الإنترنت ديمقراطية اجتماعية تحطم المحظورات
قال محمد الماغوط: (العرب كالهليوكبتر ضجيجهم أكبر من سرعتهم)
ينسحب هذا القول على الكثير من المجالات وضمنها الإنترنت والمعلوماتية، التي لا يمكن تقييم تجربة الشباب السوري فيها بمعزل عن خصوصيتها التي اتسمت في بدايتها بالاقتصار على الهيئات الرسمية، واتسعت تدريجياً فيما بعد خلال خمس سنوات من المشروع التجريبي، عبر مزودي الخدمة في كل من مؤسستي الاتصالات والجمعية المعلوماتية، وصولاً إلى انتشارها حالياً واشتمالها على شرائح اجتماعية وفئات عمرية مختلفة، غالبيتهم من الشباب الذين نطرح اليوم كيفية استخدام غالبيتهم لهذه التقنية وأثرها على الحياة الاجتماعية!
توجه إلى مركز أو مقهى للإنترنت، وسترى معظم مستخدمي الشبكة يضعون المايكروفون على أفواههم، وقد انهمكوا في محادثات صوتية عبر غرف الدردشة، أو اكتفوا بالكتابة والرسائل، وعند الدخول إلى أي من هذه الغرف (التي لا يمكن أحصاؤها) ستكتشف أننا نشترك بوحدة حال عربية في ذلك! فما إن ولجت لغرفة (الصبايا الحلوين) باسم (ديدي)، حتى كان أبو الفوارس حاضراً للترحيب بي من أبو ظبي، ولدى التنقل بين عدة غرف دردشة، تبدو الأغاني والأبراج والأخبار الفنية والعامة وحتى الشخصية هي سيدة الموقف، وهنا الجميع يحتال على الجميع بأسماء وهمية.
فالشباب يتخذون أسماء فتيات، والفتيات يتخذن أسماء شباب والجميع يضع أسماء مستعارة، وألقاب لا تخلو من الطرافة مثل سكرتيرة المدير العام، أو الممرضة والدكتور.. ومعظمها يلعب على وتر القوة والحزن ك(ملك الشات والسلطان والشاعر الولهان والأمير الحزين).
ونظراً لغياب الدراسات المحلية عن مستخدمي الإنترنت وعددهم واستخداماتهم وفئاتهم العمرية يصبح أصحاب المقاهي الإنترنت مرجعاً لتقديم نتائج تقريبية ويؤكد معظمهم أن الشباب بنسبة 80 % يستخدموا الشبكة للدردشة وتحميل الأغاني.
إدمان وهروب من الواقع!
أما النسبة الباقية 20 % فهي من الباحثين عن مراجع وأبحاث ومعلومات محددة وهؤلاء غالباً من فئات عمرية واجتماعية محددة مثل الأطباء وأساتذة وطلبة الدكتوراه أو الماجستير والذين لا يطول بقاؤهم على الشبكة كثيراً.
والمواقع الأكثر دخولاً بشكل عام هي
Mascenger-Yahoo-Hotmail-StyB وكذلك غرف الدردشة مثل Syria Room وجلسات الإنترنت تمتد بين 4-6 ساعات يومياً، وفي حالات أخرى تستمر 16 ساعة و36 ساعة متواصلة، وبشكل عام تشكل حالة من الإدمان (وهي مشكلة عالمية) فالشبكة تقدم لك عالماً بكامله بين يديك تتنقل في أرجائه بكبسة زر، وهذا العالم مخالف للواقع الذي تعيشه وهو فرصة للهروب من المشكلات.
لا يجد في ذلك أي مشكلة رواد الشبكة خاصة إزاء إمكانية النقاش الحر والتطرق لمختلف المواضيع بحرية، وهذا يقدم حالة من ديمقراطية لا يعرفونها في حياتهم اليومية، ويعزز ذلك الشخصيات الوهمية التي تقدمها الأسماء والألقاب ضماناً لسرية الشخصية وبالتالي تصبح القدرة على التعبير أكبر، رغم ذلك تفضل بعض الفتيات الدخول إلى الشبكة من المنزل مثل (عتاب) لأنها تجد أنها تتحدث بأريحية أكثر دون أن يكتشفها أحد من مشتركي المقاهي، نظراً لكونها متفرغة وعاطلة عن العمل فهي تبقى على الشبكة يومياً حوالي ست وأحياناً عشر ساعات، وهي ليست الوحيدة التي أمنت لها الإنترنت بمعطياتها الواسعة متنفساً جديداً للفراغ الذي نعيشه والذي يحكمه ضياع آخر تجمله الشبكة بالتسلية ونسيان الهموم والمشكلات.
