محامي " لا يخلو يوم أمام القضاء الشرعي دون وجود قضية زواج خطيفة "
الأسباب الاقتصادية في المقدمة وفقدان الحاضنة الاجتماعية يجعل النهايات كارثية
وجدت " مرام " في " موسى " فارس الأحلام الذي تتمناه زوجاً لها " ولأجله تركت " دراستها بمدرسة التمريض " كما تركت " منزل أهلها بعدما رفضوا قبوله كزوج بحجة عدم مناسبته لها " ومع ذلك لم يدم زواجهما أكثر من سنتين لينتهي بها المطاف خادمة في أحد منازل العاصمة دمشق
و" مرام " ليست سوى أنموذج للعديد من الفتيات اللاتي اخترن مستقبلهن عبر زواج " الخطيفة " وانتهى بهن المطاف بالفشل , في حين نجحت أخريات رغم المخاطر وتعذر أسباب النجاح والاستمرار .
وتؤكد إحصائيات دار الضيافة في حمص أنه خلال عام 2006 وحده دخلها / 231 / نزيلة بتهمة تشرد (وغالباً هذه التهمة تلصق على من تركت من منزل ذويها برفقة شخص ما ) من أصل / 940 / نزيلة حلت بالدار.
تعتيم
رغم تكتم المصادر الرسمية حول زواج الخطيفة, وامتناعها عن تزويدنا بالارقام، إلاّ أن هذا لا يمنع من كونه " ظاهرة كبيرة ومنتشرة ومتواجدة بكثرة في مجتمعنا برغم التعتيم الكبير عليها كأي قضية أخلاقية نعاني منها مثل جرائم الشرف والاغتصاب والمثلية الجنسية وسفاح المحرمات " وفقا لما قاله المحامي عماد الدروبي لسيريانيوز.
الأمر الذي تؤكده الاخصائية الاجتماعية إيمان موسى المدرسة بكلية التربية – قسم الإرشاد النفسي بجامعة البعث بقولها " زواج الخطيفة يضاف إلى قائمة المحرمات الموجودة في المجتمع " علماً أن المحامي الدروبي يسر لسيريانيوز بأنه " لا يكاد يخلو يوم أمام القضاء الشرعي دون وجود قضية زواج خطيفة "
الوضع الاقتصادي..اولا
في البحث عن أسباب زواج الخطيفة يشير المحامي الدروبي في حديثه لسيريانيوز أن " أسباب الخطيفة عديدة وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي للشباب كأن يكون غير قادر على الزواج وفق شروط ولي أمر الفتاة ووالدتها, ثم تأتي الخلافات الاجتماعية بين أسرة الشاب وأسرة الفتاة ( الاختلاف الطبقي المادي , الاختلاف الثقافي , اختلاف البيئات التربوية ) ثم لدينا الخلافات الدينية ( الخلاف ضمن المذهب الواحد , الخلاف في المذاهب ضمن الديانة الواحدة , الخلاف في الديانات) وأخيراً قد يكون الزواج هروباً من واقع تحياه الفتاة ".
من جهتها تذهب الأخصائية الاجتماعية موسى في تحديد أسباب زواج الخطيفة إلى أن " افتراض أن للأهل الحق في رسم حياة ابنتهم أو ابنهم بمسطرتهم وقلمهم الخاص وفق مفاهيمهم و مقاييسهم , الأمر الذي يدفع بالفتاة للهروب من المواجهة عند الرفض المطلق لخيارها " .
المخارج القانونية
مع خروج الفتاة من منزل ذويها بالاتفاق مع الشاب , تبدأ رحلة البحث عن الشرعية للعلاقة التي تربطهما , وفي الغالب تكون البداية بعقد " زواج عرفي " يتم تسطيره عند رجل دين , ثم يتم التحضير لتثبيت الزواج لدى المحكمة الشرعية .
أحد القضاة الشرعيين في حمص ( رفض الكشف عن اسمه ) قال لسيريانيوز" ببساطة يتم تحضير الأوراق الثبوتية المطلوبة , وتقديم دعوى تثبيت زواج وطلب نفقة من الفتاة المخطوفة ضد الخاطف, وهذه الدعوى تكون بالاتفاق بينهما, وهي الطريقة التي يتم من خلالها تثبيت الزواج ".
أمّا في حال كون الفتاة قاصراً فيخبرنا المحامي الدروبي عن الآلية بقوله " وفي حال كون الفتاة قاصر يتم إخفائها عن الأنظار لمدة زمنية ثم تتقدم بطلب تثبت فيه كونها حامل , ليتم بعد ذلك التثبيت "
التقرير الطبي ( الوثيقة )
الدروبي ومع سؤاله عن مدى التأكد من مصداقية التقارير الطبية الواردة للمحكمة قال " بإمكان المخطوفة رفع دعوى تثبيت زواج ومع تشدد القاضي الشرعي يتم تقديم تقرير طبي باثبات أن الزوجة – المخطوفة – حامل عندها لا مجال أمام القاضي سوى التثبيت.
ويتابع الدروبي "مع العلم أن التقرير الطبي يمكن الحصول عليه من أي طبيب مختص , وللقاضي الأخذ بظواهر الأمور أي أن أي تقرير طبي مصدق من نقابة الأطباء هو وثيقة يمكن للقاضي الاستناد عليها بتثبيت الزواج وصحته " .
