حقيقة أحداث يوم الجمعة 18/3/2011م في بانياس الساحل
كغيرها من أيام الجمعة وبعد الصلاة جلسنا لشرب كوب الشاي (الخمير) الذي تعودناه من تحت يدي (أبو حيدر) في مقهى البحر (الجندي) وكنا ثلاثة أنا وإياس والمختار منصور الأمير
وأثناء حوارنا الشيق عن معرض السيد منصور الأمير (بانياس بين الماضي والحاضر) في المركز الثقافي, والخطوات التي يجب أن تكون بعد ذلك لتساعد على إطالة عمر المعرض وتحصيل أكبر فائدة منه لبانياس وأهاليها وتعويض التكاليف وربما تحقيق الأرباح للسيد منصور بعد ذلك العناء والجهد المتواصل لجعل ذلك المعرض حقيقة ملموسة وليس مجرد طموح, كانت الخطوة التالية بأن نقوم بزيارة لدكان يمتلكها في الخان المجانب لقصر ياسين للإطلاع عليه إحقاقا لفكرة تأسيس نادي راقي لأهالي بانياس بإسم الموقع والمنتدى, وفيما نحن في كل ذلك جاءه اتصال هاتفي يخبره بوجود مظاهرة في ساحة الدوار عند البلدية.
في اللحظة الأولى تعاملنا مع الأمر ببرودة إلا أن حرارة الحدث بدأت تدريجياً تحرك الدماء في عروقي فدعوتهم للذهاب والإطلاع على ما يجري من باب الفضول, وانطلقنا إلى موقع الحدث .. ويا له من حدث!
إنها مظاهرة حقيقية! هناك أعداد بالمئات من المواطنين! وهناك هتافات عديدة تطالب بالحرية!
الله .. سوريا .. حرية وبس
الشعب يريد إصلاح النظام
لا علوية ولا سنية كلنا بدنا الحرية
الشعب يريد إصلاح النظام
لا علوية ولا سنية كلنا بدنا الحرية
هل فعلاً نحن في "بانياس ترحب بكم"؟
بدأ الأمور سلمية جداً وقتها واستمرت كذلك مع توعية الكبار بوجوب المحافظة على الشعارات الوطنية وتجنب المشاحنات ولكن الانفعالات والشحن المتزايد زاد الأمور سوءاً في بعض المواقف
عناصر أمنيين في سيارة للشرطة لا أدري من أين دخلت بين الجموع – ربما سيارة قائد المنطقة - وبدأ بعض المراهقين القفز فوقها حتى كادوا يطبقونها على من فيها وباقي الجماهير تحاول تهدئتهم وفي مقدمتهم قائد المنطقة الذي كان بجانبنا على جسر المشاة .. تداركوا الوضع وخرجت السيارة بقدرة قدير سليمة من بينهم مع بعض التطعيجات.
أحد المواطنين يحاول سحب أخ له من الجموع فيعتقد البعض أنه عنصر أمني يحاول اعتقال أحد المتظاهرين فتقوم الدنيا ولا تقعد عليه وتبدأ الصيحات "اعتقلوا واحد منا" ويبدأ الغالبية في الجري وراء الحدث بإتجاه مركز الشرطة والكراجات وعندما وصلنا إلى هناك وجدنا من يحطم السيارات على ركابها ومن يحطم "الفيشة" وعونطجية آخرون بكل هدوء يمشون وبكل ثقة من مكان لآخر في الكراج يحملون حجارة وقضبان وجنازير ويعيثون في الكراج تحطيماً مستغلين الثغرة الأمنية والنتيجة صدمة حقيقية على وجوه المشاركين بالتظاهر الذين تفتاجئوا بالتخريب وأكدوا انهم لم يأتوا لهذا وتفرقنا باتجاهات مختلفة بعد ذلك مباشرة ليعود البعض إلى مشاغلهم وآخرون التفوا من الجهة الأخرى باتجاه ساحة المظاهرة وأنا بدوري أكملت طريقي عبر الكورنيش إلى مقهى البحر لابقى مع الأصدقاء حوالي نصف ساعة.
بعد ذلك عدت لاستطلع الوضع وأرى الحشود تتزايد وتنتظم بحضور مكثف من الأمن والشرطة وبوجود قائد المنطقة والأمن والكثير من القيادات وكان وقتها حاضراً بين الجموع الشيخ أنس الذي حاول طمأنة الجموع أن مطالبهم ستتحقق حتى الجمعة القادمة وأنه لن يتم اعتقال أحد منهم وأن ذلك بشهادة قائد الأمن الذي أشار إليه بيده فأكد على ذلك إلا أن الجموع قالت للأخير رداً على تأكيده لهم أمام الشيخ أنس وبصوت قوي وجماعي (كذاب – كذاب – كذاب) ورفضوا الذهاب وترك الساحة وتكررت المحاولة من الشيخ أنس دون جدوى.