بطولات ديجيتالية!
البطولة عامل آخر في ولوج عالم الديجيتال، بهدف التنافس الذي قد يصل إلى حد اختراق البريد الإلكتروني وإزعاج الآخرين وكشف خصوصياتهم، من باب التباهي الذي يحقق بعض الشبان ذواتهم فيه (رضا) هو أحد الشبان الذين يحترفوا هذه المهمات الصعبة كي يبرهن للجميع أنه الأفضل!
وأثناء وجودنا في المقهى دخل إلى إحدى غرف الحوار باسم (سوسو) وتحدث مع بعض الشبان في المقهى عبر الغرفة، وقدم لهم مواعيد وأرقام هواتف، دون أن ينتبه أي منهم إلى أنه كان بجانبهم ويراهم وخرج وهو يشعر أنه حقق نصراً لا يجاريه به أحد.
على صعيد آخر تقدم هذه الخدمة تفريغاً لرغبات مكبوتة عبر المواقع الإباحية التي أكد معظم من التقيناهم من الشباب أنها شيء بديهي، فكل ممنوع مرغوب يقول (باسل.خ) طالب هندسة: (إنه أمر طبيعي أن يدخل الشباب وأحياناً الفتيات لهذه المواقع من باب الاطلاع، عدا الحرمان الذي نعيشه ويكثر الشبان في البداية من الدخول لهذه المواقع وبعضهم يتوقف عنها، وبعضهم لا يتوقف، والأمر كله من منطلق الذهول والانبهار بهذه التقنية وما تتيحه لنا) وليس فقط تابو الجنس يتم اختراقه عبر الشبكة وإنما كل المحظورات إن شئتم، فأمام كل حدث جلل تمر به المنطقة على الصعيد السياسي يصبح الضغط على الشبكة كبيراً، بسبب دخول معظم المستطلعين للأخبار إلى مواقع الصحف للاطلاع على معلومات غير متوافرة محلياً قطعاً.
لا للتأثيرات السلبية!
الوقت في هذه التقنية يكون مزدوج العواقب، فيكون إما مؤشراً للهدر من جهة، وإما مؤشراً لإمكانية التوفير والسيطرة عليه، وبين الحالتين تتفاوت التأثيرات المجتمعية بين السلب والإيجاب عبر استثمار الوقت بما هو مجد، وحصر دائرة العلاقات الاجتماعية أكثر، ويقابلها انغلاقاً في العلاقات والوقت والضوابط مع حالة الإدمان على المراسلات والتعارف.
فالتقنية أياً كانت هي سلاح ذو حدين، فالحوار باستخدام الكاميرا على الشبكة يمتن الأواصر الاجتماعية بين الأسر التي يكون بعض أفرادها مغتربين مثلاً.
أسئلة مفتوحة:
ويفضل الدكتور (حسان المالح) طبيب نفسي: (التركيز على إيجابيات الإنترنت فحالة الهروب من الواقع التي توفرها هي نتيجة بديهية الاستخدام لكون الإنسان مجبولاً على الهروب من الألم والبحث عن اللذة والمتعة الشخصية، وإيجابيات الاستخدام تتحقق بتعلم أساسيات تقنيات الكومبيوتر، بما يخدم تطوير المهارات العامة والفردية ويناسب تطورات العصر، وذلك من خلال شرح فوائدها بدل التركيز على سلبياتها، والتركيز على السلبيات لا يدرج في إطار التضخيم المطلق، وإنما من باب التساؤلات التي تثيرها الإحصاءات العربية عند مستخدمي الإنترنت والذين لا يتجاوزون 3 %، ومعظمهم يستخدمها للتسلية والترفيه، وهي ليست أول تقنية نستخدمها للتسلية فقد سبقها الموبايل والتلفاز وغيرهم، ولكن ذلك يستدعي البحث عن سبب التطورات المجتمعية التي فجرتها التقنية في الغرب وأثرها على الفكر الغربي الذي تقدم بقفزات معرفية كبيرة، بينما اقتصرت تجربة العرب على تلقف المنجز الغربي جاهزاً ورفض الفكر والفلسفة التي أفضت إليه!).
فهل يرتبط ذلك بطبيعة الفكر والعقل العربي الذي يفضل قبول كل شيء كمسلمات غير قابلة للطعن؟!
