"أن وجود كلمةٍ ما في قاموس عربي لا يعني بالضرورة أنها لا بدّ أن تكون عربية"
الدكتور أحمد هبو أستاذ اللغات السامية في جامعة حلب
عندما كنتُ في الصفّ الثاني الإعدادي, سأل أحد الطلاب مُدرِّسة التاريخ, "هل كان أجدادُنا قديماً, يتكلّمون العربية الفصحى؟"
أجابتهُ: نعم, وابتسامة رضا تزيّن محيّاها.
لم أقتنع بهذا الكلام ولم أسلّم به بسهولة, فقد كنت أفكّر بالآلية التي جعلتنا اليوم نصل إلى هذه السويّة اللغوية الرّثة, وكيف تحللّت اللغة إلى هذا الحدّ المؤلم, غيرُ راضٍ بتلك النتائج الجاهزة.
كبرتُ قليلاً, ولانتائجَ بعد, حتى سمعتُ قريباً يقولُ لي ذاتَ مرّة:
"هل تعلم أنّ اللهجة البانياسية, من اللغة العربية الفصيحة؟"
شعرتُ أني أمسكتُ بطرفِ الخيطِ, ومفتاح هذا العالم الذي طالما حلمتُ بولوجهِ, وبدأتُ أقيس على كلامهِ في بحثي, واستقصائي, عن أصل هذه اللهجة, وعن أصول كل اللهجات "العاميّة" التي نتكلمها في سوريا.
وسأوردُ هنا, على شكل حوار بسيط بين اثنين, بعض المفردات من الحديث اليومي بالعامية, حتى أخرج من نمط التصنيف الروتيني لها, ضمن الأحرف الهجائية, وحسب ترتيبها:
- عم قول ليش عم تبحش هالخزانة بحش أتاري بلّش الصيف وبلّشت الكزدرة.
شكلك اليوم مرستق ومزوزق ع الأخير يازلمة, الله أعلم بلكي شايفلك شي شوفة, والله أنت أزعر وحربوق وقدّا وكل علمي أنك طشم وهردبشت أتاريك ما سهل أبداً وخرجك تتبهور أي جخ على حالك جخ لقلك ياعونطجي.
وهي إجو الشباب وناطرينك برّا بقلن أنك عم تتعنطز جوّا؟
- جكارة فيك بطلت أطلع
حديث آخر:
- دخيل هالتنورة ياحلو رد علينا
- زيح من وشي ولا والله بخلي أخوي يشحطك بالشوارع ويجرجرك ع الشرطة وينفصو عنيك
- ولك أنا كرمال مين قاعد عم عكّ طول الوقت ياقمر ماكرمالك ياحلو؟
- والله شكلك بدك رصّ أنت انقلع ولا
كل ما ورد في اللون الأحمر أعلاه, فهو آرامي..
إن هذين الحديثين المختصرين مثلاً, يُبرزان مدى انتشار المفردات الآرامية في "محكيتنا", ومدى استيلائها على لغة الحوار اليومية, بحيث تشكّل أكثر من خمسين بالمئة, من مجمل المفردات التي نتعامل بها.
الحديث طويل جداً, ووُضِعَتْ به, عشراتُ المجلدات التي صنفت إعادة استعمالنا لهذه اللغة, بكلامنا المنطوق, وبأسماء مدننا, وقرانا, وأشهر السنة, والكثير الكثير من أحوالنا الأخرى.
(سيتبع في حلقة قادمة, بعض أسماء المدن والقرى والتي لازالت تسميتها آرامية)
بالإضافة إلى أننا درجنا في لهجتنا المحكية, على تسكين أوائل الكلمات, من مثل: طْلاع لبرّا, وهي في اللحن الفينيقي الآرامي, الذي أثّر حتى على استعمالنا العربية, ومن مثل: سْيّارة أيضاً, وصْغير وكْبير, وهناك المئات من المفردات اليومية, والضمائر, والأفعال والأسماء, لانستطيع عدها كلها في صفحة واحدة, ومثل الأمثال الشعبية المتداولة: (من العبّ للجيبة) فكلمة عبّ مفردة آرامية تعني المكان مابين فتحة الثوب العليا والصّدر, أي هي المكان التي كانت تتناول منه جدّتنا "الخرجية" لتتصدّق بها علينا..
ما لانستطيع تجاوزه, هنا أو هناك, هو مسألة إرثنا للحن الآرامية أيضاً, وتطبيقه على المفردات العربية حتّى, كأن تسمع أهل الصليبة في اللاذقية مثلاً وهم يلحنون الكلام, أو كأن تصغي لأهل حارة البحر والميدان وراس النبع, وبطرايا, والمرقب, وعلقين مثلاً, وتسأل نفسك: إذا كانت مفرداتك نفسها, هي التي يستعملها أهل حيّ ما, فلمَ يختلفون عنك في تجويدها؟
ونقطة أخيرة وددتُ الحديث عنها, قبل أن تطير الفكرة رأسي:
في العربية نقول: بيتُكم, وفي الآرامية بيتْكن, وفي العربية أيضاً مثلاً: عليكم, وفي الآرامية: عليكن.... أي حتى في علامات الجمع.
