قمة الجبل أو في جوف الوادي
و تعلم السماء أن هذه الكلمة لم تكتب في الطرابيش أو في شأن خلعها أو استبقائها على الرؤوس تحت السقوف أو تحت المجرة .
تعلم السماء أنها كتبت في أمر أبعد من كل طربوش فوق كل رأس .
عن كتاب البدائع والطرائف
الملاك الثائر جبران خليل جبران
__________________
أنا يا صديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب
لولا العباءات التي التفوا بها
ما كنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعة وحراب
ماتت خيول بني أمية كلها
خجلا ... وظل الصرف و الإعراب
قرأت منذ أمد غير بعيد مقالا لأديب كان يعترض و يحتج فيه على ربان و موظفي باخرة فرنسيةأقلته من سورية إلى مصر .ذلك لأن هؤلاء قد أجبروه
أو حاولوا إجباره على خلع طربوشه أثناء جلوسه إلى مائدة الطعام و كلنا يعلم أن خلع القبعات تحت كل سقف عادة مرعية عند الغربيين
أجل يعجبني أن أرى الشرقي متمسكا ببعض مزاعمه قابضا و لو على ظل من ظلال عاداته القومية
و لكن إعجابي هذا لا ولن يمحو ما وراءه من الحقائق الخشنة المستتبة المتشبثة بذاتية الشرق ومنازع الشرق و مزارعم الشرق
ولو فكر ذلك الأديب الذي استصعب خلع طربوشه في الباخرة الإفرنجية بأن ذلك الطربوش الشريف قد صنع في معمل إفرنجي لهان عليه خلعه
في أي مكان و في أي باخرة إفرنجية
لو فكر أديبنا بأن الاستقلال الشخصي في الأمور الصغيرة سيكون رهن اللاستقلال الفني ةالاستقلال الصناعي
وهما كبيران لخلع طربوشه ممتثلا صامتا
لو فكر صاحبنا بأن الأمة المستعبدة بروحها و عقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها
لو فكر بذلك لما كتب مقاله معترضا
مصاب أديبنا الشجاع أنه قد اعترض على النتائج ولم يحفل بالأسباب فتناولته الأعراض قبل أن يستميله الجوهر وهذ شأن أكثر الشرقيين الذين يأبون أن يكونوا
شرقيين إلا بتوافه الأمور وصغائرها مع أنهم يفاخرون بما اقتبسوه من الغربيين مما ليس بتافه أو صغير
أقول لأديبنا وأقول لجميع المتطربشين :ألا فاصنعوا طرابيشكم بيدكم ثم تخيروا في ما تفعلونه بطرابيشكم على ظهر الباخرة أو على قمة الجبل أو في جوف الوادي
و تعلم السماء أن هذه الكلمة لم تكتب في الطرابيش أو في شأن خلعها أو استبقائها على الرؤوس تحت السقوف أو تحت المجرة .
تعلم السماء أنها كتبت في أمر أبعد من كل طربوش فوق كل رأس .
عن كتاب البدائع والطرائف
الملاك الثائر جبران خليل جبران
__________________
أنا يا صديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب
لولا العباءات التي التفوا بها
ما كنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعة وحراب
ماتت خيول بني أمية كلها
خجلا ... وظل الصرف و الإعراب