من هم الفينيقيون
إضافة للسرد التاريخي الكلاسيكي عن الفينيقيين سنتحدث عن أثر الفينيقيين في الحضارة الإنسانية وعن الموروث الفكري واللغوي الذي أبى الفناء و لا يزال يعيش مع أهل الساحل السوري حتى الآن رغم مضي آلاف السنين
أصل الفينيقيين
أجمع المؤرخون والباحثون في التاريخ على أن أصل الفينيقيين يعود إلى شبه الجزيرة العربية و أنهم من الكنعانيين الذين استوطنوا سوريا في الألف الثالث قبل الميلاد واسم الفينيقيين أطلقه عليهم اليونان ونسب هذا الاسم إلى كنعانيي الساحل
الذين بنوا مدنهم على الساحل عند مصبات الأنهار لتأمين حاجتهم الغذائية من الزراعة وعند الخلجان الطبيعية التي تؤمن ملجأ لمراكبهم
لعب الفينيقيون دور الوسيط بين حضارات الشرق القديم و بين آسيا الصغرى و أوروبا فنقلوا العلوم والمعارف التي وصلتهم من المصريين والبابليين والسومريين في الفلك والحساب ومختلف العلوم بعد أن عدلوها وأضافوا إليها وتلقفها عنهم اليونانيون واعترفوا في كتابات مؤرخيهم بفضل الفينيقيين في ذلك
وبرع الفينيقيون ببناء السفن وركوب البحر وحققوا فتحا تاريخيا بوضع قوانين للملاحة وإبحارهم في أعالي البحار لبراعتهم بعلم الفلك ومعرفتهم بالنجوم وابتكارهم لآلة قدر المؤرخون أنها شبيهة (بالإسطرلاب) و بعد أن كان ركوب البحر قبلهم مقتصرا على رحلات محدودة وقريبة من الشاطئ كإبحار اليونانيين بين جزرهم المتقاربة وإبحار السفن المصرية في نهر النيل أصبح الفينيقيون أسياد البحر المتوسط تجوب سفنهم مياهه لتصل شواطئه ببغضها ناقلة إليها العلم والمعرفة
أما الفتح الأكبر الذي قدمه الفينيقيون للحضارة الإنسانية فكانت وضعهم لأول أبجدية عرفتها البشرية وشكلت ثورة في مجال الكتابة وأراحت البشرية من الكتابة المقطعية الشاقة والمعقدة وجعلت التدوين والمراسلات أكثر سهولة ويسرا وقد أخذت الحضارات كلها الأبجدية عنهم باستثناء الصين
ويعود لهذه الأبجدية الفضل في وصول تراث الحضارة اليونانية إلينا بكل إبداعاته كاملاً في كل العلوم
إضافة للسرد التاريخي الكلاسيكي عن الفينيقيين سنتحدث عن أثر الفينيقيين في الحضارة الإنسانية وعن الموروث الفكري واللغوي الذي أبى الفناء و لا يزال يعيش مع أهل الساحل السوري حتى الآن رغم مضي آلاف السنين
أصل الفينيقيين
أجمع المؤرخون والباحثون في التاريخ على أن أصل الفينيقيين يعود إلى شبه الجزيرة العربية و أنهم من الكنعانيين الذين استوطنوا سوريا في الألف الثالث قبل الميلاد واسم الفينيقيين أطلقه عليهم اليونان ونسب هذا الاسم إلى كنعانيي الساحل
الذين بنوا مدنهم على الساحل عند مصبات الأنهار لتأمين حاجتهم الغذائية من الزراعة وعند الخلجان الطبيعية التي تؤمن ملجأ لمراكبهم
لعب الفينيقيون دور الوسيط بين حضارات الشرق القديم و بين آسيا الصغرى و أوروبا فنقلوا العلوم والمعارف التي وصلتهم من المصريين والبابليين والسومريين في الفلك والحساب ومختلف العلوم بعد أن عدلوها وأضافوا إليها وتلقفها عنهم اليونانيون واعترفوا في كتابات مؤرخيهم بفضل الفينيقيين في ذلك
وبرع الفينيقيون ببناء السفن وركوب البحر وحققوا فتحا تاريخيا بوضع قوانين للملاحة وإبحارهم في أعالي البحار لبراعتهم بعلم الفلك ومعرفتهم بالنجوم وابتكارهم لآلة قدر المؤرخون أنها شبيهة (بالإسطرلاب) و بعد أن كان ركوب البحر قبلهم مقتصرا على رحلات محدودة وقريبة من الشاطئ كإبحار اليونانيين بين جزرهم المتقاربة وإبحار السفن المصرية في نهر النيل أصبح الفينيقيون أسياد البحر المتوسط تجوب سفنهم مياهه لتصل شواطئه ببغضها ناقلة إليها العلم والمعرفة
