قصة معزوفة القمر
لطالما كتبت لنا أساطير الخيال عن شخصيات لامعة براقة
ولكن
هناك شخصية تختلف تماما عن غيره
بل ربما كان من الأفضل أن تكون لها تصنيفا مختلفا
ألا وهو المدعو بملك الظلام
الملك أركيليس
كان ملكا لبلاد شاسعة
لم يحمل لقب ملكا فحسب
بل تجسدت كل الخصال الملكية في كيانه
فالجيوش تتهاوى من بريق نصل سيفه
والحكماء ينقادون لبلاغة ورجاحة لسانه
لم يلمح أحد شك ولا ريبة في ذلك
شعور يصيبه بالإختناق والضيق في جميع أوقاته
فلم يعد يرى للحياة طعما ولا لألوانها بهجة ولهوا
إلى أن شك أنه ربما له هواء يستنشقه أو ماء يشربه غير المتواجد في هذه الحياة
فخرج ذات يوم من قصره الملئ بالأفراح والملاهي
وترك قلبه يجول داخل أحاسيس جميلة, كانت هي الجمال الوحيد الذي يقدره ويهواه
ألا وهي....
مشهد العينان البراقتان...... بدموع حرارة الشوق والفقدان
احساس اللمسات الدافئة.... التي تأخذ بيد القلوب التائهة
جمال ونضارة البسمة.... حين ترتسم على الشفاه بأحلى رسمه
.
.
كان يردد ويقول في نفسه:
ما أجمل هذه الأحاسيس الصادقة... التي اشتقت لها لروعة قلوبها الناطقة
ما أحلى العيون حين تنظر إلى النور... وما أحلى الشفاه حين تتغنى عن الزهور
.
تلك هي الأحاسيس التي كان قلبه يجول في عوالمها أثناء وقت الغروب حينما كانت عيناه سارحة في السماء التي تزيد في السواد...
وفي النجوم وهي تزيد في التلألؤ رغم البعاد...
وفي وجه القمر الذي يزيد بريقه في البياض...
كانت تلك اللحظات تغطي بظلمتها أرجاء المكان
فأخفـَـت تقاسيم وجهه ورسمة عيناه السارحتان
كان يبحث ويبحث داخل قلبه عن كل إحساس غامض اختبأ داخله كما يختبئ السطح المظلم من القمر
ليحميه بكل ما يملك من قوة ودهاء لا تخطر على عقل بشر
كان يشعر بغربته فكثر تساؤله عن حقيقة هويته
كان دائم التساؤل
من هو أنا؟؟؟؟؟ وكيف أصبحت أنا؟؟؟؟؟
وهل أنا هنا لأعيش كما هو الآن أنا؟؟؟؟
كان هذا التساؤل يجوب ويجول في خاطره طيلة حياته
وأصبح ينادي ويستغيث بأعلى صوته: أرشدني يا إلهي إلى حقيقة نفسي
فمكث يسير بخطوات هادئة حتى انتهى به الدرب إلى مأوىمظلم
كان مهترءا... كان قديما... كانباليا
ولكنه كان لا يعتقد أن أحدا يعلم كيف الوصولإليه... لهذا أحب اللجوء إليه
فدخله وكان حالكا في ظلمته..... فترك يمناه تجول في أوساط الظلام لتتلامس مع ما لم تتمكن عيناه من رؤيته... فزحفت أصابعه على أسطح ملساء.. وعلى أغلفة كتب متراصة على سواء
ظلت يده تحوم وتجول.... وصمت الظلام غمر قلبه فلم يبقى ما يحس به وما يقول
كل ماكانت تتلاقى به يده كان مألوفا ومدروكا... إلى أن أتت تلك اللحظة التي لمس فيها شيئا أصدر صوتا
صوتا تردد في مسامع قلبه ليملأ فراغه.. ويتلون في بياضه و صفائه
ردد في خاطره: ما هذا الصوت؟؟ لا لا بل ما هذه النغمة؟؟
وهدأت أنفاسه حينما أدرك أنها نغمة لبيانو عتيق...
فجلس أمامه... وترك أصابعه تعزف عليه بما ينسجم مع نغمات مشاعره فتركبت معزوفة ذي لون هادئ يغشاها شيء من الغموض.... فعزف وعزف لأعماق قلبه فلم يسعه النهوض
عزف طوال الليل تحت سماء مضاءة بالقمر
لم يتوقف للحظة ولا لشيء فطال الليل وطال السهر
ترك جفونه تسترخي... وترك لسانه تستشف كل ما بقلبه... ليقول
نور القمر يسطع من نافذتي... لكن قلبي محاط بالظلام
لذا سوف أشعل شمعة.... لعلها تخفف ما بقلبي من ظلام
فسوف أصنع البسمة في الوجوه لتصبح كجمال الحور... وسأصنع الخيال التي تطير في أجوائها القلوب كالطيور
نور القمر يسطع من نافذتي... لكن قلبي محاط بالظلام
استمر في العزف و الغناء.... مع نغمات تنطلق إلى العلاء
كانت الألحان تعزف في كل مكان... كأن الأشجار والأحجار أصبحت تعزف معه
بل كأن فرقة موسيقية نظمت آداءها لعزفه....
لأن نغماته أصبحت تزيد في الإمتداد.... وتعددت في درجات ألحانها فأصبح لها أبعاد
فتح عيناه..... لتتوجه نظراته إلى حركة أصابع يداه
عندها اعتقد انه مازال طائرا في عالم الأحلام... لأن الألحان التي تسمعها أذناه كأنها تجاوزت ما تؤديه أنامله من أنغام
أعاد النظر مرارا وتكرارا... أغمض عيناه وفتحتها مجددا ليتيقن أن هناك شيئا عجيبا يحدث
.
