ظاهرة ضرب الزوجات .. بين العقل والدين
تعتبر ظاهرة ضرب الزوجات إحدى أكثر ظواهر العنف الأسري تفشياً في مختلف المجتمعات الإنسانية، إلا أن البعض يصرّ على ربطها بالمجتمعات العربية والإسلامية، باعتبار أن الدين الإسلامي يبيح ضرب الزوجة، حسب تفسير البعض.
وتتركز خطورة ضرب الزوجات بصورة أساسية في الأثر النفسي والاجتماعي السلبي الذي تتركه على الأولاد، الذين غالباً ما يعيشون مشاهد العنف تلك، لتفعل فعلها في شخصياتهم، إما باتجاه الانغلاق على النفس والسلبية في التعامل مع المجتمع والضعف في الشخصية، أو عبر نقل الرغبة في العدوانية إلى الأولاد ذاتهم.
وعادة ما تترك مشاهد العنف الأسري، وخاصة ضرب الأب لزوجته أمام الأولاد، أسوأ الأثر على علاقة الأبناء المستقبلية بأبيهم وأمهم، لتنبت في النهاية أجيال غير سوية من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
لكن رغم ما سبق، يجادل البعض في تبرير ضرب الزوجات، كما تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن نسباً عالياً من النساء والرجال على حد سواء وفي مختلف المجتمعات، يعتقدون بضرورة ضرب الزوجة، وبمشروعية ذلك في بعض الأحيان، وتحفل وسائل الإعلام المختصة في هذا المجال بالكثير من الأرقام والإحصاءات التي تثير دهشة القارئ، حينما يتعرف على نسبة مؤيدي ضرب الزوجة في مجتمعه، علماً أن هذه النسب المرتفعة، لا تقتصر على المجتمعات العربية والمسلمة، بل وتمتد لتشمل مجتمعات غربية وآسيوية مختلفة.
وإن كان البعض يربط تبرير ضرب الزوجة بثقافة المجتمع السائدة، فإن البعض يذهب إلى تبريرها عبر الحديث عن خصائص نفسية تجعل معظم النساء يفضلن الرجل الحازم والقاسي، حتى أن البعض يتحدث عن نسب مرتفعة من النساء اللواتي يحبذن الضرب على يد أزواجهن، بل قد يستفزنّ أزواجهن لضربهن.
أما من ناحية موقف الدين من ضرب الزوجة، فهي قضية مثيرة للجدل بصورة كبيرة، ويختلف الفقهاء حولها اختلافاً واسعاً، وقد تكون الآية القرآنية الشهيرة من سورة النساء والتي يرد فيها لفظ الضرب للزوجة، أكثر الآيات المثيرة للجدل بين علماء الدين، وبين آخرين يهاجمون الإسلام على أنه دين تمييز ضد المرأة.
قال - تعالى -: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34)"النساء.
ويختلف المفسرون في تفسير معنى كلمة: "اضربوهن" الواردة في الآية المذكورة، فيذهبون في ذلك ثلاث مذاهب أساسية:
الأول يقول بأن الله - عز وجل - لم يقصد بلفظ "الضرب"، ذلك المعنى المتداول بيننا، وهنا نجد تفسيرات عديدة لكلمة "ضرب"، كضرب الأمثلة، أو مغادرة المنزل، أو معاني أخرى متعددة، لا تتفق مع المعنى المتداول لكلمة"ضرب".
أما المذهب الثاني، وهو الغالب بين المفسرين، فيتحدث عن ضرب تعذيري غير مبرح، عبر اللكز بالسواك بصورة غير مؤلمة مثلاً، وهو ما يستخدم كحل أخير في حال "نشوز" المرأة، أي خروجها عن طاعة زوجها، دون مبرر مقنع.
أما المذهب الثالث، فيتحدث عن "الضرب" بكل ما تعنيه الكلمة، مصراً بأن أنواع محددة من النساء لا يمكن أن يركن إلى حياة سوية دون استخدام الضرب من جانب الأزواج، مع التوضيح، بأن الضرب يكون الحل الأخير بعد المرحلتين السابقتين المذكورتين في الآية الواردة آنفاً، أي العظة، ثم الهجر في المضاجع، وأن المرأة التي لا تتعظ ولا تتراجع عن حالة "النشوز" عبر المرحلتين السابقتين، فهي دون شك تعاني من مرض نفسي أو خاصية نفسية تجعلها لا تركن إلى الحياة السوية مع زوجها إلا عبر الضرب.