(منقول)
قال محمد الماغوط: (العرب كالهليوكبتر ضجيجهم أكبر من سرعتهم)
ينسحب هذا القول على الكثير من المجالات وضمنها الإنترنت والمعلوماتية، التي لا يمكن تقييم تجربة الشباب السوري فيها بمعزل عن خصوصيتها التي اتسمت في بدايتها بالاقتصار على الهيئات الرسمية، واتسعت تدريجياً فيما بعد خلال خمس سنوات من المشروع التجريبي، عبر مزودي الخدمة في كل من مؤسستي الاتصالات والجمعية المعلوماتية، وصولاً إلى انتشارها حالياً واشتمالها على شرائح اجتماعية وفئات عمرية مختلفة، غالبيتهم من الشباب الذين نطرح اليوم كيفية استخدام غالبيتهم لهذه التقنية وأثرها على الحياة الاجتماعية!
توجه إلى مركز أو مقهى للإنترنت، وسترى معظم مستخدمي الشبكة يضعون المايكروفون على أفواههم، وقد انهمكوا في محادثات صوتية عبر غرف الدردشة، أو اكتفوا بالكتابة والرسائل، وعند الدخول إلى أي من هذه الغرف (التي لا يمكن أحصاؤها) ستكتشف أننا نشترك بوحدة حال عربية في ذلك! فما إن ولجت لغرفة (الصبايا الحلوين) باسم (ديدي)، حتى كان أبو الفوارس حاضراً للترحيب بي من أبو ظبي، ولدى التنقل بين عدة غرف دردشة، تبدو الأغاني والأبراج والأخبار الفنية والعامة وحتى الشخصية هي سيدة الموقف، وهنا الجميع يحتال على الجميع بأسماء وهمية.
فالشباب يتخذون أسماء فتيات، والفتيات يتخذن أسماء شباب والجميع يضع أسماء مستعارة، وألقاب لا تخلو من الطرافة مثل سكرتيرة المدير العام، أو الممرضة والدكتور.. ومعظمها يلعب على وتر القوة والحزن ك(ملك الشات والسلطان والشاعر الولهان والأمير الحزين).
ونظراً لغياب الدراسات المحلية عن مستخدمي الإنترنت وعددهم واستخداماتهم وفئاتهم العمرية يصبح أصحاب المقاهي الإنترنت مرجعاً لتقديم نتائج تقريبية ويؤكد معظمهم أن الشباب بنسبة 80 % يستخدموا الشبكة للدردشة وتحميل الأغاني.
إدمان وهروب من الواقع!
أما النسبة الباقية 20 % فهي من الباحثين عن مراجع وأبحاث ومعلومات محددة وهؤلاء غالباً من فئات عمرية واجتماعية محددة مثل الأطباء وأساتذة وطلبة الدكتوراه أو الماجستير والذين لا يطول بقاؤهم على الشبكة كثيراً.
والمواقع الأكثر دخولاً بشكل عام هي
Mascenger-Yahoo-Hotmail-StyB وكذلك غرف الدردشة مثل Syria Room وجلسات الإنترنت تمتد بين 4-6 ساعات يومياً، وفي حالات أخرى تستمر 16 ساعة و36 ساعة متواصلة، وبشكل عام تشكل حالة من الإدمان (وهي مشكلة عالمية) فالشبكة تقدم لك عالماً بكامله بين يديك تتنقل في أرجائه بكبسة زر، وهذا العالم مخالف للواقع الذي تعيشه وهو فرصة للهروب من المشكلات.
لا يجد في ذلك أي مشكلة رواد الشبكة خاصة إزاء إمكانية النقاش الحر والتطرق لمختلف المواضيع بحرية، وهذا يقدم حالة من ديمقراطية لا يعرفونها في حياتهم اليومية، ويعزز ذلك الشخصيات الوهمية التي تقدمها الأسماء والألقاب ضماناً لسرية الشخصية وبالتالي تصبح القدرة على التعبير أكبر، رغم ذلك تفضل بعض الفتيات الدخول إلى الشبكة من المنزل مثل (عتاب) لأنها تجد أنها تتحدث بأريحية أكثر دون أن يكتشفها أحد من مشتركي المقاهي، نظراً لكونها متفرغة وعاطلة عن العمل فهي تبقى على الشبكة يومياً حوالي ست وأحياناً عشر ساعات، وهي ليست الوحيدة التي أمنت لها الإنترنت بمعطياتها الواسعة متنفساً جديداً للفراغ الذي نعيشه والذي يحكمه ضياع آخر تجمله الشبكة بالتسلية ونسيان الهموم والمشكلات.
