إن التركيب العمراني داخل النسيج الحضري خاضع في عمومه إلى المبدأ العمراني الشامل المتمثل في مبدأ التواصل العمراني, وهو في خصوصه يستجيب إلى قاعدتين حددتهما السنة النبوية الطاهرة في قوله صلى الله عليه وسلم :
- ( فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد)[1]
وقوله أيضا :
- (خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق)[2]
ففي الحديث الأول نجد أن النبي صلى الله عليه و سلم قد رغب في إنشاء البيوت بحيث تكون قريبة من المساجد وفضلها على البيوت البعيدة كفضل المحارب في سبيل الله على القاعد, وهذا بعكس ما هو متعارف عليه الآن, فالأماكن القريبة من المرافق والأسواق تكون ذات قيمة عقارية مرتفعة, وتكون وتيرة اعمارها جد متسارعة , في حين وعلى حسب ما أوردناه من السنة, فالإسقاط العمراني خاضع إلى مبدأ روحي محض. فكلما كان البيت قريبا من المسجد كان فضله اكبر, وكلما كان البيت بعيدا عن السوق كان فضله أعظم. فروح المضاربة والتنافس على الاعمار ها هنا عملية شريفة يرتقي معها الإنسان والعمران إلى مستوى التكريم والتكليف الذي خصه الله سبحانه وتعالى لبني آدم ألا وهما حمل الأمانة وخلافة الأرض واعمارها .
فروح التفضيل بين البيت والبيت الآخر هو ذاته بين الإنسان وأخيه في المجتمع الإسلامي القائم على تقوى الله والعمل الصالح , أي التقرب منه سبحانه وتعالى, وهو مثال حي لتلاحم وتشابك المقومات الروحية والمقومات الفيزيائية أو المادية على ارض الواقع.
وتسير السنة أيضا إلى التفضيل بين المساجد ودور العبادة والطهارة وبين الأسواق حيث أن الأولى تصفو النفوس فيها إلى عبادة الواحد الأحد, بينما الثانية على أهميتها في كسب العيش فإنها أماكن تنتزع الإنسان فيها هواجس عدة فيكون فيها اقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب.
وعليه إذا كانت الأسواق رمز للدنيا وبهرجتها فان المساجد رمز للآخرة وأزليتها, وما على الإنسان إلا أن يأخذ من دنياه ما يعينه على آخرته .
و من ثم نجد أن الإسقاط العمراني داخل المدينة هو انعكاس لمقومات الإنسان المسلم على أرضية الواقع بحيث تكون الماديات مطابقة في كنهها للمعنويات ومترابطة معها في تشكيل الفضاء الإسلامي المميز للمجتمع المسلم.
فالمسجد هو بيت الله سبحانه وتعالى, وهو الإسقاط المادي لعلاقة الإنسان بربه, فيه يرجع الإنسان إلى خالقه, فيشكره عن النعم, ويرجو منه الثواب والغفران. لذى كانت أولى خطوات النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هي إنشاء مسجد للعبادة يجتمع فيه المصلون.
وكان المسجد في صدر الإسلام زيادة على العبادة التي اختص بها, جامع لمهام أخرى, كالتدريس, وإدارة الحكم والقضاء, وجمع أموال الصدقات والزكاة وتوزيعها على المحتاجين . فكان مركز القرار ومنبع الانطلاق.
ولقد اكتسبت المساجد أهمية كبرى في تمييز الحياة لدى المسلمين. فتفننوا في عمارتها وزخرفتها حتى أضحت المعالم الرئيسية في دراسة العمارة والعمران لدى الشعوب والحقبات الإسلامية المتعاقبة وكان من ابرز خصائصها :
1- هيكلة المحيط العمراني
إضافة إلى كون المسجد وحدة معمارية مميزة, فانه يمتلك خاصية هيكلة النسيج العمراني وهذا نظرا لقيمته العقارية المستمدة من قيمته العقائدية والتي نلمسها في فضل البيوت والمساكن القريبة منه كما ورد في حديث النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث قال:
- فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد –
2 - خاصية الاجتذاب
حيث يشكل لوحده قطب اجتذاب لها تأثير مباشر على حركة السير داخل النسيج العمراني. فإلى جانب وظيفته الرئيسية والمتمثلة في عبادة الله سبحانه وتعالى.
فان المسجد في الصدر الأول للإسلام كان متعدد الوظائف والمهام كالحكم والقضاء والتعليم وتجميع الغنائم والأموال وتوزيعها الخ...
مما أهله دون شك لتشكيل قطب اجتذاب.
لذى تعددت منافذه ومخارجه وبالتالي تعددت الطرقات المؤدية منه وإليه, فقد ورد عن النبي انه ( كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره)رواه أبو هريرة.
3- خاصية الاطراد
فإلى جانب خاصية الاجتذاب هناك خاصية عكسية وهي الاطراد, وهذا ليكون التأثير في دينامكية المدينة أو القرية بصفة متواصلة ومستمرة.
