قصة أعجبتني فأحببت أن أنقلها لكم .. فربما تستمتعون بها ...
سمر والزهور
في صغرها مثل أي فتاة .. لها أحلامها وخيالها الواسع .. كانت لا تعبّر عن إحتياجاتها وأفكارها لأحد. كانت تصمت كثيراً. لم ترفض شيئاً. لا تعرف كلمة لا.. كل ما تسمعه تعالي يا بنت.. سوي هيّْ .. إعملي هيك.. لا تخرجي. لا تحكي..لا تضحكي..
كان الصمت وحده يسرح فوق لسانها ويدور في فضاء أفكارها باستثناء مفرداتها التي تعودتها وأصبحت لازمة ترددها دون طلب: حاضر.. نعم .. حاضر..
نسيت أنها تنمو، وأن جسدها الغض بدأت مفاتنه تظهر بوضوح واستدارته بدأت تتكامل مع شعرها المنسدل على أكتافها إلى منتصف ظهرها بلونه الأسود الغجري البراق، وأن هذه الحمرة اللطيفة بلونها الزهري ظهرت على وجنتيها لتذكرها بأنها في الطريق لتخطي مرحلة الطفولة.
فقط كان لسانها يردد مفرداته التي تعودها: حاضر.. نعم.. طيب.
غافلها عمرها الذي بدأ يزهو بسؤالاته، فراحت تجمع قصاصات الورق تحاول أن ترمي فوقها ما يثقل نفسها أو ما يحدثها به خاطرها خفية عن أعين والدتها، وحين تسرقها قصة وتواريها عن أعين الوالدة، استرسلت في قراءتها، يعود الصوت يصدح ليعيدها إلى واقعها إياه: يا بنت، تعالي اكنسي.. ولا تنسي الصحون، وكمان هاتي هذا الوعاء..
هذا الصوت كأنه كان المفتاح الذي يدير لازمتها التي لا يتحرك إلاّ بها: حاضر .. حاضر.. حاضر
لكن للعمر إغراءاته وللخاطر هواجسه، فصارت تجيب ، لكنها تتابع وكأن شيء من التمرد أستيقظ في روحها بعيداً من الاستسلام، أو أن روحها تعودت على اللامبالاة، هو القهر المدفون في داخل النفس وحبيس التعوّد على الاستجابة دون نقاش أو اعتراض. كانت تعود لكراستها ورفيقة صمتها.
وفجأة وقع المحضور حين داهمتها والدتها على حين غرّة، فترتبك وبلمح البرق تخفي كراستها تحت الوسادة، لكن الوالدة أصرت أن تعرف ماذا أخفت هناك.
ـ لا شيء أمي..
ـ بلى.. خبأتي شيئاً وأريد أن أعرف ما هو.؟
وكأن الفتاة ارتسمت في مخيلتها العاقبة التي تنتظرها نتيجة هذا الرفض، وأن إنكارها وهلعها لن يشفعا لها. والأم لم تمهلها ولم تكذب ظنها بما سيحدث نتيجة هذا الإنكار، رافعة صوتها بالنداء على أخيها ليتقحم مخبأ أسرار سمر ويخرج ما تخفيه.
لم يتوانى الأخ أو يتباطأ في الاستجابة، فشحنة السيادة والتسيّد التي يطبعها الأهل في نفس الذّكر تجاه الأنثى، حاضرة مستنفرة دائماً للاستجابة لمثل هذه النداءات، ونداء الوالدة له والاستنجاد به، خير دليل على هذا الامتياز له كي يُبرز به الآن تميُّزه وامتيازات الرجولة.
أخذ الكراسة يقلب نظره في محتواها، والأم تنتظر النتيجة، لكن عيناه المتراقصة على غير هدى فوق سطح أوراق الكراسة لم تهده إلى شيء، مجرد خربشات وكلمات غير مفهومة.
نفد صبر الأم لتسأله ماذا وجد، أجابها بالنفي: لا شيء.؟
استنكرت الأم متعجبة ساخرة مستهزأة بعدم قدرته على كشف الجريمة التي دفنتها أخته هنا في هذه الصفحات.. "ماذا بك.. ألم تجد رسالة فيها حب وعشق.
وبشيء من الحيرة والتعجب، وكأنها لحظة استيقاظ ضمير..
ـ نعم فيها حب للأزهار.؟ وفيها عشق للطبيعة.. هذه قصة حول الأشجار والعصافير والقطط.
صرخة الضمير هذه من الأخ جعلته يستيقظ على ما يجري حوله مع شقيقته، فداهم عقل والدته بالاستنكار والاستغراب: ماذا هناك يا أمي.. مش لا زم تكتب. ولاّ زم تشتغل بالبيت وبس..
كانت بالنسبة إليه لحظة جعلته يستدير حول نفسه، لعله يجد سبيلاً ليفتح حواراً مع شقيقته.
