لكل بلد أو مجتمع أو بيئة ثقافة معينة في الأمثال والأقوال, ولابد أن
تتصور تلك البيئة أو أن تكون معايشا لها حتى تفهم الحكمة وحتى تتمثل المثل, أو
تقول لمن ترك قولا: هذا يحصل أو قد حصل, وقد تتشابه هذه الأمثال والأقوال ليس بين
بلد وآخر بل بين شعب وآخر إن لم يكن في حرفيتها فهو في مضمونها أو مدلولها..
وكم تلاقت أمثال الشعوب في الحكمة منها مهما كانت مغرقة في الزمن
لأنها من وحي الواقع أو من ضمير المحن.. ليست المحن التي تقع على الأفراد بل على
سائر البلد.
وأنا لا أقول إن هذه الأمثال والأقوال محصورة في دمشق, أو هي نابعة
منها تحديدا بل إن أكثرها مما يتداوله الناس بلا حساب أو مقياس, ولعلها منتشرة
بنصها في سائر المناطق السورية, وربما هي ممتدة إلى ما حول سورية بيئيا وجغرافيا.
وما سأقوله في هذه الأسطر القليلة إنما هو إيحاءات لما كان عليه
الحال فيما فات أو هو ما بين أيدينا أو ما هو آت.
من الأمثالالحكي يا كنة...واسمعي يا جارة).. يقال هذا المثل لمن لا
يريد أن يتوجه إلى خصمه بشكل مباشر وإنما يأتيه بسبيل آخر, كما لو أن الحماة ترفع
صوتها في التعنيف أو التكليف لكنتها مما يمكن أن تسمعه الجارة في تلك البيوت قديما
المتلاصقة والمتجاورة.
(مد لحافك على قد رجليك). يضرب هذا المثل للتوعية والتنبيه أن على
الإنسان ألا يتصرف ماديا إلا بما يتحمل حاله من وارد بحيث لا يكون في سلوكه أي
شارد, ( اللي ما بيشوف من المنخل أعمى).. يقال لمن لا يستطيع أن يدرك الأشياء ولو
صغرت ولو كانت من ثقب منخل, فهو محكوم عليه بأنه فقد البصر نهائيا, وهنا المقصود
إدراك الأشياء وفهمها.
وسلاسل الأمثال طويلة جدا, وها نحن نسمعها ليس في مداولات الناس بين
بعضهم بعضا بشكل عفوي وتلقائي بل حتى في الفلكلور المرصود.. أو في المسلسلات
والأفلام أيضا.
ولعل الأجيال ترددها دون أن تدرك بالضبط مغزاها, وكل ما تعرفه أن هذا
الكلام يقال في هذا المقام.
أما الأقوال فهي كثيرة جدا, ولعلها تفوق الأمثال كقولهمالرفيق قبل
الطريق), (الجار قبل الدار), (ضاعت الطاسة), وهنا لابد من الإشارة إلى (الحمّام)
قديما وتوزيع الأجران فيه بحيث تكون لكل جرن طاسة, فإذا ما ضاعت هذه الطاسة تعالى
الزعيق والبكاء من الأطفال وعمت الفوضى, (كل مين إيدو الو) وهذا القول دليل على أن
لا أحد ينضبط بأساس أو مقياس, فكل يفعل ما يريد.
ولست في وارد أن أسجل كل ما نتداوله ونعرفه من الأمثال والأقوال وإنما
هي إشارات عابرة لما تختزنه دمشق على توالي العصور من أمثال وأقوال تمتد إلى العصر
الجاهلي عمقا, وإلى المحيط العربي أفقا, حتى أن بعض هذه الأمثال والأقوال أصبحت من
صلب اللغة المتداولة ليس شعبيا أو في الكلام العادي بل حتى في الصحافة والأدب
كتعبيرات ناجزة المفروض أن يفهم إشارتها كل من يقرؤها أو يتداولها, كما في قولهم
مثلا: (كشف اللثام عن وجهه) إشارة إلى الفارس قديما عندما كان يبرز لخصمه, أو (عاد
بخفي حنين) ولهذا قصة طويلة ومغرقة في القدم كناية عن الخيبة والفشل.. أو قولهم
(جنت على نفسها براقش) فمن منا يعرف قصة براقش هذه ومن هي.. أو قرأ قصة (سينمار)
الذي لقي جزاء إتقانه لعمله, الموت المحقق والدمار?
فدمشق إذن ليست حاضنة للتاريخ فقط بل لكل ما جرى و يجري في التاريخ..
ليس تاريخها فحسب بل تاريخ أمم وشعوب من حولها.. ومما نقلته من حضارات غيرها.
