قد لا يعلم الكثيرون أن بيرم التونسي الشاعر الذي اشتهر بما غنّته السيدة أم كلثوم من شعره بالعامية المصرية هو أحد أربعة كتبوا المقامات في الأدب العربي
وهم بديع الزمان الهمذاني والحريري من القدماء و ناصيف اليا زجي وبيرم من المحدثين ورغم أن بيرم كتب مقاماته في بدايات القرن الماضي بعد أن أزاحت
القصة القصيرة و الرواية المقامة عن مكانتها لدى القراء فقد حققت مقاماته نجاحاً كبيراً لسبكه العامية و الفصحى بأسلوب رائع جعل كبار المفكرين و أبسط
القراء يجدون المتعة نفسها في قراءة هذه المقامات .
وهذه إحدى مقامات بيرم (المقامة الباريسية)وبطلها شيخٌ بسيطٌ انتقل فجأة من بؤس الكبت والحرمان إلى باريس . أرجو أن تنال إعجابكم
قال عـنجر بن خليجان :
كُتبَ الحظُ لِلعمة.. وطلبت السّفاراتُ أئمّة.. فاختاروا من المشايخ ثمانية أنفار.. ووقفوهم للانتخاب والاختبار.. لأنه لا يجوز الذهاب إلى أوروبا.. إلا لمن تهذب و تربى..
فجعلوا يفحصون الأجسام.. ويتأملون الشكل و القوام.. ويختبرون الكفاءات.. و يسألون عن الآباء والأمهات.. فكانت النتيجة كما هو آت :
الشيخ عطعوط: وجـدوه مـكلبظـاً وقـفـاهُ أحمرُ كالذّبيحةِ المسلوخة
الشيخ عبد الموجود: جسمه ضامـرٌ كعـنزٍ هزيلٍ وعليه عـمامةٌ منفوخـة
و عبد المقصود: أهرتُ الشّـدقِ أسـودُ النّـابِ فمهُ النتنُ ماضغاً فاسوخة
راضي رضوان: فيلسوف أرخى على الصّدر منه لحيةً ذيلها كذيل الفسيخة
عبد ربّه رشوان : أحـدب الظـهرِ زره مستـقيـمٌ فهو عودٌ وزرهُ زمبوخة
مهران الشندويلي: أبصروه يخبُّ في كـلّ لـونٍ فنفوه وأكثروا توبيخه
عبد الباسط زهران: جاء في الصّف هارشاً كلّ عضوٍ لم يدع رجله ولا يافوخه
قال : فأسقطوا هؤلاء النفر.. واختاروني للسفر.. وذلك لما رأوه من علم غزير.. وأدب كثير.. فضلاً عن القفطان والحزام الحرير. فقطعوا لي التذكرة.. وسافرت في أول باخرة..
فخرج المشايخ لوداعي.. وهم يودون هدمي و اقتلاعي.
ثمّ وصلنا إلى الوظيفة.. في سفارة باريس المنيفة.. فاستقبلني السفير في الصالون.. وأجلسني على ما يسمى بالشازلون.. ثمّ قال :
اعلم أننا لم نستحضرك للسجود و الركوع.. ولكن ليتمّ بك الموضوع .. والسفارة جعلت للأبّهة والفخار.. لا للنّفع و الاتجار.. و يلزمها خيرة الموظفين.. و خيرة البوّابين..
وخيرة رجال الدّين..ولا يلزمنا من العمل إلا الذّهاب والإياب..والوقوف على الأبواب.. حتى إذا قيل لمن هذا القصر.. ؟ قيل هذه سفارة مصر.. أفهمت ؟ قلت : فهمت
قال: قم الآن إلى عبد البصير.. السكرتير.. ليبحث لك عن مسكن.. ويساعدك ما أمكن.. قال: فذهبت إلى عبد البصير.. ذلكم السكرتير.. واشترينا ملابس إفرنجية.. لأستغني عن الجبة و الفرجية..
وذلك مثل الجاكتة و البنطلون.. والفانيلا والقالسون.. وقميصاً وقبعة.. ومناديل أربعة.. ثم أجرنا أبارطمان.. أصحابه نسوان.. فمكثت أسبوعا للراحة من السفر.. ولأتبيّن البيت ومن فيه من البشر..