بعضها ذهب الشيخ أنس في حاله مع بعض المشايخ وكبار البلد وحدث أن أخرج أحد أفراد المتابعة المسدس واسمه (ياسر.ع) فما كان من الجمهور إلا أن أوسعه ضرباً وبدأ يجري هرباً من الجماهير التي هاجمته, عندها حاول قائد المنطقة تهدئة المواطنين وسؤالهم عن مطالبهم فبدأت المطالب التي لم تجد من يوقفها من فواتير الكهرباء إلى البطالة وغلاء الأسعار والاضطهاد الفكري, وأصبحت تناقش في حلقات كحلقات الدبكة الشعبية في تقاليدنا كظاهرة فريدة من نوعها كان أهمها حلقة بين بعض المشايخ الذين حضروا لتهدئة الجماهير الغاضبة فسمعوا من أحد أصحاب الشكاوي مالا يطيقون من قلة الاحترام لهم وللمسئولين في الحزب والدولة ممن يحادثون, حتى الأخرس الذي يبيع الخبز في الدوار بدأ يشتكي إلى الحاضرين في تلك الحلقة وغيرها.
بقيت الأمور على غليانها في جوقات شبابية وغيرها حتى قدوم الشيخ أنس مع بعض الكبار ليتحدث إلى الجماهير من ميكروفون مضخم قام بتجهيزه بعض المشاركين على "الكولبة" الموجودة على طرف ساحة البلدية بجانب درج جسر المشاة وكانت البشرى أنه جهز قائمة بمطالبهم ويرجو منهم توسيع الطريق ليذهب بها إلى مقر أمن الدولة ويرى إمكانية تلبيتها من قبلهم ثم يطرحها على الجماهير, وهذا ما حصل فعلاً ولكن انطلق الممثلون بقيادة الشيخ أنس إلى مبنى "أمن الدولة" بمرافقة الجماهير الحاشدة التي أبت إلا أن تكون حاضرة.
وصلنا إلى مبنى الأمن الشهير ودخل الشيخ أنس مع بعض المرافقة, وأثناء ذلك قمت مع آخرين بحماية سيارة خاصة أمام المبنى من التخريب, وعمل البعض مشكورين على ضمان إسكات الأصوات التي تسعى للقيام بتجاوزات على السلوك العام, وبعد حوالي نصف ساعة خرج الشيخ أنس ليتلوا على الحشود المطالب التالية والتي تعهد له بتلبيتها خلال أسبوع كمطالب أهل سوريا وليس أهل بانياس تخصيصاً وهي:
1. إلغاء الاختلاط في المدارس
2. إعادة المنقبات اللواتي تم نقلهن
3. الإفراج عن المعتقلين
4. إقالة رئيس ميناء بانياس
5. مراقبة فواتير الكهرباء
6. إلغاء قانون الطوارئ
7. تامين فرص عمل
8. حرية الرأي والتعبير
9. عدم اعتقال أي متظاهر
10. الحد من الفساد والرشوة
11. إعادة المهجرين
12. ؟
تضاربت المعلومات لدينا عن عدد البنود ومحتواها الواضح لكن بلا شك أن مطلب (إلغاء الاختلاط) و (فواتير الكهرباء) و (إقالة رئيس الميناء) هي الأكثر تكراراً وصدى على مسامعي خلال تلك الفترة.
بعد ذلك وأثناء توجه الجموع إلى الدوار لإنهاء المظاهرة دخل رئيس مجلس المدينة وانضم إلى الشيخ أنس إلا أن جموع الغاضبين وجهت له الإساءات مما اضطره لتجنب الحشد والخروج منعاً لتفاقم الموقف, ولا أدري ما الذي دفعه ليضع نفسه في موقف كهذا لم أتمناه له يوماً.
ووصلنا إلى "ساحة الإصلاح" ولم تفلح محاولات الشيخ أنس ومن معه بفض الجماهير التي أصرت على إقامة صلاة العصر في الساحة وكان لها ذلك وتطهرت جبهاتنا بأرض ذلك الشارع وبعد ذلك مباشرة انفضت الجموع وكنت أحد المباشرين فوراً بالتفرق تشجيعاً على ذلك وضماناً لنجاح ذلك المسعى وبالتالي نجاح المطالب.
لم أرفع صوتي أبداً بأي هتافات خلال كل تلك التظاهرة ضماناً للتركيز الكامل وعدم التأثير, لكنني ساعدت مع الكثير بحماية البلد من أي عمليات تخريب حفاظاً على سلمية المظاهرة, والتزمت موقف المراقب لكل تلك الأحداث, لأن غايتي أصلاً كانت أن أكون شاهد عيان لا أكثر, فأنا بطبعي وبكل صراحة لا أستطيع التعايش مع فكرة الذنب فيما لا سمح الله لو تضاعفت الأحداث للتخريب المنظم وانتشرت الفتنة والتفرقة, لكن عندما يكون الأمر واقعاً مفروضاً يبقى علينا العمل على حفظ التوازن وبذل الجهد الممكن للحفاظ على السلم الأهلي وضمان حقوق المطالبين بها.
شكراً لكل من ساهمنا معه في تجنب أعمال التخريب وضمان سلمية المظاهرة
شكراً للمسئولين ورجال الشرطة والأمن الذين تعاملوا بمسؤولية كبيرة رغم كل ما تعرضوا له