عندما استيقظت من يومين اتجهت إلى المطبخ لصنع فنجان القهوة،ومن النافذة رأيت عشرات الرجال والشبان متجمعين في الساحة المقابلة ،أمعنت النظر رأيتهم واقفين في هذا الصباح الشتوي البارد غير آبهين بنفحات الهواء القارس، متشحين جميعا بوشاح الأسى والحزن،عندها نسيت أو تناسيت قهوتي ونزلت على عجل أتبين الأمر ،فكان الخبر الحزين أن ابن الجيران الذي سافر من وقت ليس ببعيد يكسب رزقه مثل أغلب شبان مدينتنا من سفر البحر ،ودع أهله على أمل العودة وركب أمواج بحر اللاعودة من غير أن يدري ، لم أدري ما أقول تركتهم واقفين وكنا جميعا نعزي أنفسنا ونعزي أهله بقولنا رحمه الله وعلى أمل وصول جثمانه ليدفن بين أهله وفي تراب وطنه، وسرعان ما تبين أن عبد العزيز ذاك الشاب الرائع في عقده العشرين توفي اثر انفجار خزان غي سفينته الراسية في الاسكندرية وكان قرب الانفجار وهب حريق كبير في المركب، والله ميتة صعبة ، وخصوصا في الغربة والأصعب أن ندري بأن جثمانه دفن في مصر، ما من عزاء سيبرد قلب أهله في ذاك ،رحمك الله يا عبد العزيز .
وهنا تذكرت صديقا آخر عايشت مأساته من مدة قريبة كان صديق دراسة وتحول إلى صاحبي وزميلي وأخي إنه سامر صالح من اللاذقية شاب في ريعان الصبا أيضا ، فمنذ اليوم الأول لي في أكاديمية اللاذقية ومن بين 62 شابا يريدون أن يصبحوا ضباط ملاحة بحريين ، كان سامر أول من لفت ناظري إليه بحضوره وشخصيته وعمره أيضا، كان يكبرني بثلاث سنوات ،ترك الهندسة البحرية في جامعة تشرين ليلتحق بدفعتنا ،قضينا سنة ونصف من أجمل الأيام التي عشناها في سورية ،ثم انتقلنا إلى فرع الإسكندرية ويومها كنا 50 شابا ،عشنا سوية في السكن الداخلي وقضينا أوقاتا جد جميلة ،ونهلنا العلم مع بعضنا ،ووقتها أذكر بأن صديقي سامر كان مختار الدفعة وكبيرها، وذلك بإجماع وموافقة جميع الزملاء ،فقد كان أفضلنا دراسة وأكبرنا عمرا ،وأكثرنا تعقل،تجده صامت عندما يكون الصمت هو الدواء،محاور حين يكون الحوار هو الحل، محارب في وقت الشدةعلى دفعتنا، انتهت الشهور الخمسة وتوجهنا إلى الوطن لمقبلة الأهل والالتحاق كل منا بسفينة للحصول على الخدمة والخبرة البحرية المطلوبة، ودعنا نحن ال50 بعضنا بحرقة وتعاهدنا على اللقاء بعد عام كامل في الاسكندرية لإكمال الدراسة ، وبعد اثني عشر شهرا اجتمعنا مجددا وهذه المرة كنا 42 شابا والبقية سوف يتأخروا علينا ، قضينا سنة جميلةوكم حلو اللقاء بعد الغياب ، أصبحنا فيما بيننا أسرة فعلا ، ضحكنا ولعبنا وتشاجرنا ودرسنا،لا أنسى أبدا تلك الأيام وكان سامر باحترامه من أجمل ذكريات تلك الأيام، أتى وقت الامتحان واجتمعت مع سامر وسامر آخر وفراس ومناف ندرس سوية ونستفيد من بعضنا،آآآآآآآآآآه كم ضحنا خلال هذه الفترة ، قدمنا الامتحانات وكانت النتائج رائعة نجحنا وتخرجنا وكان سامر صالح الأول على الدفعة السورية