وقد اكتشفت إحدى العبر.. وإليك الخبر:
دخلت عندي صاحبة البيت لابسةً لبس الرجال.. حالقة سوالفها والقذال.. وجلست على (الفوتيّ).. وهي بهذا الزّي.. ثم وضعت رجلاً فوق أخرى.. فحسبتها تريد بي سخرا .. وانطلقت الى السفارة.. وسألت السكرتير عن هذه العبارة .. قلت:
هل تلبسُ النسوانُ في خلواتها لبس الرجال ومثلهم تتقمطُ
أبصرت ربة منزلي وثيابها مثلي ومثلـك أم تراني أغلـط
فقال وما هو هذا اللباس فقلت :
هو بنطلونٌ فوقه جاكتّـةٌ مفتوحةٌ منها النهود تلعـلـطُ
زرقاء كالبحر المموّج متنها سيراء بالقلم العريض تخطّـطُ
فابتسم , فقلت :
أفكان سخراً ذاك أم هي عادةٌ قل لي .فعقلي منذ ذاك ملخبطُ
فضحك وقال هذه بجامة..فقلت:
إن كان هذا فالبجامةُ شكلها -في مذهبي- شكلٌ يسرُ ويبسطُ
فقال هل أعجبتك ؟ قلت:
لفّاء كالتّمثال حتّى خلتها من مقلتي-لا من يدي- تتزفلطُ
فقال دعنا من ذلك ...و انظر ما هنالك.
لقد جاء أربعةٌ من الطّـلبة يسألون عنك ..ولا أدري ماذا يريدون منك. يقول أحدهم أنه من إنشاص..والثاني ابن عمدة دماص..والاثنان الآخران..يقولان.. إنهما من أبناء الأعيان.
فلمّا رأيتهم اخوانك..أعطيتهم عنوانك..وكأني بهم الآن في دارك..جالسين في انتظارك.قال ابن خليجان: فانطلقت كالسهم..بوجهٍ جهم..لأطرد هؤلاء الضيوف..بالمعروف..أو بالمتلوف..
لأنَّ أبناءَ العمد..و مشايخ البلد..إذا أبصروا مثل هذه المدامة..في هذه البجامة..فلن يخرجوا إلى يوم القيامة.
وهم بديع الزمان الهمذاني والحريري من القدماء و ناصيف اليا زجي وبيرم من المحدثين ورغم أن بيرم كتب مقاماته في بدايات القرن الماضي بعد أن أزاحت
القصة القصيرة و الرواية المقامة عن مكانتها لدى القراء فقد حققت مقاماته نجاحاً كبيراً لسبكه العامية و الفصحى بأسلوب رائع جعل كبار المفكرين و أبسط
القراء يجدون المتعة نفسها في قراءة هذه المقامات .
وهذه إحدى مقامات بيرم (المقامة الباريسية)وبطلها شيخٌ بسيطٌ انتقل فجأة من بؤس الكبت والحرمان إلى باريس . أرجو أن تنال إعجابكم
قال عـنجر بن خليجان :
كُتبَ الحظُ لِلعمة.. وطلبت السّفاراتُ أئمّة.. فاختاروا من المشايخ ثمانية أنفار.. ووقفوهم للانتخاب والاختبار.. لأنه لا يجوز الذهاب إلى أوروبا.. إلا لمن تهذب و تربى..
فجعلوا يفحصون الأجسام.. ويتأملون الشكل و القوام.. ويختبرون الكفاءات.. و يسألون عن الآباء والأمهات.. فكانت النتيجة كما هو آت :
الشيخ عطعوط: وجـدوه مـكلبظـاً وقـفـاهُ أحمرُ كالذّبيحةِ المسلوخة
الشيخ عبد الموجود: جسمه ضامـرٌ كعـنزٍ هزيلٍ وعليه عـمامةٌ منفوخـة
و عبد المقصود: أهرتُ الشّـدقِ أسـودُ النّـابِ فمهُ النتنُ ماضغاً فاسوخة
راضي رضوان: فيلسوف أرخى على الصّدر منه لحيةً ذيلها كذيل الفسيخة
عبد ربّه رشوان : أحـدب الظـهرِ زره مستـقيـمٌ فهو عودٌ وزرهُ زمبوخة
مهران الشندويلي: أبصروه يخبُّ في كـلّ لـونٍ فنفوه وأكثروا توبيخه
عبد الباسط زهران: جاء في الصّف هارشاً كلّ عضوٍ لم يدع رجله ولا يافوخه
قال : فأسقطوا هؤلاء النفر.. واختاروني للسفر.. وذلك لما رأوه من علم غزير.. وأدب كثير.. فضلاً عن القفطان والحزام الحرير. فقطعوا لي التذكرة.. وسافرت في أول باخرة..
