قصة قصيرة قرأتها بمجموعة قصصية فأحببت أن أنقلها لكم...
ميلاد فكرة
-ماهذا الذي يهز جدران رأسي
-فكرة
-وماذا تريدين
-الخروج
-نعم ..الان..اذا لم أخرج الان فلن أخرج ابدا
-ألاترين أني أتثاءب؟وأني لا أكاد أتماسك؟...أولا تستطيعين انتظارا ...
-الان يجب أن أخرج؟..لا أستطيع انتظارا ...الان يجب ان أخرج..
-ولماذا اخترت لي هذا الوقت الذي أغرق فيه نوما؟؟...
-لست أنا التي أختار لقد تكونت في رأسك كما يتكون الجنين في بطن أمه ونضجت للنزول..
-وكيف لم أشعر بك من قبل؟!..كل ماشعرت به أن رأسي فارغ كالقربة المثقوبة..
-اني أتكون على غير وعي منك...منذ أمد بعيد...والان قد تكونت وحان موعد خروجي..
-خروجك الى أين؟..
-الى الدنيا...الى الورق...انهض أيها الخامل وضعني على الورق وانشرني على الملأ...
- للدنيا يالك من مغرورة!...وماذا يجري للدنيا من خروج مثلك الان؟!..
-من يدري؟...ربما تغير وجهها...وربما ازداد جمالها ..وربما انقلب امرها اخطر انقلاب!...
-بك انت؟!
-نعم ..بي أنا...وليست هذه أول مرة أفعل ذلك...
فهذه الأهرام التي تبصرها من نافذتك انما هي فكرة...وهذه الكهرباء التي تضيء حجرتك كانت فكرة...وهذا الراديو الذي يسمعك صوت العالم هو فكرة..وهذا الفن الذي نعمت به الانسانية لمع فكرة...
بل كل حضارة الادميين على الأرض وليدة فكرة..وكل الفرق بين نوع الانسان وفصائل الحيوان أن الفرد من الانسان يلد الفكرة والفرد من الحيوان لايلد الفكرة...فقم واطرح عنك الكسل وافرح لأن في رأسك فكرة...
-وها أنا وحدي الذي في رأسه فكرة!...أليست هنالك فكرة في كل رأس من رؤوس هؤلاء الملايين من الناس؟...
-نعم ...ولكن قليلا جدا من بينهم من تخرج له فكرة..
-اذن قيمتك أن تخرجي ...
-نعم ..وأعيش..وهذا أقدر أحداث الأرض...واذا كان لك المام بالحساب فتناول قلما وورقا وأنت ترى العجب...ان على الأرض أكثر من ألف مليون شخص...فاذا فرضت أن مليونا واحدا فقط ينتج في كل قرن من الزمان فكرة لكان في العالم مليون فكرة حية في كل مائة سنة...وهذا لايحدث أبدا...فان القرن الذي ينتج عشر فكرات تعيش وتنفع الناس يسمونه عصر النهضة أو العهد الذهبي للبشرية!
-لايكفي اذن أن تخرجي من رأسي...
-لا ..ليس هذا بكاف..ان الأفكار التي تخرج كل يوم من رؤوس المفكرين والشعراء والفنانين والعلماء كثيرة العدد...واليوم-على الخصوص-قد تضاعف محصولها...لان صناعة التفكير قد انقطع لها في العالم عدد وافر من محترفي التفكير ....يملأون الصحف والكتب أفكارا يزعمون كلهم
أنها كونت من زبدة الخلود...وهي في أغلبها لم تصنع الا من شيء كزبدة الفطائر التي تذوب في الأفواه مع قدح الشاي كل صباح!...
-كنت أحسب المهم مجرد خروجك من الرأس...
-المهم هو حياتي بعد ذلك...
-ربما كان المهم أيضا...ليس مجرد حياتك بل طول هذه الحياة...
-صدقت!...فقد أحيا فقط سنة واحدة كما تحيا البدعة أو"الموضة"..وهذا لي أسخف أنواع الحياة!...
