كريستوفر مارلو المتمرد |
عندما يسير النهر على طرفي ضفته تنبت الزهور و الرياحين و لكن عندما يتجاوز حده و يخرج عن مسراه يطوف و يغرق كل شيء ,و هذه هي حال العظيم مارلو الذي عرف بأنه ملك المونولوج المسرحي, وهو الكاتب الذي صنفه النقاد في المرتبة الأولى في عصره أي أعلى مرتبة من شكسبير.
اشتهر بحياة مجونية و متسكعة و سمعة سيئة الصيت و كان من السابحين ضد التيار فغرق و هو في زهو شبابه في مجتمع متخلف لم يكن فيه قيمة للعلم و المسرح و لينضم لقافلة طويلة من ضحايا الجهل في بداية عصر النهضة أمثال غاليلو الايطالي و جان دارك الفرنسية.
مادعانا نفتح ملف مارلو هي الإشاعات الدائرة حول هذا الفذ بوصفه بالجاسوسية و اللوطية و ما إلى ذلك ,فلنحاول استحضار روح مارلو كاشفين صفحات حياته متنقلين برحلة أبطالها كلمات تنبض باسمه ووجهتها مشاهد من حياة أسطورة بيد أنها لا تمثل على مسرح إنما على صفحة بيضاء يتحرك عليها قلمي بطريقة إيمائية.
الولادة و النشأة:
ولد كريستوفر مارلو(مارلين) عام 1564 في نفس عام ولادة شكسبير و عمد في 26 شباط في ضاحية كانتربيري في مدينة كنت البريطانية و تعلم في أشهر مدارسها كمدرسة كينغ.
كان والده إسكافيا وتعلم منه مارلو أن القوة رمز الوجود وورث عن أبيه القوة في مسرحياته,
عرف مارلو بالمشاكسة في صغره و بأختين سيئتي السمعة في البلدة فكان سيء الطباع يعاشر اللصوص و الهمجيين و له العديد من العشيقات بالإضافة إلى شراهته للتبغ.
بعد دراسته المدرسية التحق بجامعة كامبيرج عام 1580 حيث كانت الدراسة ثلاث سنوات ولكنها تستمر إلى ثلاث سنوات أخرى إن كان في نية المتعلم الحصول على الدرجة الكهنوتية,
حصل مارلو على بكالوريوس في الأدب والفلسفة عام 1584 وبعدها امتدت دراسته ست سنوات بيد انه عند موعد استلام شهادة الماجستير استفسرت الجامعة عن نشاطاته وبدت مرتابة في وهبه فقد غاب طويلا عن كامبيرج و بدا أمره مرعبا للسلطات التي شكت بأنه كان في مدينة ريمز الفرنسية و انه جاسوس الملكة إليزابيث البروتستانتية البريطانية ينقل الأخبار
عن الكاثوليكيين.
تقول الحكاية أن مارلو كان كاتبا و ممثلا على الخشبة و إنما في الخارج كان جاسوسا محترفا
وان مسرحيته( يهودي مالطا) مأخوذة من تجربته الذاتية أي انه كان جاسوس سفن و سجن في مالطا فكتب مسرحيته هناك.
مغادرته كامبيرج وتوجهه لمدينة الضباب:
غادر مارلو كامبيرج – حيث قضى في كامبيرج حياة هانئة وكان دخله بكفيه حاجاته-وتوجه للندن التي قضى فيها حياة ساحرة و فاتنة بالإضافة إلى وحشيتها وعنفها فقد كان عضوا بين الكتاب الذين عرفوا بفطناء الجامعة وظرفائها.