فخرج المشايخ لوداعي.. وهم يودون هدمي و اقتلاعي.
ثمّ وصلنا إلى الوظيفة.. في سفارة باريس المنيفة.. فاستقبلني السفير في الصالون.. وأجلسني على ما يسمى بالشازلون.. ثمّ قال :
اعلم أننا لم نستحضرك للسجود و الركوع.. ولكن ليتمّ بك الموضوع .. والسفارة جعلت للأبّهة والفخار.. لا للنّفع و الاتجار.. و يلزمها خيرة الموظفين.. و خيرة البوّابين..
وخيرة رجال الدّين..ولا يلزمنا من العمل إلا الذّهاب والإياب..والوقوف على الأبواب.. حتى إذا قيل لمن هذا القصر.. ؟ قيل هذه سفارة مصر.. أفهمت ؟ قلت : فهمت
قال: قم الآن إلى عبد البصير.. السكرتير.. ليبحث لك عن مسكن.. ويساعدك ما أمكن.. قال: فذهبت إلى عبد البصير.. ذلكم السكرتير.. واشترينا ملابس إفرنجية.. لأستغني عن الجبة و الفرجية..
وذلك مثل الجاكتة و البنطلون.. والفانيلا والقالسون.. وقميصاً وقبعة.. ومناديل أربعة.. ثم أجرنا أبارطمان.. أصحابه نسوان.. فمكثت أسبوعا للراحة من السفر.. ولأتبيّن البيت ومن فيه من البشر..
وقد اكتشفت إحدى العبر.. وإليك الخبر:
دخلت عندي صاحبة البيت لابسةً لبس الرجال.. حالقة سوالفها والقذال.. وجلست على (الفوتيّ).. وهي بهذا الزّي.. ثم وضعت رجلاً فوق أخرى.. فحسبتها تريد بي سخرا .. وانطلقت الى السفارة.. وسألت السكرتير عن هذه العبارة .. قلت:
هل تلبسُ النسوانُ في خلواتها لبس الرجال ومثلهم تتقمطُ
أبصرت ربة منزلي وثيابها مثلي ومثلـك أم تراني أغلـط
فقال وما هو هذا اللباس فقلت :
هو بنطلونٌ فوقه جاكتّـةٌ مفتوحةٌ منها النهود تلعـلـطُ
زرقاء كالبحر المموّج متنها سيراء بالقلم العريض تخطّـطُ
فابتسم , فقلت :
أفكان سخراً ذاك أم هي عادةٌ قل لي .فعقلي منذ ذاك ملخبطُ
فضحك وقال هذه بجامة..فقلت:
إن كان هذا فالبجامةُ شكلها -في مذهبي- شكلٌ يسرُ ويبسطُ
فقال هل أعجبتك ؟ قلت:
لفّاء كالتّمثال حتّى خلتها من مقلتي-لا من يدي- تتزفلطُ
فقال دعنا من ذلك ...و انظر ما هنالك.
لقد جاء أربعةٌ من الطّـلبة يسألون عنك ..ولا أدري ماذا يريدون منك. يقول أحدهم أنه من إنشاص..والثاني ابن عمدة دماص..والاثنان الآخران..يقولان.. إنهما من أبناء الأعيان.
فلمّا رأيتهم اخوانك..أعطيتهم عنوانك..وكأني بهم الآن في دارك..جالسين في انتظارك.قال ابن خليجان: فانطلقت كالسهم..بوجهٍ جهم..لأطرد هؤلاء الضيوف..بالمعروف..أو بالمتلوف..
لأنَّ أبناءَ العمد..و مشايخ البلد..إذا أبصروا مثل هذه المدامة..في هذه البجامة..فلن يخرجوا إلى يوم القيامة.