نارٌ مرتجفة، والبرد يُسكب من جبلٍ جليدي لا مرئي في ليل صحراءٍ نهارُها جهنّم. انبثقَ فجأةً عويلٌ شقّ السكون الأسود، ليخرج من الخيمةِ صائحاً.
ضحكت البدويّة العجوز المحنّكة بأمور القبالة قائلة:"حسناً فعل، هذا الأبُ النافد الصبر"، مركّزةً النظر على الصبيّة المتوجّعة. كان الوشْمُ الكحليّ على ذقنها يستطيل ويقصر مع كلّ آهة.
علا صوت بكائه أخيراً، وسرّت العجوز سروراً خاصّاً إذ رأت عضوه الصغير، بعد أن خافت مراراً إثر همود الإشارات وتتابعِ السكنات من كون المولود أنثى!!
"أين أنت!؟ تعالَ احمل ابنك يا عديم الصبر، وأحسن تربيته، ها!!"
نظر إلى كتلة اللّحم الهائجة بِلوعة! لم تخبُرْ سنيه العشرين تصرّف الأبوّة بعد. أمّا الصبيّة المتخافتةِ النشيج فكانت مرتبكةً أيضاً، لكنّها أخذت الوليدَ بوهنٍ، ووضعت ثغره الضاج على نهدها.
"الأطفال في الصحراء يكبرون سريعاً، لذا أعطه العصا ليرعى القطيع ولا تخَفْ". هكذا صرّحت الدّاية العجوز للوالد الذي تراكمت عليه الأعباء، فأرسل الصبيَّ النحيلَ مع القطيع نحوَ المدن المُعشَوشبة على تخوم الصحراء، بعد أن كاد بخل السماء يودي بما تبقّى من الخراف.
وعند المساء، عاد الصبيّ مع نعجتين وخروف فقط من قطيعٍ أربى على العشرين رأساً!! فطار صواب الأبِ، وطارت الأمُّ للذّود عن الّلحم الغض، فنالها معه ما ناله: ضربات عصا، ولسعات حزام.
تربّع على الرّمل يبكي بحرقة، بينما تكوّمت الفتاة وصغيرها في زاوية الخيمة مبللان بالدموع، ليعلو عويلٌ آخر جرّح سكون الليل.
هرعت الدّاية العجوز بقلبٍ تفطّرَ على حالِ العائلة اليافعة، وبيدها الموشومة ضربت كتفَ الشاب ناهرةً إيّاه عن البكاء أمام زوجه وابنه، اللذان سارعت نحوهما ملاطفةً ممازحة، فبعثت الحياة لابتسامتين نديّتين.
"عليك بوشْمِ القطيع في المرّة المقبلة، فلا يختلط بقطعان الآخرين، وتُريني السّماء أن يكون الوشم هكذا_رسمت مثلثاً على الرمل_ كي يعود القطيع سالماً. خذ هذي الحِلي من يدي، فثمنها كفيلٌ بشراء ما فقدْت".
وفي غمرة انهماكه بوشم القطيع الجديد، حانت منه التفاتةٌ إلى ابنه لتُنفِذَ في أعماقه وخزاً موجعاً التمعت له عَبرتان أوشكتا الفرار، لولا أن حبسهما بجزع الرجولة. ناداه إليه وتأمّله مليّاً... كان رقّةً سمراء تحمل عيني أمّه. فخاف فوق تقريع الضمير، أن يعود القطيع دون فتاه هذه المرّة. وأعمل الفكر في كلامِ العجوز الذي يجلّها ويخضع لرأيها المستقَى من السّماء، وكما سيضمن وشمُها عودة القطيع فإنّه...
لم يُطل التفكير كثيراً... أمسكَ رأس ابنه ورسم على ليل الشعرِ وشمَ العجوز.
ضحكت البدويّة العجوز المحنّكة بأمور القبالة قائلة:"حسناً فعل، هذا الأبُ النافد الصبر"، مركّزةً النظر على الصبيّة المتوجّعة. كان الوشْمُ الكحليّ على ذقنها يستطيل ويقصر مع كلّ آهة.
علا صوت بكائه أخيراً، وسرّت العجوز سروراً خاصّاً إذ رأت عضوه الصغير، بعد أن خافت مراراً إثر همود الإشارات وتتابعِ السكنات من كون المولود أنثى!!
"أين أنت!؟ تعالَ احمل ابنك يا عديم الصبر، وأحسن تربيته، ها!!"
نظر إلى كتلة اللّحم الهائجة بِلوعة! لم تخبُرْ سنيه العشرين تصرّف الأبوّة بعد. أمّا الصبيّة المتخافتةِ النشيج فكانت مرتبكةً أيضاً، لكنّها أخذت الوليدَ بوهنٍ، ووضعت ثغره الضاج على نهدها.
"الأطفال في الصحراء يكبرون سريعاً، لذا أعطه العصا ليرعى القطيع ولا تخَفْ". هكذا صرّحت الدّاية العجوز للوالد الذي تراكمت عليه الأعباء، فأرسل الصبيَّ النحيلَ مع القطيع نحوَ المدن المُعشَوشبة على تخوم الصحراء، بعد أن كاد بخل السماء يودي بما تبقّى من الخراف.
وعند المساء، عاد الصبيّ مع نعجتين وخروف فقط من قطيعٍ أربى على العشرين رأساً!! فطار صواب الأبِ، وطارت الأمُّ للذّود عن الّلحم الغض، فنالها معه ما ناله: ضربات عصا، ولسعات حزام.
تربّع على الرّمل يبكي بحرقة، بينما تكوّمت الفتاة وصغيرها في زاوية الخيمة مبللان بالدموع، ليعلو عويلٌ آخر جرّح سكون الليل.
هرعت الدّاية العجوز بقلبٍ تفطّرَ على حالِ العائلة اليافعة، وبيدها الموشومة ضربت كتفَ الشاب ناهرةً إيّاه عن البكاء أمام زوجه وابنه، اللذان سارعت نحوهما ملاطفةً ممازحة، فبعثت الحياة لابتسامتين نديّتين.
"عليك بوشْمِ القطيع في المرّة المقبلة، فلا يختلط بقطعان الآخرين، وتُريني السّماء أن يكون الوشم هكذا_رسمت مثلثاً على الرمل_ كي يعود القطيع سالماً. خذ هذي الحِلي من يدي، فثمنها كفيلٌ بشراء ما فقدْت".
وفي غمرة انهماكه بوشم القطيع الجديد، حانت منه التفاتةٌ إلى ابنه لتُنفِذَ في أعماقه وخزاً موجعاً التمعت له عَبرتان أوشكتا الفرار، لولا أن حبسهما بجزع الرجولة. ناداه إليه وتأمّله مليّاً... كان رقّةً سمراء تحمل عيني أمّه. فخاف فوق تقريع الضمير، أن يعود القطيع دون فتاه هذه المرّة. وأعمل الفكر في كلامِ العجوز الذي يجلّها ويخضع لرأيها المستقَى من السّماء، وكما سيضمن وشمُها عودة القطيع فإنّه...
لم يُطل التفكير كثيراً... أمسكَ رأس ابنه ورسم على ليل الشعرِ وشمَ العجوز.