"القصد في اللفظ" و"الوفاء بحق المعنى"
نهايتان كلّ من حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل ما إلى إحداهما
"فالّذي يعمد إلى ادخار لفظه, وعدم الإنفاق منه إلا على حدّ الضرورة لا ينفك من أن يحيف على المعنى قليلا أو كثيرا , وربما يذهب باللفظ إلى شيء من التفصيل ولكنّه يأخذ حذره من الإكثار والإسراف , ويبذل جهده في ضمّ أطرافه وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق وما إلى ذلك مما تمسّ إليه حاجة النفس في البيان حتى يخرج بثوب متقلص يقصر عن غايته أو هيكل من العظم لا يكسوه لحم ولا عصب
والّذي يعمد إلى الوفاء بحق المعنى وتحليله إلى عناصره وإبراز دقائقه بقدر ما يحيط به علمه وما يؤديه إليه إلهامه , فإنّه لا يجد في القليل من اللفظ ما يشفي صدره ويؤدي عن نفسه رسالتها الكاملة , فإذا أعطاها حظها من ذلك لا يلبث أن يباعد ما بين أطراف كلامه ويبطّئ بك في الوصول إلى غايته فتحسّ بقوة نشاطك وباعثة إقبالك آخذتين في التضاؤل والاضمحلال"
ومعناه أنّ بعض العلماء ولا أخصّ المحدث أو القديم يذهب إلى التكلف باستعمال الغريب من المفردات والتراكيب وهكذا لا يزداد كلامه بالبسط إلا ضيقا عن الفهم , وبعضهم من يلقي حول المعنى ركاما من الحشو ينوء بحمله , أو يلبسه ثوبا فضفاضا من المترادف والمتقارب يتعثّر في أذياله
وإذا سألنا العلماء بنقد الشعر والكلام : هل رأيتم قصيدة أو رسالة كلّها أو جلّها معنى ناصع ولفظ جامع ونظم رائع
"لقد أجمعت كلماتهم على أن أبرع الشعراء لم يبلغوا مرتبة الإجادة إلا في أبيات محدودة من قصائد معدودة , وكذلك قالوا في الخطباء والكتّاب والأمر فيهم أبين"
فإنّ سرّك أن ترى كيف تجتمع هاتان الغايتان على تمامهما بغير فترة ولا انقطاع , فانظر حيث شئت من القرآن تجد بيانا قد قدّر على حاجة النفس أحسن تقدير فلا تحسّ فيه بتخمة الإسراف ولا مخمصة التقتير
ويؤدي لك من كلّ معنى صورة نقيّة وافية
نقيّة: لا يشوبها شيء مما هو غريب عنها
وافية: لا يشذّ عنها شيء من عناصرها الأصلية ولواحقها الكماليّة
ومن ثمّ ضع يدك حيث ما شئت من المصحف وعدّ ما أحصته يدك من الكلمات عدّا , ثمّ أحص عدتها من أبلغ كلام تختاره خارجا , وانظر كم كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله .
وأيّ كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من المصحف؟؟؟ فكتاب الله كما يقول ابن عطية :
"لو نزعت منه لفظة ثمّ أدير كلام العرب لفظة أحسن منها لم توجد"
بل كما وصفه الله (كتاب أحكمت آياته ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير)
فإذا أمعنّا النظر في هذه الآية نجدها قد جمعت كلّ ما بسّطناه في هذا الفصل بكلمتي
(الإحكام) و (التفصيل) وأيّ إحكام وتفصيل!!!
إحكام : من حكيم متقن لا خلل في صناعته
وتفصيل : من خبير عالم بدقائق الأمور وتفصيلها على ما هي عليه
العباس
نهايتان كلّ من حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل ما إلى إحداهما
"فالّذي يعمد إلى ادخار لفظه, وعدم الإنفاق منه إلا على حدّ الضرورة لا ينفك من أن يحيف على المعنى قليلا أو كثيرا , وربما يذهب باللفظ إلى شيء من التفصيل ولكنّه يأخذ حذره من الإكثار والإسراف , ويبذل جهده في ضمّ أطرافه وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق وما إلى ذلك مما تمسّ إليه حاجة النفس في البيان حتى يخرج بثوب متقلص يقصر عن غايته أو هيكل من العظم لا يكسوه لحم ولا عصب
والّذي يعمد إلى الوفاء بحق المعنى وتحليله إلى عناصره وإبراز دقائقه بقدر ما يحيط به علمه وما يؤديه إليه إلهامه , فإنّه لا يجد في القليل من اللفظ ما يشفي صدره ويؤدي عن نفسه رسالتها الكاملة , فإذا أعطاها حظها من ذلك لا يلبث أن يباعد ما بين أطراف كلامه ويبطّئ بك في الوصول إلى غايته فتحسّ بقوة نشاطك وباعثة إقبالك آخذتين في التضاؤل والاضمحلال"
ومعناه أنّ بعض العلماء ولا أخصّ المحدث أو القديم يذهب إلى التكلف باستعمال الغريب من المفردات والتراكيب وهكذا لا يزداد كلامه بالبسط إلا ضيقا عن الفهم , وبعضهم من يلقي حول المعنى ركاما من الحشو ينوء بحمله , أو يلبسه ثوبا فضفاضا من المترادف والمتقارب يتعثّر في أذياله
وإذا سألنا العلماء بنقد الشعر والكلام : هل رأيتم قصيدة أو رسالة كلّها أو جلّها معنى ناصع ولفظ جامع ونظم رائع
"لقد أجمعت كلماتهم على أن أبرع الشعراء لم يبلغوا مرتبة الإجادة إلا في أبيات محدودة من قصائد معدودة , وكذلك قالوا في الخطباء والكتّاب والأمر فيهم أبين"
فإنّ سرّك أن ترى كيف تجتمع هاتان الغايتان على تمامهما بغير فترة ولا انقطاع , فانظر حيث شئت من القرآن تجد بيانا قد قدّر على حاجة النفس أحسن تقدير فلا تحسّ فيه بتخمة الإسراف ولا مخمصة التقتير
ويؤدي لك من كلّ معنى صورة نقيّة وافية
نقيّة: لا يشوبها شيء مما هو غريب عنها
وافية: لا يشذّ عنها شيء من عناصرها الأصلية ولواحقها الكماليّة
ومن ثمّ ضع يدك حيث ما شئت من المصحف وعدّ ما أحصته يدك من الكلمات عدّا , ثمّ أحص عدتها من أبلغ كلام تختاره خارجا , وانظر كم كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله .
وأيّ كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من المصحف؟؟؟ فكتاب الله كما يقول ابن عطية :
"لو نزعت منه لفظة ثمّ أدير كلام العرب لفظة أحسن منها لم توجد"
بل كما وصفه الله (كتاب أحكمت آياته ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير)
فإذا أمعنّا النظر في هذه الآية نجدها قد جمعت كلّ ما بسّطناه في هذا الفصل بكلمتي
(الإحكام) و (التفصيل) وأيّ إحكام وتفصيل!!!
إحكام : من حكيم متقن لا خلل في صناعته
وتفصيل : من خبير عالم بدقائق الأمور وتفصيلها على ما هي عليه
العباس