أما الفتح الأكبر الذي قدمه الفينيقيون للحضارة الإنسانية فكانت وضعهم لأول أبجدية عرفتها البشرية وشكلت ثورة في مجال الكتابة وأراحت البشرية من الكتابة المقطعية الشاقة والمعقدة وجعلت التدوين والمراسلات أكثر سهولة ويسرا وقد أخذت الحضارات كلها الأبجدية عنهم باستثناء الصين
ويعود لهذه الأبجدية الفضل في وصول تراث الحضارة اليونانية إلينا بكل إبداعاته كاملاً في كل العلوم
نقد فينيقي
المدن والممالك الفينيقية
انتشر الفينيقيون على طول الساحل السوري من شماله إلى جنوبه وأسسوا مدنا وممالك كانت على شكل دويلات صغيرة تقتصر المملكة أحيانا على مدينة واحدة أو عدة مدن متقاربة وكان يطلق على الساحل السوري اسم فينيقيا وتقسم إلى ثلاثة مناطق
شمالية بزعامة أوغاريت ووسطى بزعامة أرواد وتتبع لها عمريت وسيميرا وبانياس بالتوس وجنوبية بزعامة صور فيما كانت طرابلس بمثابة عاصمة فيدرالية يجتمع فيها ممثلون عن الأقاليم الفينيقية الثلاث لكل منهم حي خاص تجمعت فيما بعد لتشكل مدينة طرابلس (تري بولي)القرى الثلاث
وبحكم موقعها المتميز في قلب العالم القديم ظلت فينيقيا عرضة لأطماع القوى العظمى على مر التاريخ من الفرس و المصريين والحثيين والآشوريين إلى شعوب البحر و الإغريق والرومان وكان الفينيقيون يتعاملون بواقعية مع هؤلاء الغزاة الطامعين بسبب قلة عددهم نسبياً وكونهم ممالك صغيرة لا تملك جيوشاً قادرة على الوقوف في وجههم فكان الفينيقيون يدفعون الجزية لهم ويقدمون لهم بعض الامتيازات في الموانئ الفينيقية وكانت هذه القوى الغازية بحاجة الأسطول الفينيقي فكانت تمنح الفينيقيين حكماً ذاتيا وحرية إدارة شؤونهم بأنفسهم دون تدخل كبير
اللغة الفينيقية
اللغة الفينيقية هي لغة سامية قريبة جداً من اللغة العربية الفصحى وتتشابه معها في الصرف والنحو ومن حيث تمييز المؤنث عن المذكر والمثنى جمع المذكر جمع المؤنث وقد أظهرت الدراسات على النصوص التي اكتشفت في أوغاريت وجبيل والكتابات التي وجدت على مقابر الملوك الفينيقيين أن كثيرا من هذه الألفاظ مشتركة بين اللغتين وهذه بعض الأمثلة لمفردات متطابقة : رب,مللك,ملكة,أب,أخ,أخت,هو,هي,هن,ولد,بيت,صغير,سماء,مطر,نهار,ظلمة,هلال,بيت نفس,روح,رأس,لسان,فؤاد,شفة,كتف,ذراع,يد,كف,ذئب,كلب,خمار,لبوةعجل,ظبي,نسر ,سنونو.وكثير من الألفاظ المتقاربة في اللفظ بين اللغتين
مدخل القصر الملكي أوغاريت
نظام الحكم عند الفينيقيين
كان نظام الحكم عند الفينيقيين في البداية ملكيا مطلقا فالملك هو الآمر الناهي وتجب طاعته في كل ما يأمر به و هو يمثل الآلهة يعين مستشاريه ويوزع المناصب كما يشاء ويعود له تحديد سياسة مملكته الخارجية وعلاقاتها ثم أصبح عندهم في وقت لاحق مجلس للحكماء يشارك الملك في اتخاذ القرارات وسن القوانين
الديانات الفينيقية
كانت لكل مدينة فينيقية أربابها ورباتها والمستوحاة من الظواهر الطبيعية من رياح وأمطار وأنواء ورعد لما لها من ارتباط وثيق بحياتهم وهناك ثلاثي من الآلهة موجود في كل المدن الفينيقية وإن اختلفت التسميات وهم الرب السيد أو كبير الآلهة وربة أم ورب فتى يكون في موته وانبعاثه رمز الخلود وتجدد الحياة في الطبيعة بتعاقب فصولها
وهذا الثلاثي نجدهم في أوغاريت : إيل –أشرة أو أثرت - وبعل
مسلّة حجرية عليها نقش الإله بعل وجدت في القيدبون -- بانياس.