لم يكن حلما ولا تخيلا.... بل كان شيئا يحدث حقيقة
كان هناك من يعزف معه.... بل بجانبه.... يعزف بنفس آلة عزفه
لم يعتد أركيليس على رؤية الأعاجيب.... بل في الحقيقة... انه لم يرى أعجوبة قط في حياته
كانت رغبته في تحريك عيناه هي من أصعب المهام
استجمع كل قواه وكل ما يملك من عزيمة.... وبدأ باستدارة رأسه المتحجر
كانت لحظات عصيبة... ولكن...
لم يرى أي مخلوق بجانبه !!!!!
مالذي يحدث؟؟؟؟؟
لازالت الأنغام بكل جمال تعزف..... بالرغم من أن يداه مضطربة ترجف
.
.
انتفض جسمه بقوة... وفز قائما.... واندفعت يداه في سواد الظلام لتتلمس أي شيء ينير له الطريق
فتلامست مع مقبض نافذة, فأدارها بكل قوة فانفتحت لتسمح لضوء القمر بالدخول ليقشع الظلمة الحالكة..
ولكنها لم تنير ما بداخل المنزل فحسب... بل أظهرت هيئة المخلوق الذي عزف معه
أظهرت مخلوقا عجيبا... عجيبا في روعته....
.
.
بل عجيبة في روعتها... عجيبة في سواد ردائها... عجيبة في سواد شعرها... الذي انسدل على عينيها وغطى معظم جسمها
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
ان شعرها الداكن.... وسواد ردائها الفاتن... دور في اخفاء صورتها تحت الظلال...
ودور في بروز ملامحها وتباين ألوانها تحت ضوء القمر لتكون ملكة الحسن والدلال
في تلك اللحظة
توقفت الفتاة عن العزف.... ونهضت من مقامها واستدارت إليه... وبدأت بالإقتراب
اقتربت شيئا فشيئا
مالذي يجري؟؟؟؟؟
تردد هذا السؤال في خاطره
أيعقل أن تكون..... أيعقل أن تكون....
أن تكون مصاصة دماء!!!!!!
بدأ يراوده في تلك اللحظات شعور غريب.... لعله أغرب شعور راوده طيلة حياته
كان الشعور يزداد مع كل خطوة تقترب بها
كان يترقب ويشعر بمدى جمالها وفتنتها عندما تكون مصاصة دماء
.
عندما تأتيها تلك النشوة حينما تنظر إلى عروقه التي أحاطت رقبته
.
عندما تتلذذ بنبض قلبه وبحرارة دمه
.
كان يتحسسها وهي تطبق لسانها عليه لتلج بعمق داخل رقبته
وترشف كل ما بداخله ليجري في عروقها ويروي عطشها
فجأة
استرد الفارس وعيه حينما أحس بيدها تلامس تقاسيم وجهه
كأنها كانت تتفحصه فقط
وقف مذهولا بذاك الشعور الغريب والخيال العجيب الذي انتابه
لماذا وكيف شعرت بذلك؟؟؟!!!
مالذي جرى لي يا ترى؟؟؟!!!
توقف ذلك السيل من التساؤلات عندما لمح يدها تختبئ بين طيات ردائها لتخرج سكينا حادا
جحظت عيناه للمعان ذلك السكين
أيعقل أن تكون من القتلة المجرمين؟؟
في تلك اللحظة,,,, انتابه شعور شديد.... أتته الرغبة بأن تفعل به ماتريد
فحدث شيئا عجيب.... رآها تهوي بالسكين على أحد أصابع يدها لتسيل قطرات دمها بلا توقف
فقالت بلا أي اكتراث بألم ولا بسقم:
انظر, لقد فقدت كل ما بجسدي من أحاسيس
لم أعد أحس بحرارة ولا بحرقة نار... ولم أعد أرى فرقا بين برودة شتاء ولا بصيف حار
لم أعد أهتم ولا أكترث بأي شيء.... لأن آلام قلبي امتلكتني أنا وكل شيء
كانت تقول تلك الكلمات و قد اندفع الفارس بلا وعي لينزع جزءا من ملابسه ليضمد بها جرحها الذي فعلته بنفسها
ثم قالت مشيرة إلى صدرها:
انظر إليه.... ألا تستطيع أن تحس به.... إنه يصرخ من الألم.... أحس به بداخلي... أحس به كالطفل الصغير في أحشائي
كانت تقول تلك الكلمات بينما كان يقوم بتضميد جرحها
كأنه فهم أنها تقصد بذاك الكلام على قلبها
كان يشعر أنها في غاية الجنون
كان معتادا في حياته على سماع كلام الحكماء وأصحاب العقول من الناس
وكان معتادا على اسكاتهم بقوة حجته وبرجاحة كلمته
ولكنه الآن شعر بشئ أثار دهشته
شعر أن جنونها يؤثر في كيانه
شعر أن جنونها يسيطر على عقله وقلبه
شعر أن جنونها يثير اهتمامه ويـُـثـقل أنفاسه
ماذا جرى بي يا ترى؟؟؟!!!