فالعملية مشابهة لعملية القلب في جسم الإنسان فالأذين يمتص الدم والبطين يدفعه في دينامكية مستمرة تمنح القدرة على مواصلة الحياة.
ونلمس هذه الخاصية في قوله سبحانه وتعالى في سورة الجمعة:
( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله..)
فبعد تجميع الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى كما ورد في قوله ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )هناك خاصية لتفريقهم وطردهم لتحقيق الغاية الثانية وهي عمارة الأرض.
والى جانب كون هاتين الخاصيتين ظاهرة فلكية نلاحظها في حركة الأرض حول نفسها وتأثير القمر على المحيطات من حيث المد والجزر فهي كذالك بيولوجية في جسم الإنسان, وهي كذالك ظاهرة عمرانية تكتسبها الأقطاب المهيكلة للنسيج العمراني.
4- خاصية التمركز والتوحيد
حيث يعبر المسجد عن لب المعتقد وهو توحيد الله سبحانه وتعالى وبالتالي فان من خصائص المسجد هي وحدة المسلمين, ففيه تجتمع المواصفات العمرانية وتكملها المواصفات المشكلة لوجه العمارة ليعبر الكل بشكل واضح عن وحدة الله, ووحدة المسلمين روحيا وماديا.
فمركزية المسجد عمرانيا بحيث تحفه البيوت هو تعبير مادي, أو تزكية ودعما لتلك الوحدة المقدسة التي تربط المسلمين ببعضهم البعض مصداقا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا....)
لهذا رأينا كيف كان موقف المولى عز وجل حازما عندما سعى البعض إلى إنشاء مسجدا ضرارا في المدينة المنورة على غرار مسجد الرسول –صلى الله عليه وسلم – فجاءت الآية القرآنية رافضة لهاته الفوضى العمرانية التي ستمتد انعكاساتها السلبية لا محالة على عقيدة المسلمين ووحدتهم.
فتشكيل قطب عمراني آخر مبيت لتجميع المسلمين هو إرباك لطبيعة النسيج العمراني الذي يؤدي إلى خلل في وظائف المدينة وحركتها.
فمما تقدم فان الفشل الواضح في خلق فضاء عمراني متناسق يتلاءم وطبيعة شخصية الفرد المسلم مرده إلى تغيب دور المسجد من الحياة العامة وفقده لخصائصه العمرانية.
فالمسجد هو آخر ما يتم بناؤه أو التفكير في إنجازه داخل المدن , فيكون المكان غالبا بعيدا كل البعد عن إكسابه الخصائص الفيزيائية التي تؤهله لهيكلة الفضاء الإسلامي للمدينة ومما يجعله عاجزا عن تأدية وظيفته التربوية التعليمية على أحسن وجه
- ( فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد)[1]
وقوله أيضا :
- (خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق)[2]
ففي الحديث الأول نجد أن النبي صلى الله عليه و سلم قد رغب في إنشاء البيوت بحيث تكون قريبة من المساجد وفضلها على البيوت البعيدة كفضل المحارب في سبيل الله على القاعد, وهذا بعكس ما هو متعارف عليه الآن, فالأماكن القريبة من المرافق والأسواق تكون ذات قيمة عقارية مرتفعة, وتكون وتيرة اعمارها جد متسارعة , في حين وعلى حسب ما أوردناه من السنة, فالإسقاط العمراني خاضع إلى مبدأ روحي محض. فكلما كان البيت قريبا من المسجد كان فضله اكبر, وكلما كان البيت بعيدا عن السوق كان فضله أعظم. فروح المضاربة والتنافس على الاعمار ها هنا عملية شريفة يرتقي معها الإنسان والعمران إلى مستوى التكريم والتكليف الذي خصه الله سبحانه وتعالى لبني آدم ألا وهما حمل الأمانة وخلافة الأرض واعمارها .
فروح التفضيل بين البيت والبيت الآخر هو ذاته بين الإنسان وأخيه في المجتمع الإسلامي القائم على تقوى الله والعمل الصالح , أي التقرب منه سبحانه وتعالى, وهو مثال حي لتلاحم وتشابك المقومات الروحية والمقومات الفيزيائية أو المادية على ارض الواقع.
وتسير السنة أيضا إلى التفضيل بين المساجد ودور العبادة والطهارة وبين الأسواق حيث أن الأولى تصفو النفوس فيها إلى عبادة الواحد الأحد, بينما الثانية على أهميتها في كسب العيش فإنها أماكن تنتزع الإنسان فيها هواجس عدة فيكون فيها اقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب.
وعليه إذا كانت الأسواق رمز للدنيا وبهرجتها فان المساجد رمز للآخرة وأزليتها, وما على الإنسان إلا أن يأخذ من دنياه ما يعينه على آخرته .
و من ثم نجد أن الإسقاط العمراني داخل المدينة هو انعكاس لمقومات الإنسان المسلم على أرضية الواقع بحيث تكون الماديات مطابقة في كنهها للمعنويات ومترابطة معها في تشكيل الفضاء الإسلامي المميز للمجتمع المسلم.