بطولات ديجيتالية!
البطولة عامل آخر في ولوج عالم الديجيتال، بهدف التنافس الذي قد يصل إلى حد اختراق البريد الإلكتروني وإزعاج الآخرين وكشف خصوصياتهم، من باب التباهي الذي يحقق بعض الشبان ذواتهم فيه (رضا) هو أحد الشبان الذين يحترفوا هذه المهمات الصعبة كي يبرهن للجميع أنه الأفضل!
وأثناء وجودنا في المقهى دخل إلى إحدى غرف الحوار باسم (سوسو) وتحدث مع بعض الشبان في المقهى عبر الغرفة، وقدم لهم مواعيد وأرقام هواتف، دون أن ينتبه أي منهم إلى أنه كان بجانبهم ويراهم وخرج وهو يشعر أنه حقق نصراً لا يجاريه به أحد.
على صعيد آخر تقدم هذه الخدمة تفريغاً لرغبات مكبوتة عبر المواقع الإباحية التي أكد معظم من التقيناهم من الشباب أنها شيء بديهي، فكل ممنوع مرغوب يقول (باسل.خ) طالب هندسة: (إنه أمر طبيعي أن يدخل الشباب وأحياناً الفتيات لهذه المواقع من باب الاطلاع، عدا الحرمان الذي نعيشه ويكثر الشبان في البداية من الدخول لهذه المواقع وبعضهم يتوقف عنها، وبعضهم لا يتوقف، والأمر كله من منطلق الذهول والانبهار بهذه التقنية وما تتيحه لنا) وليس فقط تابو الجنس يتم اختراقه عبر الشبكة وإنما كل المحظورات إن شئتم، فأمام كل حدث جلل تمر به المنطقة على الصعيد السياسي يصبح الضغط على الشبكة كبيراً، بسبب دخول معظم المستطلعين للأخبار إلى مواقع الصحف للاطلاع على معلومات غير متوافرة محلياً قطعاً.
لا للتأثيرات السلبية!
الوقت في هذه التقنية يكون مزدوج العواقب، فيكون إما مؤشراً للهدر من جهة، وإما مؤشراً لإمكانية التوفير والسيطرة عليه، وبين الحالتين تتفاوت التأثيرات المجتمعية بين السلب والإيجاب عبر استثمار الوقت بما هو مجد، وحصر دائرة العلاقات الاجتماعية أكثر، ويقابلها انغلاقاً في العلاقات والوقت والضوابط مع حالة الإدمان على المراسلات والتعارف.
فالتقنية أياً كانت هي سلاح ذو حدين، فالحوار باستخدام الكاميرا على الشبكة يمتن الأواصر الاجتماعية بين الأسر التي يكون بعض أفرادها مغتربين مثلاً.
أسئلة مفتوحة:
ويفضل الدكتور (حسان المالح) طبيب نفسي: (التركيز على إيجابيات الإنترنت فحالة الهروب من الواقع التي توفرها هي نتيجة بديهية الاستخدام لكون الإنسان مجبولاً على الهروب من الألم والبحث عن اللذة والمتعة الشخصية، وإيجابيات الاستخدام تتحقق بتعلم أساسيات تقنيات الكومبيوتر، بما يخدم تطوير المهارات العامة والفردية ويناسب تطورات العصر، وذلك من خلال شرح فوائدها بدل التركيز على سلبياتها، والتركيز على السلبيات لا يدرج في إطار التضخيم المطلق، وإنما من باب التساؤلات التي تثيرها الإحصاءات العربية عند مستخدمي الإنترنت والذين لا يتجاوزون 3 %، ومعظمهم يستخدمها للتسلية والترفيه، وهي ليست أول تقنية نستخدمها للتسلية فقد سبقها الموبايل والتلفاز وغيرهم، ولكن ذلك يستدعي البحث عن سبب التطورات المجتمعية التي فجرتها التقنية في الغرب وأثرها على الفكر الغربي الذي تقدم بقفزات معرفية كبيرة، بينما اقتصرت تجربة العرب على تلقف المنجز الغربي جاهزاً ورفض الفكر والفلسفة التي أفضت إليه!).
فهل يرتبط ذلك بطبيعة الفكر والعقل العربي الذي يفضل قبول كل شيء كمسلمات غير قابلة للطعن؟!
(منقول)