كانت الفتاة حينها تتجه إلى خارج البيت المظلم
تبعها فورا ليراها كالملكات في مشيتها
وكأن القمر كان قد وُضع لها
وكأن الأشجار قد تراصت في جانبي الطريق تعظيما وتقديرا لأجلها
كان يشعر بنفسه كأنه مسحورا ورائها
كان لا يحس بشيء إلا بها وكأن روحه وحواسه انتقلت إليها
كان يحس بوطئة قدمها.... بجمال أنفاسها.... بحرارة نبضها
كان يحس بها وقد فاقت جاذبيتها جاذبية الأرض التي تحتها
فأصبح كأنه يطير مجذوبا وراءها
الرجاء تحميل وتشغيل موسيقى معزوفة القمر 1
ومن ثم إكمال الباقي لإكتمال الأجواء
كان يقول في نفسه
هل هي أتت إليكالملاك مع ضوء القمر
أم هي أتت إلي كالحوريةمع موج البحر
كيف ومتى... ظهر هذاالمخلوق وأتى
ملكة في سواد ردائها.... و باهرة في سحر نظراتها
أرى جمالا فاق جمال الطبيعة ونعيم الجنان.... يخفق القلب لحضورها وتهتز الكيان
سارت قدماه وراءها بلا وعي حتى انتهى به الطريق إلى بحر كبير باهر بجماله
فجلست الفتاة على حافته بكل جمال وثقة
فصرخ بأعلى صوته ومن أعماق قلبه قائلا:
انطلقي أيتها الرياحليرفرف شعرها الجذاب بمروركي
اظهري أيتها الطبيعةوانظري الى تلك الفتاة التي فاق جمالهاجمالكي
التي فاقت فتنتهافتنتكي
التي فاق غموضها غموضظلمتكي
التي فاق اتساع خيالها اتساعفضاءكي
التي ثار بهاء ألوانها فطمست ألوانمعالمكي
استدارت الفتاة إليه عند سماع تلك الكلمات
عند تلك اللحظة, حدث شيئا في غاية الغرابة
تحرك جسم الفارس تلقائيا ليجلس على ركبتاه خافضا رأسه ممسكا بيداه
فتساءلت في قلق: ماذا بك؟؟؟!!!
لم يكن لحظتها قادرا على تحريك شفتاه.. ولا على تحريك عيناه
لأنه كان يشعر أنها تتطلب إلى عينا ملاك لأن تنظر إلى عيناها... لكي لا ترمش دون اذن منها ولا يرتد طرفها حين سرحانها في أجواء خيالها
كان يحس أنها تتطلب إلى صوت بلبل ممزوج بصوت خرير هادئ لأن يهمس في أذنيها بكل هدوء وروية لكي لا يقشعر جسدها ولا يمس صفاء أجوائها
كان يحس أنها تتطلب إلى لمسات حرير بعد انغماسه بماء دافئ لأن ينساب على بشرتها لكي لا يؤثر على تقاسيمها ولا يخدش طراوتها ونعومتها
كان يشعر أنه في غاية الضعف والهوان
رددت الفتاة سؤالها إليه قائلة:
قلت لك ماذا بك... ولماذا ترجف هكذا؟؟؟!!!
حسنا ماذا تشعر؟؟؟!!!
عندها نطق لسانه بكلمتين
قال: الخوف والقلق
.
عندها..... بدأ يحدث له شيئا عجيبا
بدأ يسمع همسها ينبض داخل قلبه..... كأنها تخاطره وتوحي له بشيء
تساءل في دهشة:
ما هذا؟؟؟؟؟
هل نحن متصلين بطريقة ما؟؟؟!!!
أسمعها تهمس لقلبي من غير وسائط
أسمعها تخاطرني وتقول: اختبيء بسرعة
حدث ذلك من غير أن تنظر إليه ولا أن تحرك فمها!!!
فاستجاب فورا لطلبها
.
.
في تلك اللحظة
كان الهدوء يعم المكان... بينما كانت عيون الفتاة سارحة في امتداد البحر
ولكن....
بدأ يشوب هذا الهدوء أصوات بدأت تقترب من بعيد
كانت الأصوات لأقدام تقترب وتقترب
تقترب من كل مكان
حينها, كانت الفتاة وحيدة وقد اختبأ الفارس عنها
فنهضت واقفة على قدميها تنتظر مصيرها
فبدأ يظهر من خلف الظلام مجموعة كبيرة من الحراس المسلحين
كانوا يظهرون من كل مكان محاصرين الفتاة التي بدت عليها آثار الخوف والقلق
فتقدم قائد الحراس من بينهم قائلا:
أخيرا أمسكت بكي أيتها الفتاة المتشردة اللقيطة
لا مكان لكي بيننا في هذا المجتمع المتحضر
مكانكي سيكون في أحد المياتم والملاجئ
أنتي وأمثالكي عار على هذا المجتمع
ثم استدار القائد إلى حراسه قائلا:
هيا يا حراس.. أمسكوا بها
ارتجف جسم الفتاة الرقيق بشدة وجحظت عيناها من الرعب والخوف
فانقض عليها الحراس وبدأوا بتقييد يداها بالسلاسل
فإذا بصوت رهيب يأتي من السماء يقول: لا تلمسهاااااا
نظر الحراس جميعهم لفوق ليروا الفارس أركيليس منقضا عليهم بسيفه
معزوفة القمر
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
فابتعدوا جميعهم من حول الفتاة هاربين من ذلك النصل اللامع المنطلق
وعندما حط الفارس على قدميه, أحاط الفتاة بوشاحه
فهتف القائد بأعلى صوته قائلا: من أنت ياهذا؟ آمرك بتسليم نفسك بأمر الملك وإلا ....