كان صديقا للدرامي توماس كيد و مصاحبا لوا لتر رالي و أعلام ومفكرين آخرين مشهورين كجماعة مدرسة الليل ,كتابات مارلو سببت ردات و زلزلات عنيف إما لإعجاب به أو كره ,فالمثقفين أمثال ناش ,بيل ,داريتون أطروه و اثنوه و مدحوا كتاباته بينما الكاتب روبرت غرين استاء و اغتاظ من نجاحه و خاصة من مسرحيته (تامبيرلين العظيم) التي تتحدث عن الطموح و كيف جعلت منه شبحا يرعب العالم فهذه المسرحية أطلقت اسم مارلو و جعلته في القمة حتى أسموه القلم الناري و صاحب السطر الأعظم وككاتب يستفسر به عن الشؤون الأخلاقية فهو يمجد عاطفة عصر النهضة تحت شعار العلم اللامحدود ,تبعها بمسرحيته المأساوية المأخوذة عن قصة للكاتب فيرجيل (أينيد) (ديدو ملكة كارثيبج) ثم مسرحيته الجميلة (يهودي مالطا) التي مزجت بين المأساوية و الكوميديا المثيرة للاشمئزاز (الشرسة) عن طريق وجهة نظر رجل ضائع بين الحقارة والمادية.
أما مسرحيته( إدوارد الثاني) فتتحدث أيضا بطريقة مأساوية تاريخية و عن أمر لم يكن يتجرأ الكتاب الحديث عنه و هو اللوطية.
و لعل أفضل مسرحياته مسرحية( الدكتور فاوستوس) المأخوذة عن قصة الدكتور فاوست الألمانية التي تتعامل مع الخطيئة البشرية الفاحشة في حق الكتاب المقدس و تستحضر ضمير الإنسان المعذب .
من أواخر مسرحياته (مذبحة باريس )التي هي باب آخر للطموح من مبدأ الشهوة من اجل القوة.
مارلو كشاعر:
اشتهر مارلو بالترجمة من اللاتينية و خاصة ترجمته كتاب (غرام اوفيد) للكاتب لوكان المعروف بفار ساليا,بالإضافة إلى قصيدته الزاهدة (من الراعي العاشق إلى حبه) في تصوير رائع لحالة الهوى والطبيعة الخلابة التي لم يستطع مخرجون هوليوود ابتكار حالة مثيلة لها ,و كتب ملحمة( البطل و الدائن) التي لم ينهها بسبب وفاته المفاجئ,فمارلو سوداوي المزاج منقاد وراء العواطف الجامحة و شاعر حالم و كاتب مفعم بالعاطفة يتميز بمسرح راقي معبرا بصدق عن روح العصر الاليزابيتي.
أحداث ساخنة من حياة مارلو:
في إحدى مسرحياته التي كانت تمثل على الخشبة حصل إطلاق ناري و يقال إن أعضاء الحكومة المعروفين بالأدميرال أحرجوا ممثلا و طلبوا منه أن يتظاهر بأنه يصوب أحدا حتى الموت و لكن في نفس اللحظة قتل احد الحضور بعيار ناري و لعله كانت في مسرحية (تامبيرلين العظيم) وتحديدا في الفصل الثاني عندما يعلق حاكم بابليون بالسلاسل ويقتل.
و في إحدى المرات حدث شجار بين مارلو ووليم برادلي في حي هوغ عام 1589 فتدخل الشاعر توماس واطسون صديق مارلو فهوجم من قبل برادلي و قام واطسون بقتل برادلي في حالة دفاع عن النفس , وزج مارلو وواطسون في السجن و أطلق سراح مارلو بكفالة بعد كتابته تعهد خطي يلزمه أن يبقى مسالما بينما بقي واطسون في سجن القلعة .
بدأت سمعة مارلو تزداد سوءا بسبب اتهامه بالإلحاد وذلك عام1592 حتى أن مؤامرة حاكت
ضده في 18 أيار عام 1593 في منزل السيد ويلسينغهام في مدينة كنت و لكنها طبخت و أكلت من قبل توماس كيد الذي شارك مارلو السكن في الغرفة عام 1591 و قبضوا على توماس بتهمة التحريض لحركات التمرد ضد فيلمنغ البروتستانتي ونسبت إليه أوراق مارلو الهرطقية التي وجدت في غرفتهم.
المؤامرة ومقتل مارلو:
كان مارلو مطلوبا لحضور مجلس الشورى بوصفه عضوا فيه إلا انه غاب عنه وفي 30 من أيار قضى مارلو يومه مع ثلاثة نبلاء في حانة ديبتفورد –الثلاث كانوا من المخابرات السرية
وأعضاء في مجلس الشورى-فدب شجار على من سيدفع الفاتورة من بينهم و قيل أن مارلو سحب خنجرا على انغرام فريزر وطعنه لكن فريزر امسك الخنجر ولكمه لكمة مميتة على عينه اليمنى بمجرد لكمة حرمنا فريزر من عبقري مغوار لم يكمل بعد عقده الثالث و بعد يومين من مقتله تم دفنه في مقبرة مجهولة الهوية..
