هناك أربعة أسئلة حول المجابهة بين وسائل الاعلام العربي ووسائل الاعلام الغربي، وهي:
1- هل ما زال الغرب ينظر الى العالم العربي من خلال منظور مشوّه؟
2- هل ما زال الاعلام العربي ينظر الى الاعلام الغربي نظرة تشكك؟
3- الى اي حد يختلف الموقفان العربي والغربي في حقل الاعلام؟
4- كيف يمكن تجاوز الاختلاف بين الموقف الغربي والموقف العربي؟
بالنسبة الى السؤال الاول الجواب واضح، فالغرب ينظر الى العرب الآن نظرة اكثر تشوهاً وانحرافاً من أي وقت مضى. ويعود ذلك الى سياسته وعصيبة جورج بوش في البيت الابيض، لفرض نظرية الحرب ضد الارهاب العنصرية الاتجاه.
وعلى رغم ان اوروبا تشكل قلب ما ندعوه بالغرب، فقد رفضت السير مع نظرية بوش حول الارهاب العالمي، لكنها لم ترفض الحملة التي تشنها ادارة بوش ضد العرب والاسلام، والتي ترمي الى السيطرة على بلدان عربية واسلامية متهمة اياها برعاية الارهاب.
لذلك يمكن القول إن الغرب دخل مرحلة جديدة من التفرقة العنصرية والتفوق الإثني ضد العرب والمسلمين.
ما يزعج القارئ او المشاهد العربي في الأكثر هو الجهل الغربي الكامل للإسلام والثقافة العربية والتاريخ العربي والاسلامي.
لكن السبب الاساسي في تشوه نظرة الغرب الى العرب والاسلام هو عامل القوة واستمرار العلاقة الامبريالية بين غرب متقدم ثقافياً ومهيمن عسكرياً، وبين عالم عربي متشرذم ومتخلف، ولا يملك القدرة على تحقيق مصالحه الاساسية والدفاع عن أمنه.
- هل هناك تشكك عربي في نيات الاعلام الغربي نحو العرب والاسلام؟
بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)، اصبح تعامل الغرب مع العرب والمسلمين (فردياً وجماعياً) من خلال مفهوم الحرب ضد الارهـاب. ولـم تحاول وسائل الاعلام الكبرى اصلاح هذا المفهوم الخاطئ، بلفت النظر الى القضايا الاساسية السياسية والاقتصادية التي تشـوه علاقـات العرب بالغرب، بل على العكس، انصرفت الى التركيز على "الارهـاب" في الشكل الذي رسمته ادارة بوش والقوى الموالية لاسرائيل في الحكومة الاميركية، وخصوصاً بإظهار المقاومة الفلسطينية كحركة ارهابية، لا حركة تحرير، وانتقلت بعد ذلك لتطبيق الصفات ذاتها على حركات المقاومة والمعارضة في العالمين العربي والاسلامي ككل.
- حتى زمن قصير، لم يكـن هنـاك إلا وجهة نظر واحـدة فـي تقديـم الأخبار العربية والعالمية، وهي وجهة النظر الغربية (الأميركية والأوروبية). لكن منذ ان قامت صحافة عربية مغتربة في لندن وباريس في الثمانينات وبرزت الفضائيات في التسعينات، تغيرت الأمور، فمنذ ذلك الحين اصبحت الاخبار العربية والعالمية تقدم وتصاغ من وجهة نظر عربية، وتحلل باللغة العربية من محللين سياسيين عرب.
لم يعد المشاهد العربي يعتمد على مصادر الاخبار الغربية، بل اصبح في متناوله صحف وجرائد مثل "الحياة" و"القدس العربي" و"الخليج" وغيرها... ومن قنوات التلفزيون "الجزيرة" و"أبو ظبي" و"العربية" والـLBC و"المنار" وغيرها من الفضائيات الكبرى. وللمرة الاولى اصبحت وجهة النظر العربية هي المهيمنة في تقديم الاخبار العربية والعالمية وصوغها.
ومع هذه التطورات ازداد التباين والاختلاف بين وجهتي النظر العربية والغربية، وأصبح ممكناً رفع شعار "الرأي والرأي الآخر".
- وأخيراً السؤال الاساسي: ما هي امكانات التفاهم والمصالحة بين الموقف الغربي والموقف العربي/ الاسلامي في هذه المرحلة، "مرحلة الارهاب"؟
في الاجابة على هذا السؤال لن أتناول موقف رجل الشارع الغربي، بل سأركز على موقف المتنورين أي الاكاديميين والمثقفين الغربيين عموماً.
لقد تمكن العديد من هؤلاء من تجاوز النظرة المشوهة والمواقف العنصرية الغربية إزاء العرب والعالم الاسلامي، وتمكنوا من عبور الهوة التي تفصل بين العرب والغرب، لكنهم لا يزالون اقلية صغيرة. والواقع ان اكثرية الفئات الليبرالية في أميركا وأوروبا، حتى لو كان موقفها متفهماً ومسانداً للعرب والمسلمين، تتخذ عادة مواقف "محايدة" إزاء القضايا العربية الاساسية، مثلاً فلسطين والعراق.