ولكن..... اتسعت عينا القائد وانحبست أنفاسه وتجمد لسانه حينما استدار الفارس إلي
تأتأ القائد بصعوبة: ال... الللل... المللللك!!!!!
رد الفارس بصرامة
اذا حاول أيا منكم فقط الإقتراب منها, فسوف أفصل رأسه عن جسده
فرد القائد في دهشة: أنت يا جلالة الملك هو من أمر بالإمساك بكل مجهول, فكيف تحامي عنهم بنفسك؟!!!
رد الملك: لأني كنت أعتبر المتخفي عن سجلات الدولة والتعرفات الرسمية هو مجهول الهوية والآن أصبحت أعترف أن من أخفى احساسه وحقيقة مشاعره هو المجهول الحقيقي. بل هو الضائع التائه... قل لي... ما فائدة الإسم واللقب اذا كنت لا تعرف ما أكن في داخلي اتجاهك.... لا تعرف هل أنا صديق أم عدو.... لا تعرف هل أنا صادق أم كاذب... ولا أفتخر بنفسي لأحكم أجسادا جامدة.... بل أكون ملكا حقيقيا اذا حكمت القلوب الدافئة بحماية أحاسيسها الصادقة وإنشاء عالم يرفق بجمالها وبطبيعتها....
رد القائد: اذا.... مالذي يتوجب علي فعله الآن يا سيدي
الملك: عليكم أن تطاردونني الآن.... لأنني أصبحت مطلوبا أو ربما خائنا
وسأعود لأنشئ عالما جديدا تتوحد فيه المعاني والمسميات,,, يتوحد فيه معنى الحب والحياة والجمال والسحر والخيال... لتصبح كلمات لها معنى واحد فقط
ألا وهو امرأة عاطفية, نعتني بها
وفي اللحظة التي لفظ الفارس كلماته الأخيرة, انطلق مسرعا حاملا الفتاة بذراعيه
معزوفة القمر
وكان الحراس يراقبونه وهو يبتعد عنهم... فسأل أحدهم للقائد: ماذا نفعل الآن ياسيدي؟؟ ألا نلحق به؟
رد القائد قائلا: ليس الآن.... فيما بعد
وفي هذه اللحظة... كان الفارس قد انطلق بالفتاة بقارب صغير في عرض البحر
انطلق بالقارب فوق أموج البحر... تحت ضوء القمر... مبتعدا عن بلاده
مبتعدا عن كل شيء
معزوفة القمر
لأنه أدرك أنه كان وحيدا في هذاالكون
وأنه فقط عند هذه اللحظة, رأى إنسانا آخرغيره
لأن جميع الناس الذين كانو يحيطون به ليسو الا أجزاءا منالطبيعة
فقط هو وهي.... ولا أحد غيرهما
فالخوف والقلق عندها كان يغمر قلبه عليها
لأنها لو غابت أو ذهبت عنه فلن يرى بشرا بعدها أبد
فتحقق من حقيقة نفسه
تحقق أنه في حقيقته خادما لها..... وهي في حقيقتها ملكته
تحكمه بخيالها وأحاسيسها
فخلع قلادته التي كانت عليه وقال للفتاة:
الآن أنتي أصبحتي ملكتي... فلهذه المناسبة... أرجو منكي أن تتقبلي هذه القلادة..
فرفعت الفتاة شعره لتسمح للفارس بأن يحيط بالقلادة رقبتها
فقالت له الفتاة مبتسمة: انها جميلة جدا.... و ما أجمل هذا القلب الذهبي المعلق عليها
قال الفارس: انه ليس مجرد قلب معلق...انها ستعزف لكي لحنا جميلا ساحرا اذا فتحتيها
فعندما فتحت الفتاة القلب, رأت عيناها معكوسة في مرآة داخلها.. وبدأت تعزف لحنا
(معزوفة القمر 2)
أدمعت عينا الفتاة في تلك اللحظة
كانت المعزوفة تخاطب قلبها وتدفئه
كانت المعزوفة تـُـحـَـول جميع المعالم المحيطة بها لمشاهد خيالية
فحينما التقى ضوء القمر مع دمعة عينيها....
تلألأ نوره في أعماق دمعتها.
لتتبلور فتصبح كقطعة كريستال رائعة زينت خديها
وأصبح القمر وجها للأمل يحن عليها
وأصبحت أمواج البحر تهز القارب بلطف كما تهز أم حنونة سرير طفلها لينام بسلام
ظلت الفتاة تعيد سماع المعزوفة, لأن في كل مرة كانت تسمعها, كانت تسمع لها احساسا مختلفا
فلم تتوقف الألحان...... لم تتوقف أبدا
(معزوفة الفمر 3)
كانت تحس أنها رحلت إلى عالم جديد كليا
كانت تحس أنها حلقت إلى القمر
ولكن شيئا عجيبا أثار حيرتها
كانت تحس أنها واثقة بأن كل هذا سيحدث لها
كانت تشعر أنها تعرف الملك أركيليس منذ زمن بعيد
بينما كان يشعر الملك أنه أخيرا أحس سر غموضه وحقيقة نفسه
أحس أنه كان ملكا لكي يصبح كفؤا لأن يكون خادما لها
أحس أنه كان فارسا عظيما لكي يكون كفؤا لحمايتها
أحس أنه كان عريض المنكبين وقوي الذراعين لكي يكون كفؤا ليحتوي ويلائم رقة جسدها
معزوفة القمر
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
منقووووووووول لروعتههههههههههههها
لطالما كتبت لنا أساطير الخيال عن شخصيات لامعة براقة
ولكن
هناك شخصية تختلف تماما عن غيره
بل ربما كان من الأفضل أن تكون لها تصنيفا مختلفا
ألا وهو المدعو بملك الظلام
الملك أركيليس
كان ملكا لبلاد شاسعة
لم يحمل لقب ملكا فحسب
بل تجسدت كل الخصال الملكية في كيانه
فالجيوش تتهاوى من بريق نصل سيفه
والحكماء ينقادون لبلاغة ورجاحة لسانه
لم يلمح أحد شك ولا ريبة في ذلك
شعور يصيبه بالإختناق والضيق في جميع أوقاته
فلم يعد يرى للحياة طعما ولا لألوانها بهجة ولهوا
إلى أن شك أنه ربما له هواء يستنشقه أو ماء يشربه غير المتواجد في هذه الحياة
فخرج ذات يوم من قصره الملئ بالأفراح والملاهي
وترك قلبه يجول داخل أحاسيس جميلة, كانت هي الجمال الوحيد الذي يقدره ويهواه
ألا وهي....