-كم سنة تريدين أن تعيشي اذا خرجت من رأسي؟...
-أكثر منك أعواما على كل حال...أضعاف حياتك على الأقل....اني أتمنى أن أراك في التراب وقد نخر عظمك وأنا في تمام صحتي واكتمال روعتي!...
-لعنة الله عليك وعلى أمنياتك!...
-أو لا يسرك أن أعيش بعدك؟...
-بل يسرني أن أعيش أنا بعدك ولو ساعة!...
-وماذا تصنع بعمرك وقد ماتت أفكارك؟...وماطعم حياة الأب الذي فقد أبناءه وعاش الى آخر دهره وحيدا؟!...
-هذا مؤلم حقا مؤلم...وتلك مصيبة من ينجب الأبناء ومادام في امكاني أن أمنع ميلادك...فلماذا لاأفعل؟...ان في خروجك متاعب...
-وفي خروجي أيضا مزايا!...
-ماهي هذه المزايا؟...
-أن تراني مخلوقا تام التكوين يشبهك ويذكرك بعيوبك ويعيش أمامك مراة لطباعك وخزانة لصفاتك وفضائلك واستمرار لوجودك وقد يعجب الناس وينفعهم فيرضى غرورك...
-حقا..غرورنا وحده هو الذي يسمح لمثلك بالخروج...
-ولهذا يحسن بي الانتفاع بهذه الطبيعة فيكم...هيا أخرجني!...
-ولكنك لم تخبريني مامصلحتك أنت في الخروج؟!...
-ماأحمق سؤالك!...أتستطيع أتسأل خلية عن مصلحتها في الحياة!؟...إن الرغبة الشديدة في الحياة ملتصقة بذات وجودنا!...
-أنت اذا موجودة الآن في رأسي؟...
-طبعا...وهأنذى أصيح بك وألح طالبة الخروج إلى الحياة...
-انتظري قليلا حتى أحضر قلما وورقا...
-حذار أن تبطئ...
-ومالضرر؟...
-أحس أنفاسي توشك أن تخمد ونوري يوشك أن يخبو لقد ناقشتني طويلا واستنفذت قواي ونهكتني وأتعبتنب قبل أن أولد...
-يالسوء الحظ!...القلم...نسيت موضعه...أما الورق فلا يوجد الساعة غير هذه الورقة على المائدة...وهي ملفوفة بها الفطائر التي أحضرتها لفطوري...أما وقد ايقظتني من نومي اللذيذ فلا أقل أن أبدأ بالطعام...فلا نفع لرأس ممتلئ إذا كانت المعدة خالية...تجملي بالصبر إذا وانتظري حتى نفرغ من أمر الفم ثم نعنى بأمر العقل وثقي أني سأسرع ولا أجعلك تنتظرين طويلا وأثناء المضع نبحث لك عن القلم الضائع وهأنذا أبحث...وهاهو ذا قلم فوق الخوان لا بأس الآن من إخراجك أيتها الفكرة...هلمي...تكلمي...اخرجي...يللعجب!...مالك؟...ماهذا الصمت؟...ماهذا السكوت؟...أين أنت؟!...أين ثرثرتك التي أيقظتني؟...أيتها الفكرة؟...انطلقي!...لاتوقفي اللقمة في حلقي!...أين أنت؟...هل ذهبت؟...هل مت؟...واأسفاه!...لقد مت قبل أن تولدي...
نعم مامن شك في أنها ماتت في رأسي قبل أن تولد...أتراني أبطأت عليها؟...أتراه ذنبي أم ذنبها...ماعلينا...فلتذهب هي إلى أعماق جهنم!...وأناإلى نهاية الأكل ثم إلى فراش النوم!...ليست هذه أول مرة تصنع بي ماصنعت ولست أنا أول من يحدث له هذا...إنما هي فكرة
تولد وتموت...أو تموت ولاتولد كغيرها من ملايين الأفكار التي تهز رؤوس الملايين من الناس ملايين من المرات في ملايين اللحظات!....