السابعة، تبادلنا التهاني وقدمنا لسامر أحر التهاني لتفوقه،وخلال أيام عدنا للوطن ،بلهفة للفرحة مع الأهل واندفاع لمزاولة العمل باحتراف ، بعد وصولنا لسورية بفترة كنا خلالها نتبادل الاتصالات الهاتفية مع بعضنا ، وكل واحد منا ينطلق للالتحاق بسفينة بعد الآخر ويترك اسم سفينته وموعد التحاقه بها والاماكن التي تجوبها مع زملائه ،على أمل لقاء في الغربة أو في الوطن حسب الظروف بدل لقاء في مصر سيطول بعد 18 شهرا، انطلقت على السفينة ناقلة السيارات وسامر قد التحق قبلي بسفينة بضائع ، مرت 6 شهور علمت من بعض الزملاء أن سامر قد ترك السفينة والتحق بسفينة ناقلة المواشيdanny f2 ،انتهى عقدي ورجعت بعد غياب 8 شهور إلى مدينتي ،حيث مر علي شهرين بسرعة غريبة وسط الأهل ،ولقدوم أغلب أصدقائي بعد انتهاء عقودهم البحرية،وكلنا كنا نتوقع وصول سامر خلال شهر ونيّف، لا أنسى ذلك اليوم كانت الواحدة ظهرا في يوم عاصف بشدة،رن هاتفي وكان فراس فتحت الخط مرحبا ،إلا أن صوته كان ممزوجا بحرقة كبيرة وقال هناك خبر سئ جدا) ،بصراحة خفت قلت ماذا؟ قال لي غرقت يوم أمس السفينة danny f2 قبالة سواحل لبنان وسار على متنها........
اسودت الدنيا وأقفلت الخط بسرعة ، صحيح نحن نسافر في البحر ولكن لا نتوقع هكذا حوادث معنا أو مع أحد الأرباء منا ،وعندما يحصل الأمر صدقوني إنه لأمر صعب، هاتفت والد سامر فأكد لي الخبر ، وبدأت حكاية البحث عن هذا الشاب ولمدة عشرين يوما أهله وأصدقاءه لم نترك وسيلة ولا طريقة وعجزنا جميعا عن معرفة شئ.
وكأن سامر كان يشعر بشئ غريب فبيل سفره فكانت آخر رساله له إلى أحد أصدقائنا : (سألتحق بسفينة المواشي داني اف 2 التي تعد من أبشع 10 سفن في العالم ، يا لسخرية القدر).
رحمك الله يا صديقي وأسكنك فسيح جنانه فأنت تعد من الشهداء وهذا عزاؤنا، وهنيئا لك فأنت الذي من كثرة حبه للبحر لم تختره مهنة فقط ، بل ومسكنا أبديا، سلامي لك. وسلامي لجميع شهداء وأموات البحار .
وهنا تذكرت صديقا آخر عايشت مأساته من مدة قريبة كان صديق دراسة وتحول إلى صاحبي وزميلي وأخي إنه سامر صالح من اللاذقية شاب في ريعان الصبا أيضا ، فمنذ اليوم الأول لي في أكاديمية اللاذقية ومن بين 62 شابا يريدون أن يصبحوا ضباط ملاحة بحريين ، كان سامر أول من لفت ناظري إليه بحضوره وشخصيته وعمره أيضا، كان يكبرني بثلاث سنوات ،ترك الهندسة البحرية في جامعة تشرين ليلتحق بدفعتنا ،قضينا سنة ونصف من أجمل الأيام التي عشناها في سورية ،ثم انتقلنا إلى فرع الإسكندرية ويومها كنا 50 شابا ،عشنا سوية في السكن الداخلي وقضينا أوقاتا جد جميلة ،ونهلنا العلم مع بعضنا ،ووقتها أذكر بأن صديقي سامر كان مختار الدفعة وكبيرها، وذلك بإجماع وموافقة جميع الزملاء ،فقد كان أفضلنا دراسة وأكبرنا عمرا ،وأكثرنا تعقل،تجده صامت عندما يكون الصمت هو الدواء،محاور حين