مشهد العينان البراقتان...... بدموع حرارة الشوق والفقدان
احساس اللمسات الدافئة.... التي تأخذ بيد القلوب التائهة
جمال ونضارة البسمة.... حين ترتسم على الشفاه بأحلى رسمه
.
.
كان يردد ويقول في نفسه:
ما أجمل هذه الأحاسيس الصادقة... التي اشتقت لها لروعة قلوبها الناطقة
ما أحلى العيون حين تنظر إلى النور... وما أحلى الشفاه حين تتغنى عن الزهور
.
تلك هي الأحاسيس التي كان قلبه يجول في عوالمها أثناء وقت الغروب حينما كانت عيناه سارحة في السماء التي تزيد في السواد...
وفي النجوم وهي تزيد في التلألؤ رغم البعاد...
وفي وجه القمر الذي يزيد بريقه في البياض...
كانت تلك اللحظات تغطي بظلمتها أرجاء المكان
فأخفـَـت تقاسيم وجهه ورسمة عيناه السارحتان
كان يبحث ويبحث داخل قلبه عن كل إحساس غامض اختبأ داخله كما يختبئ السطح المظلم من القمر
ليحميه بكل ما يملك من قوة ودهاء لا تخطر على عقل بشر
كان يشعر بغربته فكثر تساؤله عن حقيقة هويته
كان دائم التساؤل
من هو أنا؟؟؟؟؟ وكيف أصبحت أنا؟؟؟؟؟
وهل أنا هنا لأعيش كما هو الآن أنا؟؟؟؟
كان هذا التساؤل يجوب ويجول في خاطره طيلة حياته
وأصبح ينادي ويستغيث بأعلى صوته: أرشدني يا إلهي إلى حقيقة نفسي
فمكث يسير بخطوات هادئة حتى انتهى به الدرب إلى مأوىمظلم
كان مهترءا... كان قديما... كانباليا
ولكنه كان لا يعتقد أن أحدا يعلم كيف الوصولإليه... لهذا أحب اللجوء إليه
فدخله وكان حالكا في ظلمته..... فترك يمناه تجول في أوساط الظلام لتتلامس مع ما لم تتمكن عيناه من رؤيته... فزحفت أصابعه على أسطح ملساء.. وعلى أغلفة كتب متراصة على سواء
ظلت يده تحوم وتجول.... وصمت الظلام غمر قلبه فلم يبقى ما يحس به وما يقول
كل ماكانت تتلاقى به يده كان مألوفا ومدروكا... إلى أن أتت تلك اللحظة التي لمس فيها شيئا أصدر صوتا
صوتا تردد في مسامع قلبه ليملأ فراغه.. ويتلون في بياضه و صفائه
ردد في خاطره: ما هذا الصوت؟؟ لا لا بل ما هذه النغمة؟؟
وهدأت أنفاسه حينما أدرك أنها نغمة لبيانو عتيق...
فجلس أمامه... وترك أصابعه تعزف عليه بما ينسجم مع نغمات مشاعره فتركبت معزوفة ذي لون هادئ يغشاها شيء من الغموض.... فعزف وعزف لأعماق قلبه فلم يسعه النهوض
عزف طوال الليل تحت سماء مضاءة بالقمر
لم يتوقف للحظة ولا لشيء فطال الليل وطال السهر
ترك جفونه تسترخي... وترك لسانه تستشف كل ما بقلبه... ليقول
نور القمر يسطع من نافذتي... لكن قلبي محاط بالظلام
لذا سوف أشعل شمعة.... لعلها تخفف ما بقلبي من ظلام
فسوف أصنع البسمة في الوجوه لتصبح كجمال الحور... وسأصنع الخيال التي تطير في أجوائها القلوب كالطيور
نور القمر يسطع من نافذتي... لكن قلبي محاط بالظلام
استمر في العزف و الغناء.... مع نغمات تنطلق إلى العلاء
كانت الألحان تعزف في كل مكان... كأن الأشجار والأحجار أصبحت تعزف معه
بل كأن فرقة موسيقية نظمت آداءها لعزفه....
لأن نغماته أصبحت تزيد في الإمتداد.... وتعددت في درجات ألحانها فأصبح لها أبعاد
فتح عيناه..... لتتوجه نظراته إلى حركة أصابع يداه
عندها اعتقد انه مازال طائرا في عالم الأحلام... لأن الألحان التي تسمعها أذناه كأنها تجاوزت ما تؤديه أنامله من أنغام
أعاد النظر مرارا وتكرارا... أغمض عيناه وفتحتها مجددا ليتيقن أن هناك شيئا عجيبا يحدث
.