وفي جبيل: إيل – بعلة - أدونيس وفي صور: إيل – عشتار - وملقارت
و توجد إلى جانب هذه الآلهة آلهة أخرى غالبا ما تكون اقل شأنا ولكل إله تقام المعابد والنصب وتقدم القرابين في المواسم الخاصة بكل إله. وللعبادة عند الفينيقيين طقوسها الخاصة لكل معبد فالذي يريد دخول معبد ايل يجب عليه الاغتسال ولبس لباس خاص وتقدم القرابين بمواكب يتقدمها الراقصون والراقصات يرافقهم قارعو الدفوف وعازفو والمزامير
وكان البغاء المقدس يمارس في معابد عشتار فتنذر فتيات لتقديم عذريتهن قربانا لها ويدفعن ما يتقاضينه من أجر لمعبدها
الموت والدفن عند الفينيقيين
كان الفينيقيون في البداية ينظرون للموت حالة من السكون الأبدي وأن الروح لا تفارق الجسد وإنما تلازمه في حلة من السكينة الشبيهة بالعدم لذلك نجد حرصهم الشديد على دفن موتاهم في أماكن أمينة جدا وينقشون على القبور اللعنات التي تهدد من يحاول العبث بها حرصا على الراحة الأبدية للميت
وقد تغيرت نظرة الفينيقيين للموت لاحقا فآمنوا بالحياة بعد الموت ولعلهم أخذوا ذلك عن المصريين غير أنهم ظلوا على حرصهم في طريقة الدفن
وكان أهل الميت يزورون قبره باستمرار جالبين معهم الهدايا من طعام وشراب لاعتقادهم أن ذلك يبعث السرور في روح الميت
معبد عمريت جنوب طرطوس
تساؤلات في طباع الفينيقيين
لابد لمن يقرأ عن تاريخ الفينيقيين وإنجازاتهم المبهرة أن يتساءل لماذا لم ينشئوا دولة موحدة تضمهم جميعا ولم يخوضوا حروباً ضد القوى التي تعاقبت على غزو ديارهم
هل تنقصهم الشجاعة ؟ أم الإمكانات ؟ أم أن نفوسهم كانت تستسيغ الاحتلال وبكل تأكيد من خلال ما بين أيدينا من مصادر تاريخية لم تكن هذه الصفات تتوافق مع طباعهم ولم تكن السبب في ميلهم إلى حياة السلم . فالفينيقيون كانوا شجعانا ًولا يفوقهم أحد شجاعة وركوبهم البحر ووصولهم لأماكن لم يصلها أحد قبلهم يشهد لهم وقرطاجة التي كاد جيشها بقيادة البطل الأسطوري حنبعل أن يجتث إمبراطورية روما من جذورها ما هي إلا مستعمرة أسسها الفينيقيون أما الإمكانات المادية فلم تكن تنقصهم فالتجارة في حوض البحر المتوسط وأساطيلهم التي تهيمن على الملاحة كانت تعود عليهم بالموارد الكثيرة وما بقي من مدافنهم و معابدهم شاهد على ثرائهم وكانوا يتمتعون بالأنفة وعزة النفس فعندما تجاوز الموظفون الفرس الحدود في التعامل معهم ثاروا ضدهم وطردوهم فتوجه جيش فارسي من300 ألف مقاتل لتأديب الفينيقيين وقصد صيدا وكانت لا تملك أي جيش فخرج أعيان من المدينة للتفاوض مع الفرس لكن الملك الفارسي وبمنتهى البربرية أمر بقتلهم وبتسليم المدينة فأغلق أهل صيدا بيوتهم على أنفسهم وأضرموا فيها النار في أول انتحار جماعي في التاريخ مفضلين الموت على الاستسلام
إذن فما الذي جعل الفينيقيين يميلون إلى حياة السلم والمهادنة ؟