يكون الحوار هو الحل، محارب في وقت الشدةعلى دفعتنا، انتهت الشهور الخمسة وتوجهنا إلى الوطن لمقبلة الأهل والالتحاق كل منا بسفينة للحصول على الخدمة والخبرة البحرية المطلوبة، ودعنا نحن ال50 بعضنا بحرقة وتعاهدنا على اللقاء بعد عام كامل في الاسكندرية لإكمال الدراسة ، وبعد اثني عشر شهرا اجتمعنا مجددا وهذه المرة كنا 42 شابا والبقية سوف يتأخروا علينا ، قضينا سنة جميلةوكم حلو اللقاء بعد الغياب ، أصبحنا فيما بيننا أسرة فعلا ، ضحكنا ولعبنا وتشاجرنا ودرسنا،لا أنسى أبدا تلك الأيام وكان سامر باحترامه من أجمل ذكريات تلك الأيام، أتى وقت الامتحان واجتمعت مع سامر وسامر آخر وفراس ومناف ندرس سوية ونستفيد من بعضنا،آآآآآآآآآآه كم ضحنا خلال هذه الفترة ، قدمنا الامتحانات وكانت النتائج رائعة نجحنا وتخرجنا وكان سامر صالح الأول على الدفعة السورية السابعة، تبادلنا التهاني وقدمنا لسامر أحر التهاني لتفوقه،وخلال أيام عدنا للوطن ،بلهفة للفرحة مع الأهل واندفاع لمزاولة العمل باحتراف ، بعد وصولنا لسورية بفترة كنا خلالها نتبادل الاتصالات الهاتفية مع بعضنا ، وكل واحد منا ينطلق للالتحاق بسفينة بعد الآخر ويترك اسم سفينته وموعد التحاقه بها والاماكن التي تجوبها مع زملائه ،على أمل لقاء في الغربة أو في الوطن حسب الظروف بدل لقاء في مصر سيطول بعد 18 شهرا، انطلقت على السفينة ناقلة السيارات وسامر قد التحق قبلي بسفينة بضائع ، مرت 6 شهور علمت من بعض الزملاء أن سامر قد ترك السفينة والتحق بسفينة ناقلة المواشيdanny f2 ،انتهى عقدي ورجعت بعد غياب 8 شهور إلى مدينتي ،حيث مر علي شهرين بسرعة غريبة وسط الأهل ،ولقدوم أغلب أصدقائي بعد انتهاء عقودهم البحرية،وكلنا كنا نتوقع وصول سامر خلال شهر ونيّف، لا أنسى ذلك اليوم كانت الواحدة ظهرا في يوم عاصف بشدة،رن هاتفي وكان فراس فتحت الخط مرحبا ،إلا أن صوته كان ممزوجا بحرقة كبيرة وقال هناك خبر سئ جدا) ،بصراحة خفت قلت ماذا؟ قال لي غرقت يوم أمس السفينة danny f2 قبالة سواحل لبنان وسار على متنها........
اسودت الدنيا وأقفلت الخط بسرعة ، صحيح نحن نسافر في البحر ولكن لا نتوقع هكذا حوادث معنا أو مع أحد الأرباء منا ،وعندما يحصل الأمر صدقوني إنه لأمر صعب، هاتفت والد سامر فأكد لي الخبر ، وبدأت حكاية البحث عن هذا الشاب ولمدة عشرين يوما أهله وأصدقاءه لم نترك وسيلة ولا طريقة وعجزنا جميعا عن معرفة شئ.
وكأن سامر كان يشعر بشئ غريب فبيل سفره فكانت آخر رساله له إلى أحد أصدقائنا : (سألتحق بسفينة المواشي داني اف 2 التي تعد من أبشع 10 سفن في العالم ، يا لسخرية القدر).
رحمك الله يا صديقي وأسكنك فسيح جنانه فأنت تعد من الشهداء وهذا عزاؤنا، وهنيئا لك فأنت الذي من كثرة حبه للبحر لم تختره مهنة فقط ، بل ومسكنا أبديا، سلامي لك. وسلامي لجميع شهداء وأموات البحار .