لم يكن حلما ولا تخيلا.... بل كان شيئا يحدث حقيقة
كان هناك من يعزف معه.... بل بجانبه.... يعزف بنفس آلة عزفه
لم يعتد أركيليس على رؤية الأعاجيب.... بل في الحقيقة... انه لم يرى أعجوبة قط في حياته
كانت رغبته في تحريك عيناه هي من أصعب المهام
استجمع كل قواه وكل ما يملك من عزيمة.... وبدأ باستدارة رأسه المتحجر
كانت لحظات عصيبة... ولكن...
لم يرى أي مخلوق بجانبه !!!!!
مالذي يحدث؟؟؟؟؟
لازالت الأنغام بكل جمال تعزف..... بالرغم من أن يداه مضطربة ترجف
.
.
انتفض جسمه بقوة... وفز قائما.... واندفعت يداه في سواد الظلام لتتلمس أي شيء ينير له الطريق
فتلامست مع مقبض نافذة, فأدارها بكل قوة فانفتحت لتسمح لضوء القمر بالدخول ليقشع الظلمة الحالكة..
ولكنها لم تنير ما بداخل المنزل فحسب... بل أظهرت هيئة المخلوق الذي عزف معه
أظهرت مخلوقا عجيبا... عجيبا في روعته....
.
.
بل عجيبة في روعتها... عجيبة في سواد ردائها... عجيبة في سواد شعرها... الذي انسدل على عينيها وغطى معظم جسمها
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
ان شعرها الداكن.... وسواد ردائها الفاتن... دور في اخفاء صورتها تحت الظلال...
ودور في بروز ملامحها وتباين ألوانها تحت ضوء القمر لتكون ملكة الحسن والدلال
في تلك اللحظة
توقفت الفتاة عن العزف.... ونهضت من مقامها واستدارت إليه... وبدأت بالإقتراب
اقتربت شيئا فشيئا
مالذي يجري؟؟؟؟؟
تردد هذا السؤال في خاطره
أيعقل أن تكون..... أيعقل أن تكون....
أن تكون مصاصة دماء!!!!!!
بدأ يراوده في تلك اللحظات شعور غريب.... لعله أغرب شعور راوده طيلة حياته
كان الشعور يزداد مع كل خطوة تقترب بها
كان يترقب ويشعر بمدى جمالها وفتنتها عندما تكون مصاصة دماء
.
عندما تأتيها تلك النشوة حينما تنظر إلى عروقه التي أحاطت رقبته
.
عندما تتلذذ بنبض قلبه وبحرارة دمه
.
كان يتحسسها وهي تطبق لسانها عليه لتلج بعمق داخل رقبته
وترشف كل ما بداخله ليجري في عروقها ويروي عطشها
فجأة
استرد الفارس وعيه حينما أحس بيدها تلامس تقاسيم وجهه
كأنها كانت تتفحصه فقط
وقف مذهولا بذاك الشعور الغريب والخيال العجيب الذي انتابه
لماذا وكيف شعرت بذلك؟؟؟!!!
مالذي جرى لي يا ترى؟؟؟!!!
توقف ذلك السيل من التساؤلات عندما لمح يدها تختبئ بين طيات ردائها لتخرج سكينا حادا
جحظت عيناه للمعان ذلك السكين
أيعقل أن تكون من القتلة المجرمين؟؟
في تلك اللحظة,,,, انتابه شعور شديد.... أتته الرغبة بأن تفعل به ماتريد
فحدث شيئا عجيب.... رآها تهوي بالسكين على أحد أصابع يدها لتسيل قطرات دمها بلا توقف
فقالت بلا أي اكتراث بألم ولا بسقم:
انظر, لقد فقدت كل ما بجسدي من أحاسيس
لم أعد أحس بحرارة ولا بحرقة نار... ولم أعد أرى فرقا بين برودة شتاء ولا بصيف حار
لم أعد أهتم ولا أكترث بأي شيء.... لأن آلام قلبي امتلكتني أنا وكل شيء
كانت تقول تلك الكلمات و قد اندفع الفارس بلا وعي لينزع جزءا من ملابسه ليضمد بها جرحها الذي فعلته بنفسها
ثم قالت مشيرة إلى صدرها:
انظر إليه.... ألا تستطيع أن تحس به.... إنه يصرخ من الألم.... أحس به بداخلي... أحس به كالطفل الصغير في أحشائي
كانت تقول تلك الكلمات بينما كان يقوم بتضميد جرحها
كأنه فهم أنها تقصد بذاك الكلام على قلبها
كان يشعر أنها في غاية الجنون
كان معتادا في حياته على سماع كلام الحكماء وأصحاب العقول من الناس
وكان معتادا على اسكاتهم بقوة حجته وبرجاحة كلمته
ولكنه الآن شعر بشئ أثار دهشته
شعر أن جنونها يؤثر في كيانه
شعر أن جنونها يسيطر على عقله وقلبه
شعر أن جنونها يثير اهتمامه ويـُـثـقل أنفاسه
ماذا جرى بي يا ترى؟؟؟!!!