فما رأيكم دام فضلكم؟ (بالميم طبعاً)
الدكتور أحمد هبو أستاذ اللغات السامية في جامعة حلب
عندما كنتُ في الصفّ الثاني الإعدادي, سأل أحد الطلاب مُدرِّسة التاريخ, "هل كان أجدادُنا قديماً, يتكلّمون العربية الفصحى؟"
أجابتهُ: نعم, وابتسامة رضا تزيّن محيّاها.
لم أقتنع بهذا الكلام ولم أسلّم به بسهولة, فقد كنت أفكّر بالآلية التي جعلتنا اليوم نصل إلى هذه السويّة اللغوية الرّثة, وكيف تحللّت اللغة إلى هذا الحدّ المؤلم, غيرُ راضٍ بتلك النتائج الجاهزة.
كبرتُ قليلاً, ولانتائجَ بعد, حتى سمعتُ قريباً يقولُ لي ذاتَ مرّة:
"هل تعلم أنّ اللهجة البانياسية, من اللغة العربية الفصيحة؟"
شعرتُ أني أمسكتُ بطرفِ الخيطِ, ومفتاح هذا العالم الذي طالما حلمتُ بولوجهِ, وبدأتُ أقيس على كلامهِ في بحثي, واستقصائي, عن أصل هذه اللهجة, وعن أصول كل اللهجات "العاميّة" التي نتكلمها في سوريا.
وسأوردُ هنا, على شكل حوار بسيط بين اثنين, بعض المفردات من الحديث اليومي بالعامية, حتى أخرج من نمط التصنيف الروتيني لها, ضمن الأحرف الهجائية, وحسب ترتيبها:
- عم قول ليش عم تبحش هالخزانة بحش أتاري بلّش الصيف وبلّشت الكزدرة.
شكلك اليوم مرستق ومزوزق ع الأخير يازلمة, الله أعلم بلكي شايفلك شي شوفة, والله أنت أزعر وحربوق وقدّا وكل علمي أنك طشم وهردبشت أتاريك ما سهل أبداً وخرجك تتبهور أي جخ على حالك جخ لقلك ياعونطجي.
وهي إجو الشباب وناطرينك برّا بقلن أنك عم تتعنطز جوّا؟
- جكارة فيك بطلت أطلع
حديث آخر:
- دخيل هالتنورة ياحلو رد علينا
- زيح من وشي ولا والله بخلي أخوي يشحطك بالشوارع ويجرجرك ع الشرطة وينفصو عنيك
- ولك أنا كرمال مين قاعد عم عكّ طول الوقت ياقمر ماكرمالك ياحلو؟
- والله شكلك بدك رصّ أنت انقلع ولا
كل ما ورد في اللون الأحمر أعلاه, فهو آرامي..
إن هذين الحديثين المختصرين مثلاً, يُبرزان مدى انتشار المفردات الآرامية في "محكيتنا", ومدى استيلائها على لغة الحوار اليومية, بحيث تشكّل أكثر من خمسين بالمئة, من مجمل المفردات التي نتعامل بها.
الحديث طويل جداً, ووُضِعَتْ به, عشراتُ المجلدات التي صنفت إعادة استعمالنا لهذه اللغة, بكلامنا المنطوق, وبأسماء مدننا, وقرانا, وأشهر السنة, والكثير الكثير من أحوالنا الأخرى.
(سيتبع في حلقة قادمة, بعض أسماء المدن والقرى والتي لازالت تسميتها آرامية)
بالإضافة إلى أننا درجنا في لهجتنا المحكية, على تسكين أوائل الكلمات, من مثل: طْلاع لبرّا, وهي في اللحن الفينيقي الآرامي, الذي أثّر حتى على استعمالنا العربية, ومن مثل: سْيّارة أيضاً, وصْغير وكْبير, وهناك المئات من المفردات اليومية, والضمائر, والأفعال والأسماء, لانستطيع عدها كلها في صفحة واحدة, ومثل الأمثال الشعبية المتداولة: (من العبّ للجيبة) فكلمة عبّ مفردة آرامية تعني المكان مابين فتحة الثوب العليا والصّدر, أي هي المكان التي كانت تتناول منه جدّتنا "الخرجية" لتتصدّق بها علينا..
ما لانستطيع تجاوزه, هنا أو هناك, هو مسألة إرثنا للحن الآرامية أيضاً, وتطبيقه على المفردات العربية حتّى, كأن تسمع أهل الصليبة في اللاذقية مثلاً وهم يلحنون الكلام, أو كأن تصغي لأهل حارة البحر والميدان وراس النبع, وبطرايا, والمرقب, وعلقين مثلاً, وتسأل نفسك: إذا كانت مفرداتك نفسها, هي التي يستعملها أهل حيّ ما, فلمَ يختلفون عنك في تجويدها؟
ونقطة أخيرة وددتُ الحديث عنها, قبل أن تطير الفكرة رأسي:
في العربية نقول: بيتُكم, وفي الآرامية بيتْكن, وفي العربية أيضاً مثلاً: عليكم, وفي الآرامية: عليكن.... أي حتى في علامات الجمع.
فما رأيكم دام فضلكم؟ (بالميم طبعاً)