منطقياً ما دفعهم لذلك أنهم وصلوا إلى نضج فكري وأخلاقي جعلهم على قناعة أنهم وجدوا للبناء وللنهوض بالحياة الإنسانية والارتقاء بها وأثبتوا من آلاف السنين أن اللامركزية في الحكم السياسي تؤمن الازدهار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وأن ما يبنى بالعلم والعمل أقوى مما يبنى بالسيف لذلك انتشرت مستعمراتهم كالفطر في شواطئ حوض المتوسط ولا توجد مدينة قديمة على شواطئه إلا و فيها بصمات منهم ولن نتحدث عن عبورهم الأطلسي إلى العالم الجديد لأن هنالك من شكك فيها من علماء الآثار رغم وجود قطع آثارية في 7 متاحف على امتداد الأمريكيتين تعود إلى زمن الفينيقيين
هل من روابط بين الفينيقيين وسكان الساحل
إذا كنت من أهل الساحل السوري وشاهدت تمثالاً أو نقشاً لأحد الفينيقيين وأمعنت النظر في وجهه لسألت نفسك أين رأيت هذا الوجه من قبل سواء كان لرجل أو سيدة لشدة التشابه في الملامح بين هذه الوجوه ووجوه أهل الساحل المعاصرين أما من حيث الطباع والصفات النفسية فهنالك خصال يتميز بها أهل الساحل بفطرتهم نستطيع أن نربطها بالفينيقيين الذين كانوا حلقة وصل بين جميع حضارات وشعوب العالم القديم وفرض عليهم ذلك الوضع التعامل مع جميع صنوف البشر وأكسبهم خبرة التعامل مع الناس انتقلت منهم إلى أحفادهم فالبانياسي مثلاً – وأستشهد به لأني من بانياس وأزعم أني على بعض المعرفة بطباع أهلها –تجده مولعاً بالسفر حتى ولو تيسرت له فرص الكسب في بلده وإذا ما سافر فإنه غالبا يحقق النجاح في غربته ويفرض احترامه من يتعامل معهم ولديه قدرة على تفهم الآخر واستيعابه ويتميز بسرعته ببناء الصداقات المتينة وغالبا ما يكون صديقاً وفياً ومهما حقق من نجاح ومن كسب في غربته فلا صبر له على طول البعاد عن مدينته ولا بد من العودة لينفق ما جناه في بلده بين من يحب و كأنه يؤدي ديناً عليه
ومما يميز أهل الساحل قبولهم للآخر بينهم فإذا ما اضطر غريب للسكن بينهم فإنه لا يشعر بغربة ففي بانياس مثلاً مقولة معروفة أنها ( بلد الغريب) وسبب هذا القول برأي هو ما يلقاه الغريب من عطف واحتضان واحترام فيلقى النجاح في عمله وحياته فينصهر في هؤلاء الناس ولا يعرف بأنه غريب
ألفاظ فينيقية حية في لغتنا المحكية
برغم حلول اللغة اليونانية القديمة مكان الفينيقية بعد غزو الإسكندر لسوريا في القرن الثالث واستعمالها كلغة رسمية فقد ظلت الفينيقية اللغة المحكية بين عامة الشعب إلى أن حلت اللغة الآرامية( لغة السيد المسيح ) مكانها بعد الميلاد بينما ظلت في بعض المستعمرات الفينيقية في شمال إفريقيا ومنها قرطاج حتى القرن السادس ب م ولا تزال بعض الكلمات الفينيقية تستعمل في اللغة المحكية في الساحل السوري في الحياة اليومية ويصعب الاستغناء عنها في لهجة أهل الساحل منها على سبيل المثال: بت = بنت, أجر = رجل, حشك = حصر, لزّ = أزاح, غلّة = نقود, صمد = محراث, شلف = رمى, هوبر صرخ , بقبشَ تلمّسَ.
ربما شاء القدر أن تظل هذه الكلمات حية على ألسنتنا لتذكرنا بهؤلاء الفينيقيين الذين جعلوا من الساحل السوري في يوم من الأيام منارة تضيء للإنسانية دروب العلم والمعرفة والذين كانوا رغم قلة عددهم وصغر منطقة نفوذهم نسبياً الأكثر عطاءً للحضارة الإنسانية