كانت الفتاة حينها تتجه إلى خارج البيت المظلم
تبعها فورا ليراها كالملكات في مشيتها
وكأن القمر كان قد وُضع لها
وكأن الأشجار قد تراصت في جانبي الطريق تعظيما وتقديرا لأجلها
كان يشعر بنفسه كأنه مسحورا ورائها
كان لا يحس بشيء إلا بها وكأن روحه وحواسه انتقلت إليها
كان يحس بوطئة قدمها.... بجمال أنفاسها.... بحرارة نبضها
كان يحس بها وقد فاقت جاذبيتها جاذبية الأرض التي تحتها
فأصبح كأنه يطير مجذوبا وراءها
الرجاء تحميل وتشغيل موسيقى معزوفة القمر 1
ومن ثم إكمال الباقي لإكتمال الأجواء
كان يقول في نفسه
هل هي أتت إليكالملاك مع ضوء القمر
أم هي أتت إلي كالحوريةمع موج البحر
كيف ومتى... ظهر هذاالمخلوق وأتى
ملكة في سواد ردائها.... و باهرة في سحر نظراتها
أرى جمالا فاق جمال الطبيعة ونعيم الجنان.... يخفق القلب لحضورها وتهتز الكيان
سارت قدماه وراءها بلا وعي حتى انتهى به الطريق إلى بحر كبير باهر بجماله
فجلست الفتاة على حافته بكل جمال وثقة
فصرخ بأعلى صوته ومن أعماق قلبه قائلا:
انطلقي أيتها الرياحليرفرف شعرها الجذاب بمروركي
اظهري أيتها الطبيعةوانظري الى تلك الفتاة التي فاق جمالهاجمالكي
التي فاقت فتنتهافتنتكي
التي فاق غموضها غموضظلمتكي
التي فاق اتساع خيالها اتساعفضاءكي
التي ثار بهاء ألوانها فطمست ألوانمعالمكي
استدارت الفتاة إليه عند سماع تلك الكلمات
عند تلك اللحظة, حدث شيئا في غاية الغرابة
تحرك جسم الفارس تلقائيا ليجلس على ركبتاه خافضا رأسه ممسكا بيداه
فتساءلت في قلق: ماذا بك؟؟؟!!!
لم يكن لحظتها قادرا على تحريك شفتاه.. ولا على تحريك عيناه
لأنه كان يشعر أنها تتطلب إلى عينا ملاك لأن تنظر إلى عيناها... لكي لا ترمش دون اذن منها ولا يرتد طرفها حين سرحانها في أجواء خيالها
كان يحس أنها تتطلب إلى صوت بلبل ممزوج بصوت خرير هادئ لأن يهمس في أذنيها بكل هدوء وروية لكي لا يقشعر جسدها ولا يمس صفاء أجوائها
كان يحس أنها تتطلب إلى لمسات حرير بعد انغماسه بماء دافئ لأن ينساب على بشرتها لكي لا يؤثر على تقاسيمها ولا يخدش طراوتها ونعومتها
كان يشعر أنه في غاية الضعف والهوان
رددت الفتاة سؤالها إليه قائلة:
قلت لك ماذا بك... ولماذا ترجف هكذا؟؟؟!!!
حسنا ماذا تشعر؟؟؟!!!
عندها نطق لسانه بكلمتين
قال: الخوف والقلق
.
عندها..... بدأ يحدث له شيئا عجيبا
بدأ يسمع همسها ينبض داخل قلبه..... كأنها تخاطره وتوحي له بشيء
تساءل في دهشة:
ما هذا؟؟؟؟؟
هل نحن متصلين بطريقة ما؟؟؟!!!
أسمعها تهمس لقلبي من غير وسائط
أسمعها تخاطرني وتقول: اختبيء بسرعة
حدث ذلك من غير أن تنظر إليه ولا أن تحرك فمها!!!
فاستجاب فورا لطلبها
.
.
في تلك اللحظة
كان الهدوء يعم المكان... بينما كانت عيون الفتاة سارحة في امتداد البحر
ولكن....
بدأ يشوب هذا الهدوء أصوات بدأت تقترب من بعيد
كانت الأصوات لأقدام تقترب وتقترب
تقترب من كل مكان
حينها, كانت الفتاة وحيدة وقد اختبأ الفارس عنها
فنهضت واقفة على قدميها تنتظر مصيرها
فبدأ يظهر من خلف الظلام مجموعة كبيرة من الحراس المسلحين
كانوا يظهرون من كل مكان محاصرين الفتاة التي بدت عليها آثار الخوف والقلق
فتقدم قائد الحراس من بينهم قائلا:
أخيرا أمسكت بكي أيتها الفتاة المتشردة اللقيطة
لا مكان لكي بيننا في هذا المجتمع المتحضر
مكانكي سيكون في أحد المياتم والملاجئ
أنتي وأمثالكي عار على هذا المجتمع
ثم استدار القائد إلى حراسه قائلا:
هيا يا حراس.. أمسكوا بها
ارتجف جسم الفتاة الرقيق بشدة وجحظت عيناها من الرعب والخوف
فانقض عليها الحراس وبدأوا بتقييد يداها بالسلاسل
فإذا بصوت رهيب يأتي من السماء يقول: لا تلمسهاااااا
نظر الحراس جميعهم لفوق ليروا الفارس أركيليس منقضا عليهم بسيفه
معزوفة القمر
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
فابتعدوا جميعهم من حول الفتاة هاربين من ذلك النصل اللامع المنطلق
وعندما حط الفارس على قدميه, أحاط الفتاة بوشاحه
فهتف القائد بأعلى صوته قائلا: من أنت ياهذا؟ آمرك بتسليم نفسك بأمر الملك وإلا ....
ولكن..... اتسعت عينا القائد وانحبست أنفاسه وتجمد لسانه حينما استدار الفارس إلي
تأتأ القائد بصعوبة: ال... الللل... المللللك!!!!!