فيما قال القاضي الشرعي " لقد ترك قانون الأحوال الشخصية للطرفين ( الشاب والفتاة ) حرية اختيار الطبيب, وفي حالات نادرة ( كأن يكون تاريخ الزواج غير متناسب مع مدة الحمل ) يمكن للقاضي طلب التأكد من الحمل من الطبيب الشرعي المختص ".
مسؤولية الفتاة ام الاهل..!
الاخصائية التربوية موسى وفي حديثها مع سيريانيوز تحمل الأهل مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الفتاة في زواج الخطيفة , وتؤكد أن " ولو أن مجتمعنا قد أنصف الفتاة لما كانت قد لجأت إلى هذه الطريقة في معالجة أمورها , فلو استطاعت ايجاد وسيلة لأفضل من الهروب كالنقاش والمحاورة بشكل موضوعي مع الأهل وإقناعهم برغبتها بالزواج من الشاب الذي تختار على اعتبار أنه هذه حياتها الخاصة وستتحمل عواقبها , لما أقدمت على الخطيفة " .
فيما يؤكد المحامي الدروبي بأن " زيادة وعي الفتاة القانوني ومعرفتها بما ينص عليه القانون من مواد قد تلجأ إليها لحمايتها , هو ما يدفعها عدم الانتظار في المنزل لعريس بمواصفات يصنعها أهلها , بل وفي بعض الحالات هي من يفرض الخطيفة على الشاب ".
وهذا الأمر " يجعلها بموقف ضعيف أمام زوجها خلال حياتهما , وقد يستغله الزوج لصالحه في أمور كثيرة "
فيما تقول موسى " أن الشخص الذي هربت معه قد يكون فعلاً غير مؤهلاً لبدء الاستقرار الأسري وبالتالي تكون قد خسرت فعلاً كل المساندة الاجتماعية المتمثلة بالأهل والزوج " .
خط اللاعودة
قصص الحب التي تتحدى الأهل وأعراف المجتمع وتجد في الخطيفة خيارها الوحيد، لا تنتهي بطريقة واحدة، فالنجاح مرهون بقدرة الطرفين على الاستقرار المادي والتفاهم واحترام بعضهما واكتساب شيء من شرعية المحيط والوسط الاجتماعي، والقدرة على مواجهة شروط حياة استثنائية خاصة بالنسبة للمرأة التي تفقد السند والدعم اللذان يمنحهما لها وجود الأهل إلى جانبها.
عوامل كثيرة تجعل بعض النهايات مأساوية، فمرام التي انتهى بها الامر كخادمة في البيوت, كانت أوفر حظها من " كوثر " التي تعلقت بشاب تاركة أهلها خلفها , لتجد نفسها في منزل لممارسة الدعارة " مكرهة لتخسر نفسها بعد أن خسرت أهلها " فيما انتهى المطاف بـ " ريمان " نزيلة في دار الضيافة للفتيات, حين لم تستطع إثبات زواجها من عشيقها بعد أن هربت معه .
و هذا ما تؤكده إحصائيات دار الضيافة باحتضانها لـ231 نزيلة بتهمة التشرد خلال عام واحد فقط(وغالباً هذه التهمة تلصق على من تركت من منزل ذويها برفقة شخص ما ).
الخطيفة وجرائم ( الشرف )
في الغالب يرتبط زواج الخطيفة ارتباطاً مباشراً بما يسمى ( جرائم الشرف ) حيث الأولى من أهم أسباب الثانية .
المحامي الدروبي ومن خلال عمله على بعض القضايا ذات الصلة قال لسيريانيوز " أحياناً تقع بعض الجرائم من قبل الأهل للفتاة بداعي الشرف علماً أنهم هم من دفع بها لذلك , وهي تكون بريئة من هذا الشيء وبخاصة مع وجود عقد شرعي وقانوني للزواج , ولكن المجتمع قد لا يتقبل ذلك , وفي حالة بين يدي حالياً تمت المصالحة بين الأهل وإحدى الفتيات بد زواج ( خطيفة ) انتهى بالتثبيت لدى المحكمة , لكن أحد أشقاء هذه الفتاة مصر على ذبحها في أول فرصة تسنح له لعدم قناعته بما حصل ".
من جهتها اعتبرت الآنسة إيمان أنه ثمة " إشكالية تتمثل في المفاهيم الخاطئة لنوع الوصاية أو الشرف على افتراض أن شرف العائلة مربوط بعذريتها - ولو أن هذا المفهوم قاصر عن الشرف الحقيقي - وبالتالي فإن الفتاة قد تجرأت وضربت هذا المفهوم بعرض الحائط تكون مطالبة مجتمعياً بأكثر من ضريبة والقتل أحد مظاهرها باعتبار أن الدم يغسل العار الملحق بالعائلة من جراء فعلتها ".
من الأهل للأولاد
مع صعوبة استمرار زواج الخطيفة في مجتمعنا, إلاّ أنه – وحتى في حالة الاستمرار – يبقى له من التبعات الشيء الكثير, خاصة بالنسبة للمرأة بدءً من غلبة نظرة المجتمع المحيط للزوجة ( المخطوفة ) كمرتكبة لاثم، ويستمر الأمر مع الأولاد على اعتبارهم " أبناء الخطيفة " لترافقهم طوال حياتهم هذه الصفة كوصمة دائمة, وهذا مرده واستمراره مرهون بثقافة المجتمع.
منقول سيريا نيوز