كشف المستور:
بعد إجراء التحقيقات ثبت انه كان نتيجة شجار وان فريزر قتل مارلو في حالة الدفاع عن النفس وكان صديق مارلو توماس كيد قد كتب رسالة إلى اللورد عن الحاد و هرطقة مارلو وبدا ريتشارد باينز مهتما بآراء مارلو الملحدة وأيضا التهمة الموجهة لمارلو بوصفه لوطيا فسلمت الرسالة إلى مجلس الشورى في اليوم الذي سبق مقتل مارلو ووضع باينز تاريخا مزورا 2 حزيران بدلا من 30 أيار.
فالتهم الموجهة لمارلو كانت كافية لجره لحبل المشنقة باعتباره مجرما وملحدا ومذنبا و أضاف باينز تعليقا حينها واصفا مارلو( المتحدث الأكثر خطورة يجب أن يتوقف),وأطلق سراح فريزر في 28 حزيران من العام ذاته أي بعد 28 يوم من الحادثة فهل كان مقتل مارلو اغتيالا سياسيا مبكرا أم مجرد شجار؟ لنقرأ السطور القادمة ونحكم..
مارلو الجاسوس:
تقول الرواية أن أثناء وجود مارلو بجامع كامبيرج لفتت مواهبه انتباه جون دي- منجم الملكة إليزابيث الأولى –فأوعز للسيد فرانسيس ويلسنجهام بضمه إلى جهاز الخدمة السرية.
في عام 1587 بدأ دوق دي جويز رئيس الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا محاولة طويلة لإنقاذ ابنة أخيه ماري ملكة اسكتلندا من براثن الملكة إليزابيث فلجا إلى تقديم الضيافة إلى الطلبة الانكليز ذوي الميول الكاثوليكية في قلعة الجزويت في ريمز و في نيته أن يورطهم في مؤامرات حول عرش تيودور حينما اكتشف ويلسنجهام أن الكاهن روبرت المتآمر الجزويت
نجح في إيجاد عملاء من كامبردج قرر استخدام هذا الدرب لاختراق مخابرات الجزويت بعميل ذو وجهين ينضم لمعهد الجزويت حتى يمكنه معرفة تفاصيل المؤامرة التي تدبر .
تم اختيار مارلو عميلا مزدوجا للمهمة و غادر كامبردج في عام1587 وتحيدا في شباط ليعود في حزيران فاستدعته الجامعة و استجوبته لغيابه بدون مبرر و التحاقه بمعهد الجزويت في ريمز و أعلن مارلو صراحة مقته للنظام البروتستانتي في انكلترا و عزمه على تنظيم حركة مقاومة كاثوليكية هناك و استطاع مارلو معرفة أسماء المتآمرين الرئيسين وعاد إلى انكلترا و قدم المعلومات إلى ويلسنجهام فأمر وزير الخارجية بإسقاط التهم الموجهة لمارلو و السماح له باستئناف دراسته في كامبردج.
و هناك شائعات تقول أن مارلو لم يمت و أن عملية اغتياله مسرحية لتمكينه من الهرب إلى أوربا بهوية جديدة.
و الأصح أن مارلو كان ضحية تصفية بدنية ارتكبها فريزر بإيعاز من جهاز الخدمة السرية الذي أطلق سراحه بدون تفسير كما لم يعرف احد سبب وجود روبرت بولي –جاسوس ويلسنجهام-في حانة ديبتفورد وقت ارتكاب الجريمة.
حكايات تقول أن مارلو وشكسبير شخص واحد :
ولد مارلو وشكسبير في نفس العام 1564 ويقال إن مارلو يكبره بأسبوع أو أسبوعين
وتقول الرواية أن مارلو اختفى عام 1593 في نفس العام الذي ظهر فيه شكسبير و انه توارى عن وجه العدالة متنكرا تحت اسم شكسبير إلا أن الرواية الرسمية تقول انه قتل في حانة .