رد الفارس بصرامة
اذا حاول أيا منكم فقط الإقتراب منها, فسوف أفصل رأسه عن جسده
فرد القائد في دهشة: أنت يا جلالة الملك هو من أمر بالإمساك بكل مجهول, فكيف تحامي عنهم بنفسك؟!!!
رد الملك: لأني كنت أعتبر المتخفي عن سجلات الدولة والتعرفات الرسمية هو مجهول الهوية والآن أصبحت أعترف أن من أخفى احساسه وحقيقة مشاعره هو المجهول الحقيقي. بل هو الضائع التائه... قل لي... ما فائدة الإسم واللقب اذا كنت لا تعرف ما أكن في داخلي اتجاهك.... لا تعرف هل أنا صديق أم عدو.... لا تعرف هل أنا صادق أم كاذب... ولا أفتخر بنفسي لأحكم أجسادا جامدة.... بل أكون ملكا حقيقيا اذا حكمت القلوب الدافئة بحماية أحاسيسها الصادقة وإنشاء عالم يرفق بجمالها وبطبيعتها....
رد القائد: اذا.... مالذي يتوجب علي فعله الآن يا سيدي
الملك: عليكم أن تطاردونني الآن.... لأنني أصبحت مطلوبا أو ربما خائنا
وسأعود لأنشئ عالما جديدا تتوحد فيه المعاني والمسميات,,, يتوحد فيه معنى الحب والحياة والجمال والسحر والخيال... لتصبح كلمات لها معنى واحد فقط
ألا وهو امرأة عاطفية, نعتني بها
وفي اللحظة التي لفظ الفارس كلماته الأخيرة, انطلق مسرعا حاملا الفتاة بذراعيه
معزوفة القمر
وكان الحراس يراقبونه وهو يبتعد عنهم... فسأل أحدهم للقائد: ماذا نفعل الآن ياسيدي؟؟ ألا نلحق به؟
رد القائد قائلا: ليس الآن.... فيما بعد
وفي هذه اللحظة... كان الفارس قد انطلق بالفتاة بقارب صغير في عرض البحر
انطلق بالقارب فوق أموج البحر... تحت ضوء القمر... مبتعدا عن بلاده
مبتعدا عن كل شيء
معزوفة القمر
لأنه أدرك أنه كان وحيدا في هذاالكون
وأنه فقط عند هذه اللحظة, رأى إنسانا آخرغيره
لأن جميع الناس الذين كانو يحيطون به ليسو الا أجزاءا منالطبيعة
فقط هو وهي.... ولا أحد غيرهما
فالخوف والقلق عندها كان يغمر قلبه عليها
لأنها لو غابت أو ذهبت عنه فلن يرى بشرا بعدها أبد
فتحقق من حقيقة نفسه
تحقق أنه في حقيقته خادما لها..... وهي في حقيقتها ملكته
تحكمه بخيالها وأحاسيسها
فخلع قلادته التي كانت عليه وقال للفتاة:
الآن أنتي أصبحتي ملكتي... فلهذه المناسبة... أرجو منكي أن تتقبلي هذه القلادة..
فرفعت الفتاة شعره لتسمح للفارس بأن يحيط بالقلادة رقبتها
فقالت له الفتاة مبتسمة: انها جميلة جدا.... و ما أجمل هذا القلب الذهبي المعلق عليها
قال الفارس: انه ليس مجرد قلب معلق...انها ستعزف لكي لحنا جميلا ساحرا اذا فتحتيها
فعندما فتحت الفتاة القلب, رأت عيناها معكوسة في مرآة داخلها.. وبدأت تعزف لحنا
(معزوفة القمر 2)
أدمعت عينا الفتاة في تلك اللحظة
كانت المعزوفة تخاطب قلبها وتدفئه
كانت المعزوفة تـُـحـَـول جميع المعالم المحيطة بها لمشاهد خيالية
فحينما التقى ضوء القمر مع دمعة عينيها....
تلألأ نوره في أعماق دمعتها.
لتتبلور فتصبح كقطعة كريستال رائعة زينت خديها
وأصبح القمر وجها للأمل يحن عليها
وأصبحت أمواج البحر تهز القارب بلطف كما تهز أم حنونة سرير طفلها لينام بسلام
ظلت الفتاة تعيد سماع المعزوفة, لأن في كل مرة كانت تسمعها, كانت تسمع لها احساسا مختلفا
فلم تتوقف الألحان...... لم تتوقف أبدا
(معزوفة الفمر 3)
كانت تحس أنها رحلت إلى عالم جديد كليا
كانت تحس أنها حلقت إلى القمر
ولكن شيئا عجيبا أثار حيرتها
كانت تحس أنها واثقة بأن كل هذا سيحدث لها
كانت تشعر أنها تعرف الملك أركيليس منذ زمن بعيد
بينما كان يشعر الملك أنه أخيرا أحس سر غموضه وحقيقة نفسه
أحس أنه كان ملكا لكي يصبح كفؤا لأن يكون خادما لها
أحس أنه كان فارسا عظيما لكي يكون كفؤا لحمايتها
أحس أنه كان عريض المنكبين وقوي الذراعين لكي يكون كفؤا ليحتوي ويلائم رقة جسدها
معزوفة القمر
__________________
معزوفة القمر
غموضه كظلمة السواد وصفاءه كنضارة البياض
هذا هو إحساس القلب.... هذا هو سحر الخيال
منقووووووووول لروعتههههههههههههها