العنف وسيلة الإنسان المقهور لحل مأزقه الوجودي ولإفراغ توتره النفسي المتراكم لديه, والقضاء على خطر الغليان الداخلي من خلال تصريف حقده, هو السلاح الأخير لإعادة شي من الاعتبار المفقود للذات.
هذا ما حاولت الباحثة ميديا محمود إلقاء الضوء عليه من خلال تحليلها لأسباب ومظاهر العنف ضد المرأة في كتابها المعنون بـ"(العنف ضد المرأة- أسبابه- مظاهره- إشكاله- نتائجه- "المرأة الكردية نموذجاً")", فقد اعتمدت في طرحها على تحليل الأسباب النفسية التي تدفع الإنسان المقهور لتحويل غضبه وحقده إلى الطرف الأضعف والذي غالباً ما يكون المرأة أو الأطفال.
ومن خلال عرضها لتطور العنف ضد المرأة عبر المراحل التاريخية أكدت اختلاف نوع العنف الذي تتعرض له المرأة اليوم عن ما كان عليه سابقاً, ففي الوقت الذي كان يأخذ الشكل الجسدي بدأ اليوم باتخاذ إشكال أكثر تنوعاً وخطورة بما يناسب التطور المعرفي, فنمط العنف السائد حالياً هو العنف المبطن القائم على تبخيس قيمة المرأة واستلابها اقتصادياً وفكرياً وجسدياً من خلال إحباطها وزعزعة ثقتها بنفسها عبر مراحل حياتها كافة, فكونها أنثى يكفي لتعرضها للعنف وارتباط حياتها بقرارات ذكور عائلتها, فهي لا تتعدى كونها ملكية خاصة بالعائلة تنتقل وصايتها من الأب والأخ إلى الزوج بعد زواجها.
شرفها مرتبط بعفافها الجنسي فإذا فكرت بخرق قوانين العائلة سرعان ما يبادر أحدى الذكور إما لضربها بهدف إعادتها إلى سلطة العائلة أو بقتلها إذا اقتضى الأمر لتكون عبرة لغيرها من نساء العائلة, وجريمة الشرف بمأساويتها تعبر عن ضعف الرجل وركاكة تكوينه النفسي فهو فارغ من الداخل ويحاول الظهور بمظهر القوي الراسخ من خلال ممارساته العنيفة.
كما إن حياة المرأة تبقى عرضة للتساؤلات من قبل الغرباء والمقربين, فإذا تزوجت ولم تنجب وإذا طلقت أو رملت أو..., حتى وإن حملت لقب أستاذة أو قاضية أو طبيبة فإن هذا لا يحميها من سلطة ذكور عائلتها ولا يخلصها من وصمة المجتمع لها "عانس" في حال قررت البقاء بدون زواج.
وإذا ما تفوقت المرأة فأن هذا كفيل بسحب صفة الأنوثة منها, فالأنوثة تعني الضعف والعجز وما إن تتفوق المرأة حتى يطلق عليها المجتمع صفة "مسترجلة" باعتبار أن التفوق صفة ذكورية.
أما من الناحية الاقتصادية فإن المرأة تتعرض للعنف والاستلاب الاقتصادي فهي محرومة من الكثير من فرص العمل والارتقاء الوظيفي, إضافة إلى تبخيس قيمة عملها وإعطاءها أجر اقل مما تستحق في اغلب الأحيان.
ليس هذا فحسب بل إن العنف السلطوي الموجه ضد المرأة يعتبر من أكثر أنواع العنف قوة وقهراً: الطلاق التعسفي وما يتركه من أثار نفسية عند المرأة, ومن جرح وامتهان لكرامتها, فهي تعيش حياتها بقلق في كل لحظة خشية أن يتخذ زوجها قرار الطلاق, إضافة إلى إعطاء القانون سلطة لولي الأمر بتزويج ابنته الصغيرة وما ينطوي على ذلك من استلاب لحقها في الحياة وتقرير مصيرها, فولي الأمر بسلطته القانونية قادر على تزويج الفتاة ممن يريد ورفض تزويجها إذا لم يناسبه المهر مثلاً, وبالتالي يتم اختصار المرأة إلى مجرد جسد يباع ويشترى.
أما فيما يتعلق بأسباب العنف فقد ذهبت فقد ذهبت الباحثة في عرضها إلى عدة عوامل تشكل الأسباب الحقيقية لوقوع العنف واستمراره ضد المرأة, فالفلسفات التي تقوم عليها الأديان بمجملها ترسخ فكرة دونية المرأة وارتباطها بالإثم والخطيئة, هذا وان الوضع الاقتصادي والسياسي والفكري السائد في المجتمع والطرق المتبعة في التربية والتي تقوم على أساس تمييز البنبن عن البنات "فالصبي يربى على الاستقلالية بينما البنت تفرض عليها القيود منذ بداية حياتها" إضافة إلى ما يتلقاه الأطفال من مثيرات ترسخ مفاهيم العنف ضد المرأة. كل هذا وعوامل أخرى كثيرة تشكل الأساس الذي يقوم عليه العنف ضد المرأة. أما فيما يتعلق بالآثار التي يتركها العنف على المرأة والأسرة فهي كثيرة تتراوح بين الآثار الجسدية والاضطرابات النفسية كالاكتئاب والعصاب... والمحاولات الانتحارية.
من جهة أخرى أكد الكتاب أن العبء الأكبر في تخلص المرأة من العنف يقع على عاتقها. وكل ما يتم إصداره من قرارات واتفاقيات لن تثمر ما لم تتحرر المرأة من ضعفها وخوفها وتماهيها مع المعتدي وتبني أفكاره وقوانينه.
هذا ما جاء عرضه من أفكار في كتاب (العنف ضد المرأة- أسبابه- مظاهره- إشكاله- نتائجه- "المرأة الكردية نموذجاً").