كل من مارلو وشكسبير يركزون على ضمير الإنسان وعلى المونولوج المسرحي ولعل مسرحية شكسبير( تاجر البندقية )تذكرنا بمسرحية مارلو(يهودي مالطا).
كل شخصيات مارلو تركز وتحلم بسيطرة لا حدود لها و القوة المطلقة كما شخصيات شكسبير
و توضح أن الشخصيات تنهار في دمار محتم لأنه فوق طاقات البشر.
يركز مارلو على استخدام أسلوب الفر وتسك ليس بقصد الكوميديا إنما في سبيل بث الرعب وكذلك يفعل شكسبير.
ونرد على الرواية التي تقول أن مارلو وشكسبير واحد بان مارلو ينحدر من أسرة فقيرة أما شكسبير فكان والده تاجرا صناعيا مشهورا أما من الناحية الدراسية فمارلو خريج جامعة أما
شكسبير فلم ينه تعليمه الثانوي على الأكثر ولعل الرواية التي تقول أن شكسبير ظهر في نفس عام اختفاء مارلو فنرد من ناحيتنا بان شكسبير ظهر عام 1590 بمسرحيته التراجيدية (تيتوس اندريكوس) و مسرحياته الكوميدية( الحب جهد ضائع-كوميديا الأخطاء-السيدان المهذبان من فيرونا من عام1591حتى1592) وشكسبير تعرف على مارلو في مسرح الورد سنة1591 وتعلم من مارلو طريقة معالجة سلوك الشخصيات و نوعياتهم فمارلو كان مخالطا للشارع و استلهم منه على العكس من شكسبير الذي لم يعاشر الشارع فبقيت مسرحياته عن النبلاء والأساطير اليونانية.
فمقتل مارلو كان سببا سياسيا بحتا لأنه كان عميلا سياسيا للحكومة وقتل لأنه كان يعرف الكثير و لديه الكثير من النسخ والوثائق التي تخشى منها الملكة إليزابيث فقد كان ينقح بعض كتابات الملكة و ينقدها بشك جريء وحاد.
قال عنه الشاعر تشارلز سوينبورن (1837-1909):
(( مارلو هو أب التراجيديا الانكليزية و خالق الشعر الانكليزي الغير مقفى و يعتبر معلما ومرشدا لشكسبير)) .
أعماله:
المسرحيات:
1-تيمبورلين ج1+ج2 طبعت عام 1590 بعد حذف الكثير من المشاهد.
2-د.فاوستوس نشرت عام 1604.
3-ادوارد الثاني نشرت عام1593.
4-يهودي مالطا نشرت عام 1633.
5- مجزرة باريس نشرت عام 1594.
6-ديدو ملكة كار تاج نشرت عام 1594.
الملاحم:
البطل والدائن نشرت عام 1598اكملها من بعده جورج تشابمان .
القصائد:
من الراعي العاشق إلى حبيبته نشرت عام 1599.
كمترجم:
غرام اوفيد للكاتب لوكان المعروف بفار ساليا من اللاتينية إلى الانكليزية.
………………………………………
مراجع ومصادر البحث:
باللغة الانكليزية:
1-christopher Marlowe by Havelock Ellis1948.
2-essays on Marlowe by : T.S.elliot selected essays 1951.
3-marlowe by: William Tiedemann & Vivien Thomas 1989.
4-the murder of Marlowe by: Charles Nicholls 1994.
5-marlowe: the play by stevie simkin 2001.
6-york classics –doctor Faustus.
7-http://www.kirjasto.sci.fi/marlowe.htm.
8-http://www.luminarium.org/renlit/marlowebio.htm
9-http://www.luminarium.org/renlit/passionateshepherd.htm
10- http://www.pbs.org/shakespeare/glossary
11- http://www.theatrehistory.com
12- http://www.perseus.tufts.edu/Texts/MarloweTEXT.html#drama
13-www.time.com
14-www.rjgieb.com
15- http://www.perseus.tufts.edu/Texts/Marlowe.htm
باللغة العربية:
1-د.فاوستوس كريستوفر مارلو ترجمة:خالد حداد