لحظة الصفاء هذه، فتحت ذاكرته على الانطلاق نحو ما تحبُّه وما ترغبه هذه الشقيقة التي كان يشاهد ما يجري معها دون أن يلتفت لدوره في مشاركتها وتحمل الأعباء معها، فوجد نفسه يطلب منها أن تخرج إلى الحديقة تسقي الورود التي تحبها وتزيل الأعشاب المحيطة بجذوعها...
شعرت سمر بفرح يغمرها لكنها لا تجيد التعبير عنه كونها لم تتعوده من قبل، لكنها وجدت نفسها تندفع بسرعة لتلبية هذا الطلب الذي كان كنسمة صباحية ربيعية تنعش الروح...
مشهدها وحركتها وهي تدور بخرطوم المياه من مكان إلى مكان ومن عرق شجرة إلى غرسة ورد أو مسكبة خضار، بعث في نفس الأم حديثاً بدأت تتلوه على مسامع سمر.." حسناً سأبحث لك يا سمر عن عريس فلاح. ويجب أن تتزوجي مثل أختك بدور.. قبل أن تتمي 16سنة سأكون قد زوجتك.. أكملي عملك في الحديقة وتعالي إلى المطبخ سنحضر العشاء لأبيك وضيوفه هيا لا تتأخري..
ـ حسناً يا أمي.. سآتي ورائك..
بقيت تتأمل الشجر والحجر والورد وكل شيء حولها وتهز رأسها.. أتزوج.. أن أمي تحلم.. أنا ساقرأ واكتب وسأبقى في المدرسة... سأبقى في المدرسة وانجح.
أتمّت عملها مسرعة إلى غرفتها لترى ماذا آل بقصاصتها الورقية.. بحثت عنها هنا وهناك. ذهبت إلى المطبخ تسأل أمها.. "أمي أين أوراقي"؟.. ضحكت الأم ساخرة. وأجابت.. لقد رميتها في القمامة.. ماذا تريدين منها ..غداً ستصبحي مثلي ست بيت وبس. ولا قراءة ولا مدارس.. في المساء سيأتي خطّاب لك.. سأوافق بالطبع إذا أعجبتيهم... تعالي أكملي معي العمل في المطبخ، ثم جهزي نفسك لتكوني أحلى عروس..كوني مثلي.. أنا لم أتعلم.. وها قد تزوجت وأنجبت وأصبحت ست الستات بدون شهادات.. هيا هيا تعالي، بكرة بتكبري وتحكي لأولادك عن قصاصتك ومدرستك..
صمتت سمر مطولاً وقالت.. غداً اكمل لكم الحكاية ..
سمر والزهور
في صغرها مثل أي فتاة .. لها أحلامها وخيالها الواسع .. كانت لا تعبّر عن إحتياجاتها وأفكارها لأحد. كانت تصمت كثيراً. لم ترفض شيئاً. لا تعرف كلمة لا.. كل ما تسمعه تعالي يا بنت.. سوي هيّْ .. إعملي هيك.. لا تخرجي. لا تحكي..لا تضحكي..
كان الصمت وحده يسرح فوق لسانها ويدور في فضاء أفكارها باستثناء مفرداتها التي تعودتها وأصبحت لازمة ترددها دون طلب: حاضر.. نعم .. حاضر..
نسيت أنها تنمو، وأن جسدها الغض بدأت مفاتنه تظهر بوضوح واستدارته بدأت تتكامل مع شعرها المنسدل على أكتافها إلى منتصف ظهرها بلونه الأسود الغجري البراق، وأن هذه الحمرة اللطيفة بلونها الزهري ظهرت على وجنتيها لتذكرها بأنها في الطريق لتخطي مرحلة الطفولة.
فقط كان لسانها يردد مفرداته التي تعودها: حاضر.. نعم.. طيب.
غافلها عمرها الذي بدأ يزهو بسؤالاته، فراحت تجمع قصاصات الورق تحاول أن ترمي فوقها ما يثقل نفسها أو ما يحدثها به خاطرها خفية عن أعين والدتها، وحين تسرقها قصة وتواريها عن أعين الوالدة، استرسلت في قراءتها، يعود الصوت يصدح ليعيدها إلى واقعها إياه: يا بنت، تعالي اكنسي.. ولا تنسي الصحون، وكمان هاتي هذا الوعاء..
هذا الصوت كأنه كان المفتاح الذي يدير لازمتها التي لا يتحرك إلاّ بها: حاضر .. حاضر.. حاضر
لكن للعمر إغراءاته وللخاطر هواجسه، فصارت تجيب ، لكنها تتابع وكأن شيء من التمرد أستيقظ في روحها بعيداً من الاستسلام، أو أن روحها تعودت على اللامبالاة، هو القهر المدفون في داخل النفس وحبيس التعوّد على الاستجابة دون نقاش أو اعتراض. كانت تعود لكراستها ورفيقة صمتها.
وفجأة وقع المحضور حين داهمتها والدتها على حين غرّة، فترتبك وبلمح البرق تخفي كراستها تحت الوسادة، لكن الوالدة أصرت أن تعرف ماذا أخفت هناك.