أذكر بأسى وحزن تردد الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر بعد زيارته لفلسطين 1967 في إدانة اسرائيل لغزوها الاراضي الفلسطينية والعربية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. كان يود ان يحافظ على موقفه "المحايد" غير الملتزم.
وأذكر كذلك زيارة الفيلسوف الألماني يورغن هبرماس الى مصر في الثمانينات، ومحاضرته في القاهرة التي نشرت بالانكليزية في مجلة الاهرام والتي تناول فيها قضايا فلسفية عويصة لا علاقة لها بالأحداث المأسوية في الشرق الاوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي. وفي آخر التسعينات قام الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا برحلة مماثلة الى مصر، وألقى محاضرة تميزت بالغموض الكامل، ولم يأتِ ايضاً على ذكر فلسطين ولم يلمِّح للاحتلال الاسرائيلي.
ما المطلوب اذاً لتمكين المثقفين الغربيين من تجاوز مواقفهم "المحايدة" والبوح بكلمة الحق واتخاذ مواقف واضحة وشجاعة إزاء القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي؟ كيف يمكن الليبراليون المطلعون على حقيقة ما يجرى على ارض الواقع في فلسطين والعالم العربي والاسلامي والعراق التوصل مثلاً الى المستوى الاخلاقي الذي وصل اليه المراسل البريطاني روبرت فيسك في تحقيقاته الصحافية، وموقف تيسير علوني في تغطياته التلفزيونية للأحداث المأسوية في افغانستان والعراق؟
من الواضح اليوم ان امكان المصالحة الحقيقية بين العالمين العربي والغربي ضئيلة جداً، وتحقيقها يتطلب اكثر من حوار الحضارات. لذا من المتوقع استمرار تزايد نقمة الشعوب العربية وغضبها ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية الدائرة بفلكها، وان يستمر الصراع الدموي في فلسطين والعراق، الى ان يوضع حد للارهاب الدولي الذي تمثله اميركا واسرائيل. ووضع حد للارهاب الدولي لن يتم إلا اذا قرر الشعب الاميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة اخراج جورج بوش من منصبه وإقامة نظام اميركي جديد يقوم على الدستور والقانون الدولي والقيم الديموقراطية وحقوق الانسان. هذا إذا حصل سيعيد الأمل في بداية جديدة في أميركا وفي العالم أجمع.
((منقول بتصرف))
1- هل ما زال الغرب ينظر الى العالم العربي من خلال منظور مشوّه؟
2- هل ما زال الاعلام العربي ينظر الى الاعلام الغربي نظرة تشكك؟
3- الى اي حد يختلف الموقفان العربي والغربي في حقل الاعلام؟
4- كيف يمكن تجاوز الاختلاف بين الموقف الغربي والموقف العربي؟
بالنسبة الى السؤال الاول الجواب واضح، فالغرب ينظر الى العرب الآن نظرة اكثر تشوهاً وانحرافاً من أي وقت مضى. ويعود ذلك الى سياسته وعصيبة جورج بوش في البيت الابيض، لفرض نظرية الحرب ضد الارهاب العنصرية الاتجاه.
وعلى رغم ان اوروبا تشكل قلب ما ندعوه بالغرب، فقد رفضت السير مع نظرية بوش حول الارهاب العالمي، لكنها لم ترفض الحملة التي تشنها ادارة بوش ضد العرب والاسلام، والتي ترمي الى السيطرة على بلدان عربية واسلامية متهمة اياها برعاية الارهاب.
لذلك يمكن القول إن الغرب دخل مرحلة جديدة من التفرقة العنصرية والتفوق الإثني ضد العرب والمسلمين.
ما يزعج القارئ او المشاهد العربي في الأكثر هو الجهل الغربي الكامل للإسلام والثقافة العربية والتاريخ العربي والاسلامي.
لكن السبب الاساسي في تشوه نظرة الغرب الى العرب والاسلام هو عامل القوة واستمرار العلاقة الامبريالية بين غرب متقدم ثقافياً ومهيمن عسكرياً، وبين عالم عربي متشرذم ومتخلف، ولا يملك القدرة على تحقيق مصالحه الاساسية والدفاع عن أمنه.
- هل هناك تشكك عربي في نيات الاعلام الغربي نحو العرب والاسلام؟
بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)، اصبح تعامل الغرب مع العرب والمسلمين (فردياً وجماعياً) من خلال مفهوم الحرب ضد الارهـاب. ولـم تحاول وسائل الاعلام الكبرى اصلاح هذا المفهوم الخاطئ، بلفت النظر الى القضايا الاساسية السياسية والاقتصادية التي تشـوه علاقـات العرب بالغرب، بل على العكس، انصرفت الى التركيز على "الارهـاب" في الشكل الذي رسمته ادارة بوش والقوى الموالية لاسرائيل في الحكومة الاميركية، وخصوصاً بإظهار المقاومة الفلسطينية كحركة ارهابية، لا حركة تحرير، وانتقلت بعد ذلك لتطبيق الصفات ذاتها على حركات المقاومة والمعارضة في العالمين العربي والاسلامي ككل.