"ارني الله قصص فلسفية لتوفيق الحكيم"
اتمنى أن تعجبكم
ميلاد فكرة
-ماهذا الذي يهز جدران رأسي
-فكرة
-وماذا تريدين
-الخروج
-نعم ..الان..اذا لم أخرج الان فلن أخرج ابدا
-ألاترين أني أتثاءب؟وأني لا أكاد أتماسك؟...أولا تستطيعين انتظارا ...
-الان يجب أن أخرج؟..لا أستطيع انتظارا ...الان يجب ان أخرج..
-ولماذا اخترت لي هذا الوقت الذي أغرق فيه نوما؟؟...
-لست أنا التي أختار لقد تكونت في رأسك كما يتكون الجنين في بطن أمه ونضجت للنزول..
-وكيف لم أشعر بك من قبل؟!..كل ماشعرت به أن رأسي فارغ كالقربة المثقوبة..
-اني أتكون على غير وعي منك...منذ أمد بعيد...والان قد تكونت وحان موعد خروجي..
-خروجك الى أين؟..
-الى الدنيا...الى الورق...انهض أيها الخامل وضعني على الورق وانشرني على الملأ...
- للدنيا يالك من مغرورة!...وماذا يجري للدنيا من خروج مثلك الان؟!..
-من يدري؟...ربما تغير وجهها...وربما ازداد جمالها ..وربما انقلب امرها اخطر انقلاب!...
-بك انت؟!
-نعم ..بي أنا...وليست هذه أول مرة أفعل ذلك...
فهذه الأهرام التي تبصرها من نافذتك انما هي فكرة...وهذه الكهرباء التي تضيء حجرتك كانت فكرة...وهذا الراديو الذي يسمعك صوت العالم هو فكرة..وهذا الفن الذي نعمت به الانسانية لمع فكرة...
بل كل حضارة الادميين على الأرض وليدة فكرة..وكل الفرق بين نوع الانسان وفصائل الحيوان أن الفرد من الانسان يلد الفكرة والفرد من الحيوان لايلد الفكرة...فقم واطرح عنك الكسل وافرح لأن في رأسك فكرة...
-وها أنا وحدي الذي في رأسه فكرة!...أليست هنالك فكرة في كل رأس من رؤوس هؤلاء الملايين من الناس؟...
-نعم ...ولكن قليلا جدا من بينهم من تخرج له فكرة..
-اذن قيمتك أن تخرجي ...
-نعم ..وأعيش..وهذا أقدر أحداث الأرض...واذا كان لك المام بالحساب فتناول قلما وورقا وأنت ترى العجب...ان على الأرض أكثر من ألف مليون شخص...فاذا فرضت أن مليونا واحدا فقط ينتج في كل قرن من الزمان فكرة لكان في العالم مليون فكرة حية في كل مائة سنة...وهذا لايحدث أبدا...فان القرن الذي ينتج عشر فكرات تعيش وتنفع الناس يسمونه عصر النهضة أو العهد الذهبي للبشرية!
-لايكفي اذن أن تخرجي من رأسي...
-لا ..ليس هذا بكاف..ان الأفكار التي تخرج كل يوم من رؤوس المفكرين والشعراء والفنانين والعلماء كثيرة العدد...واليوم-على الخصوص-قد تضاعف محصولها...لان صناعة التفكير قد انقطع لها في العالم عدد وافر من محترفي التفكير ....يملأون الصحف والكتب أفكارا يزعمون كلهم
أنها كونت من زبدة الخلود...وهي في أغلبها لم تصنع الا من شيء كزبدة الفطائر التي تذوب في الأفواه مع قدح الشاي كل صباح!...
-كنت أحسب المهم مجرد خروجك من الرأس...
-المهم هو حياتي بعد ذلك...
-ربما كان المهم أيضا...ليس مجرد حياتك بل طول هذه الحياة...
-صدقت!...فقد أحيا فقط سنة واحدة كما تحيا البدعة أو"الموضة"..وهذا لي أسخف أنواع الحياة!...
-كم سنة تريدين أن تعيشي اذا خرجت من رأسي؟...