قمر كيلاني - الثورة
تتصور تلك البيئة أو أن تكون معايشا لها حتى تفهم الحكمة وحتى تتمثل المثل, أو
تقول لمن ترك قولا: هذا يحصل أو قد حصل, وقد تتشابه هذه الأمثال والأقوال ليس بين
بلد وآخر بل بين شعب وآخر إن لم يكن في حرفيتها فهو في مضمونها أو مدلولها..
وكم تلاقت أمثال الشعوب في الحكمة منها مهما كانت مغرقة في الزمن
لأنها من وحي الواقع أو من ضمير المحن.. ليست المحن التي تقع على الأفراد بل على
سائر البلد.
وأنا لا أقول إن هذه الأمثال والأقوال محصورة في دمشق, أو هي نابعة
منها تحديدا بل إن أكثرها مما يتداوله الناس بلا حساب أو مقياس, ولعلها منتشرة
بنصها في سائر المناطق السورية, وربما هي ممتدة إلى ما حول سورية بيئيا وجغرافيا.
وما سأقوله في هذه الأسطر القليلة إنما هو إيحاءات لما كان عليه
الحال فيما فات أو هو ما بين أيدينا أو ما هو آت.
من الأمثالالحكي يا كنة...واسمعي يا جارة).. يقال هذا المثل لمن لا
يريد أن يتوجه إلى خصمه بشكل مباشر وإنما يأتيه بسبيل آخر, كما لو أن الحماة ترفع
صوتها في التعنيف أو التكليف لكنتها مما يمكن أن تسمعه الجارة في تلك البيوت قديما
المتلاصقة والمتجاورة.
(مد لحافك على قد رجليك). يضرب هذا المثل للتوعية والتنبيه أن على
الإنسان ألا يتصرف ماديا إلا بما يتحمل حاله من وارد بحيث لا يكون في سلوكه أي
شارد, ( اللي ما بيشوف من المنخل أعمى).. يقال لمن لا يستطيع أن يدرك الأشياء ولو
صغرت ولو كانت من ثقب منخل, فهو محكوم عليه بأنه فقد البصر نهائيا, وهنا المقصود
إدراك الأشياء وفهمها.
وسلاسل الأمثال طويلة جدا, وها نحن نسمعها ليس في مداولات الناس بين
بعضهم بعضا بشكل عفوي وتلقائي بل حتى في الفلكلور المرصود.. أو في المسلسلات
والأفلام أيضا.
ولعل الأجيال ترددها دون أن تدرك بالضبط مغزاها, وكل ما تعرفه أن هذا
الكلام يقال في هذا المقام.
أما الأقوال فهي كثيرة جدا, ولعلها تفوق الأمثال كقولهمالرفيق قبل
الطريق), (الجار قبل الدار), (ضاعت الطاسة), وهنا لابد من الإشارة إلى (الحمّام)
قديما وتوزيع الأجران فيه بحيث تكون لكل جرن طاسة, فإذا ما ضاعت هذه الطاسة تعالى
الزعيق والبكاء من الأطفال وعمت الفوضى, (كل مين إيدو الو) وهذا القول دليل على أن
لا أحد ينضبط بأساس أو مقياس, فكل يفعل ما يريد.
ولست في وارد أن أسجل كل ما نتداوله ونعرفه من الأمثال والأقوال وإنما
هي إشارات عابرة لما تختزنه دمشق على توالي العصور من أمثال وأقوال تمتد إلى العصر
الجاهلي عمقا, وإلى المحيط العربي أفقا, حتى أن بعض هذه الأمثال والأقوال أصبحت من
صلب اللغة المتداولة ليس شعبيا أو في الكلام العادي بل حتى في الصحافة والأدب
كتعبيرات ناجزة المفروض أن يفهم إشارتها كل من يقرؤها أو يتداولها, كما في قولهم
مثلا: (كشف اللثام عن وجهه) إشارة إلى الفارس قديما عندما كان يبرز لخصمه, أو (عاد
بخفي حنين) ولهذا قصة طويلة ومغرقة في القدم كناية عن الخيبة والفشل.. أو قولهم
(جنت على نفسها براقش) فمن منا يعرف قصة براقش هذه ومن هي.. أو قرأ قصة (سينمار)
الذي لقي جزاء إتقانه لعمله, الموت المحقق والدمار?
فدمشق إذن ليست حاضنة للتاريخ فقط بل لكل ما جرى و يجري في التاريخ..
ليس تاريخها فحسب بل تاريخ أمم وشعوب من حولها.. ومما نقلته من حضارات غيرها.
قمر كيلاني - الثورة