- حتى زمن قصير، لم يكـن هنـاك إلا وجهة نظر واحـدة فـي تقديـم الأخبار العربية والعالمية، وهي وجهة النظر الغربية (الأميركية والأوروبية). لكن منذ ان قامت صحافة عربية مغتربة في لندن وباريس في الثمانينات وبرزت الفضائيات في التسعينات، تغيرت الأمور، فمنذ ذلك الحين اصبحت الاخبار العربية والعالمية تقدم وتصاغ من وجهة نظر عربية، وتحلل باللغة العربية من محللين سياسيين عرب.
لم يعد المشاهد العربي يعتمد على مصادر الاخبار الغربية، بل اصبح في متناوله صحف وجرائد مثل "الحياة" و"القدس العربي" و"الخليج" وغيرها... ومن قنوات التلفزيون "الجزيرة" و"أبو ظبي" و"العربية" والـLBC و"المنار" وغيرها من الفضائيات الكبرى. وللمرة الاولى اصبحت وجهة النظر العربية هي المهيمنة في تقديم الاخبار العربية والعالمية وصوغها.
ومع هذه التطورات ازداد التباين والاختلاف بين وجهتي النظر العربية والغربية، وأصبح ممكناً رفع شعار "الرأي والرأي الآخر".
- وأخيراً السؤال الاساسي: ما هي امكانات التفاهم والمصالحة بين الموقف الغربي والموقف العربي/ الاسلامي في هذه المرحلة، "مرحلة الارهاب"؟
في الاجابة على هذا السؤال لن أتناول موقف رجل الشارع الغربي، بل سأركز على موقف المتنورين أي الاكاديميين والمثقفين الغربيين عموماً.
لقد تمكن العديد من هؤلاء من تجاوز النظرة المشوهة والمواقف العنصرية الغربية إزاء العرب والعالم الاسلامي، وتمكنوا من عبور الهوة التي تفصل بين العرب والغرب، لكنهم لا يزالون اقلية صغيرة. والواقع ان اكثرية الفئات الليبرالية في أميركا وأوروبا، حتى لو كان موقفها متفهماً ومسانداً للعرب والمسلمين، تتخذ عادة مواقف "محايدة" إزاء القضايا العربية الاساسية، مثلاً فلسطين والعراق.
أذكر بأسى وحزن تردد الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر بعد زيارته لفلسطين 1967 في إدانة اسرائيل لغزوها الاراضي الفلسطينية والعربية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. كان يود ان يحافظ على موقفه "المحايد" غير الملتزم.
وأذكر كذلك زيارة الفيلسوف الألماني يورغن هبرماس الى مصر في الثمانينات، ومحاضرته في القاهرة التي نشرت بالانكليزية في مجلة الاهرام والتي تناول فيها قضايا فلسفية عويصة لا علاقة لها بالأحداث المأسوية في الشرق الاوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي. وفي آخر التسعينات قام الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا برحلة مماثلة الى مصر، وألقى محاضرة تميزت بالغموض الكامل، ولم يأتِ ايضاً على ذكر فلسطين ولم يلمِّح للاحتلال الاسرائيلي.
ما المطلوب اذاً لتمكين المثقفين الغربيين من تجاوز مواقفهم "المحايدة" والبوح بكلمة الحق واتخاذ مواقف واضحة وشجاعة إزاء القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي؟ كيف يمكن الليبراليون المطلعون على حقيقة ما يجرى على ارض الواقع في فلسطين والعالم العربي والاسلامي والعراق التوصل مثلاً الى المستوى الاخلاقي الذي وصل اليه المراسل البريطاني روبرت فيسك في تحقيقاته الصحافية، وموقف تيسير علوني في تغطياته التلفزيونية للأحداث المأسوية في افغانستان والعراق؟
من الواضح اليوم ان امكان المصالحة الحقيقية بين العالمين العربي والغربي ضئيلة جداً، وتحقيقها يتطلب اكثر من حوار الحضارات. لذا من المتوقع استمرار تزايد نقمة الشعوب العربية وغضبها ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية الدائرة بفلكها، وان يستمر الصراع الدموي في فلسطين والعراق، الى ان يوضع حد للارهاب الدولي الذي تمثله اميركا واسرائيل. ووضع حد للارهاب الدولي لن يتم إلا اذا قرر الشعب الاميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة اخراج جورج بوش من منصبه وإقامة نظام اميركي جديد يقوم على الدستور والقانون الدولي والقيم الديموقراطية وحقوق الانسان. هذا إذا حصل سيعيد الأمل في بداية جديدة في أميركا وفي العالم أجمع.
((منقول بتصرف))