-أكثر منك أعواما على كل حال...أضعاف حياتك على الأقل....اني أتمنى أن أراك في التراب وقد نخر عظمك وأنا في تمام صحتي واكتمال روعتي!...
-لعنة الله عليك وعلى أمنياتك!...
-أو لا يسرك أن أعيش بعدك؟...
-بل يسرني أن أعيش أنا بعدك ولو ساعة!...
-وماذا تصنع بعمرك وقد ماتت أفكارك؟...وماطعم حياة الأب الذي فقد أبناءه وعاش الى آخر دهره وحيدا؟!...
-هذا مؤلم حقا مؤلم...وتلك مصيبة من ينجب الأبناء ومادام في امكاني أن أمنع ميلادك...فلماذا لاأفعل؟...ان في خروجك متاعب...
-وفي خروجي أيضا مزايا!...
-ماهي هذه المزايا؟...
-أن تراني مخلوقا تام التكوين يشبهك ويذكرك بعيوبك ويعيش أمامك مراة لطباعك وخزانة لصفاتك وفضائلك واستمرار لوجودك وقد يعجب الناس وينفعهم فيرضى غرورك...
-حقا..غرورنا وحده هو الذي يسمح لمثلك بالخروج...
-ولهذا يحسن بي الانتفاع بهذه الطبيعة فيكم...هيا أخرجني!...
-ولكنك لم تخبريني مامصلحتك أنت في الخروج؟!...
-ماأحمق سؤالك!...أتستطيع أتسأل خلية عن مصلحتها في الحياة!؟...إن الرغبة الشديدة في الحياة ملتصقة بذات وجودنا!...
-أنت اذا موجودة الآن في رأسي؟...
-طبعا...وهأنذى أصيح بك وألح طالبة الخروج إلى الحياة...
-انتظري قليلا حتى أحضر قلما وورقا...
-حذار أن تبطئ...
-ومالضرر؟...
-أحس أنفاسي توشك أن تخمد ونوري يوشك أن يخبو لقد ناقشتني طويلا واستنفذت قواي ونهكتني وأتعبتنب قبل أن أولد...
-يالسوء الحظ!...القلم...نسيت موضعه...أما الورق فلا يوجد الساعة غير هذه الورقة على المائدة...وهي ملفوفة بها الفطائر التي أحضرتها لفطوري...أما وقد ايقظتني من نومي اللذيذ فلا أقل أن أبدأ بالطعام...فلا نفع لرأس ممتلئ إذا كانت المعدة خالية...تجملي بالصبر إذا وانتظري حتى نفرغ من أمر الفم ثم نعنى بأمر العقل وثقي أني سأسرع ولا أجعلك تنتظرين طويلا وأثناء المضع نبحث لك عن القلم الضائع وهأنذا أبحث...وهاهو ذا قلم فوق الخوان لا بأس الآن من إخراجك أيتها الفكرة...هلمي...تكلمي...اخرجي...يللعجب!...مالك؟...ماهذا الصمت؟...ماهذا السكوت؟...أين أنت؟!...أين ثرثرتك التي أيقظتني؟...أيتها الفكرة؟...انطلقي!...لاتوقفي اللقمة في حلقي!...أين أنت؟...هل ذهبت؟...هل مت؟...واأسفاه!...لقد مت قبل أن تولدي...
نعم مامن شك في أنها ماتت في رأسي قبل أن تولد...أتراني أبطأت عليها؟...أتراه ذنبي أم ذنبها...ماعلينا...فلتذهب هي إلى أعماق جهنم!...وأناإلى نهاية الأكل ثم إلى فراش النوم!...ليست هذه أول مرة تصنع بي ماصنعت ولست أنا أول من يحدث له هذا...إنما هي فكرة
تولد وتموت...أو تموت ولاتولد كغيرها من ملايين الأفكار التي تهز رؤوس الملايين من الناس ملايين من المرات في ملايين اللحظات!....
"ارني الله قصص فلسفية لتوفيق الحكيم"
اتمنى أن تعجبكم