فالمسجد هو بيت الله سبحانه وتعالى, وهو الإسقاط المادي لعلاقة الإنسان بربه, فيه يرجع الإنسان إلى خالقه, فيشكره عن النعم, ويرجو منه الثواب والغفران. لذى كانت أولى خطوات النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هي إنشاء مسجد للعبادة يجتمع فيه المصلون.
وكان المسجد في صدر الإسلام زيادة على العبادة التي اختص بها, جامع لمهام أخرى, كالتدريس, وإدارة الحكم والقضاء, وجمع أموال الصدقات والزكاة وتوزيعها على المحتاجين . فكان مركز القرار ومنبع الانطلاق.
ولقد اكتسبت المساجد أهمية كبرى في تمييز الحياة لدى المسلمين. فتفننوا في عمارتها وزخرفتها حتى أضحت المعالم الرئيسية في دراسة العمارة والعمران لدى الشعوب والحقبات الإسلامية المتعاقبة وكان من ابرز خصائصها :
1- هيكلة المحيط العمراني
إضافة إلى كون المسجد وحدة معمارية مميزة, فانه يمتلك خاصية هيكلة النسيج العمراني وهذا نظرا لقيمته العقارية المستمدة من قيمته العقائدية والتي نلمسها في فضل البيوت والمساكن القريبة منه كما ورد في حديث النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث قال:
- فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد –
2 - خاصية الاجتذاب
حيث يشكل لوحده قطب اجتذاب لها تأثير مباشر على حركة السير داخل النسيج العمراني. فإلى جانب وظيفته الرئيسية والمتمثلة في عبادة الله سبحانه وتعالى.
فان المسجد في الصدر الأول للإسلام كان متعدد الوظائف والمهام كالحكم والقضاء والتعليم وتجميع الغنائم والأموال وتوزيعها الخ...
مما أهله دون شك لتشكيل قطب اجتذاب.
لذى تعددت منافذه ومخارجه وبالتالي تعددت الطرقات المؤدية منه وإليه, فقد ورد عن النبي انه ( كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره)رواه أبو هريرة.
3- خاصية الاطراد
فإلى جانب خاصية الاجتذاب هناك خاصية عكسية وهي الاطراد, وهذا ليكون التأثير في دينامكية المدينة أو القرية بصفة متواصلة ومستمرة.
فالعملية مشابهة لعملية القلب في جسم الإنسان فالأذين يمتص الدم والبطين يدفعه في دينامكية مستمرة تمنح القدرة على مواصلة الحياة.
ونلمس هذه الخاصية في قوله سبحانه وتعالى في سورة الجمعة:
( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله..)
فبعد تجميع الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى كما ورد في قوله ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )هناك خاصية لتفريقهم وطردهم لتحقيق الغاية الثانية وهي عمارة الأرض.
والى جانب كون هاتين الخاصيتين ظاهرة فلكية نلاحظها في حركة الأرض حول نفسها وتأثير القمر على المحيطات من حيث المد والجزر فهي كذالك بيولوجية في جسم الإنسان, وهي كذالك ظاهرة عمرانية تكتسبها الأقطاب المهيكلة للنسيج العمراني.
4- خاصية التمركز والتوحيد
حيث يعبر المسجد عن لب المعتقد وهو توحيد الله سبحانه وتعالى وبالتالي فان من خصائص المسجد هي وحدة المسلمين, ففيه تجتمع المواصفات العمرانية وتكملها المواصفات المشكلة لوجه العمارة ليعبر الكل بشكل واضح عن وحدة الله, ووحدة المسلمين روحيا وماديا.
فمركزية المسجد عمرانيا بحيث تحفه البيوت هو تعبير مادي, أو تزكية ودعما لتلك الوحدة المقدسة التي تربط المسلمين ببعضهم البعض مصداقا لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا....)
لهذا رأينا كيف كان موقف المولى عز وجل حازما عندما سعى البعض إلى إنشاء مسجدا ضرارا في المدينة المنورة على غرار مسجد الرسول –صلى الله عليه وسلم – فجاءت الآية القرآنية رافضة لهاته الفوضى العمرانية التي ستمتد انعكاساتها السلبية لا محالة على عقيدة المسلمين ووحدتهم.
فتشكيل قطب عمراني آخر مبيت لتجميع المسلمين هو إرباك لطبيعة النسيج العمراني الذي يؤدي إلى خلل في وظائف المدينة وحركتها.
فمما تقدم فان الفشل الواضح في خلق فضاء عمراني متناسق يتلاءم وطبيعة شخصية الفرد المسلم مرده إلى تغيب دور المسجد من الحياة العامة وفقده لخصائصه العمرانية.
فالمسجد هو آخر ما يتم بناؤه أو التفكير في إنجازه داخل المدن , فيكون المكان غالبا بعيدا كل البعد عن إكسابه الخصائص الفيزيائية التي تؤهله لهيكلة الفضاء الإسلامي للمدينة ومما يجعله عاجزا عن تأدية وظيفته التربوية التعليمية على أحسن وجه