ـ لا شيء أمي..
ـ بلى.. خبأتي شيئاً وأريد أن أعرف ما هو.؟
وكأن الفتاة ارتسمت في مخيلتها العاقبة التي تنتظرها نتيجة هذا الرفض، وأن إنكارها وهلعها لن يشفعا لها. والأم لم تمهلها ولم تكذب ظنها بما سيحدث نتيجة هذا الإنكار، رافعة صوتها بالنداء على أخيها ليتقحم مخبأ أسرار سمر ويخرج ما تخفيه.
لم يتوانى الأخ أو يتباطأ في الاستجابة، فشحنة السيادة والتسيّد التي يطبعها الأهل في نفس الذّكر تجاه الأنثى، حاضرة مستنفرة دائماً للاستجابة لمثل هذه النداءات، ونداء الوالدة له والاستنجاد به، خير دليل على هذا الامتياز له كي يُبرز به الآن تميُّزه وامتيازات الرجولة.
أخذ الكراسة يقلب نظره في محتواها، والأم تنتظر النتيجة، لكن عيناه المتراقصة على غير هدى فوق سطح أوراق الكراسة لم تهده إلى شيء، مجرد خربشات وكلمات غير مفهومة.
نفد صبر الأم لتسأله ماذا وجد، أجابها بالنفي: لا شيء.؟
استنكرت الأم متعجبة ساخرة مستهزأة بعدم قدرته على كشف الجريمة التي دفنتها أخته هنا في هذه الصفحات.. "ماذا بك.. ألم تجد رسالة فيها حب وعشق.
وبشيء من الحيرة والتعجب، وكأنها لحظة استيقاظ ضمير..
ـ نعم فيها حب للأزهار.؟ وفيها عشق للطبيعة.. هذه قصة حول الأشجار والعصافير والقطط.
صرخة الضمير هذه من الأخ جعلته يستيقظ على ما يجري حوله مع شقيقته، فداهم عقل والدته بالاستنكار والاستغراب: ماذا هناك يا أمي.. مش لا زم تكتب. ولاّ زم تشتغل بالبيت وبس..
كانت بالنسبة إليه لحظة جعلته يستدير حول نفسه، لعله يجد سبيلاً ليفتح حواراً مع شقيقته.
لحظة الصفاء هذه، فتحت ذاكرته على الانطلاق نحو ما تحبُّه وما ترغبه هذه الشقيقة التي كان يشاهد ما يجري معها دون أن يلتفت لدوره في مشاركتها وتحمل الأعباء معها، فوجد نفسه يطلب منها أن تخرج إلى الحديقة تسقي الورود التي تحبها وتزيل الأعشاب المحيطة بجذوعها...
شعرت سمر بفرح يغمرها لكنها لا تجيد التعبير عنه كونها لم تتعوده من قبل، لكنها وجدت نفسها تندفع بسرعة لتلبية هذا الطلب الذي كان كنسمة صباحية ربيعية تنعش الروح...
مشهدها وحركتها وهي تدور بخرطوم المياه من مكان إلى مكان ومن عرق شجرة إلى غرسة ورد أو مسكبة خضار، بعث في نفس الأم حديثاً بدأت تتلوه على مسامع سمر.." حسناً سأبحث لك يا سمر عن عريس فلاح. ويجب أن تتزوجي مثل أختك بدور.. قبل أن تتمي 16سنة سأكون قد زوجتك.. أكملي عملك في الحديقة وتعالي إلى المطبخ سنحضر العشاء لأبيك وضيوفه هيا لا تتأخري..
ـ حسناً يا أمي.. سآتي ورائك..
بقيت تتأمل الشجر والحجر والورد وكل شيء حولها وتهز رأسها.. أتزوج.. أن أمي تحلم.. أنا ساقرأ واكتب وسأبقى في المدرسة... سأبقى في المدرسة وانجح.
أتمّت عملها مسرعة إلى غرفتها لترى ماذا آل بقصاصتها الورقية.. بحثت عنها هنا وهناك. ذهبت إلى المطبخ تسأل أمها.. "أمي أين أوراقي"؟.. ضحكت الأم ساخرة. وأجابت.. لقد رميتها في القمامة.. ماذا تريدين منها ..غداً ستصبحي مثلي ست بيت وبس. ولا قراءة ولا مدارس.. في المساء سيأتي خطّاب لك.. سأوافق بالطبع إذا أعجبتيهم... تعالي أكملي معي العمل في المطبخ، ثم جهزي نفسك لتكوني أحلى عروس..كوني مثلي.. أنا لم أتعلم.. وها قد تزوجت وأنجبت وأصبحت ست الستات بدون شهادات.. هيا هيا تعالي، بكرة بتكبري وتحكي لأولادك عن قصاصتك ومدرستك..
صمتت سمر مطولاً وقالت.. غداً اكمل لكم الحكاية ..