لعلّ نظرية النظم الموسيقي في القرآن ظهرت على يد الكاتب مصطفى صادق الرافعي , وكتّاب كثيرين من بعده في القرن العشرين التي بدأها من الحرف يقول :
" الحرف الواحد من القرآن معجز في موضعه لأنه يمسك الكلمة التي هو فيها , ليمسك الآية والآيات الكثيرة , وهذا هو سرّ إعجاز جملته إعجازاً أبدياً , فهو أمرٌ يفوق الطبيعة الإنسانية "
إلا أنّ باحثين آخرين تجاوزوا ما جاء به الرافعي إلى ما أسموه بالموسيقى الداخلية في نظم الآية القرآنية , ورأوا في ذلك سراً من أعمق أسرار التركيب القرآني فهو ليس بالشعر ولا بالنثر ولا بالكلام المسموع , وإنّما هو بناء خاص من الألفاظ رُصِفَتْ بطريقة تكشفُ عن الموسيقى الباطنية فيه , وقد يكون هذا الأمر هو السبب الّذي أدّى بالوليد ابن المغيرة إلى أن يجد فيه حلاوة وطلاوة برغم كفره , فانظر إلى قوله تعالى :
( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء واستوت على الجوديّ ) " 1 "
فنجد ثقل الكلمات , فكل لفظة لها ثقل الجبال ووقع الرعود إلى قوله تعالى :
(واستوت على الجوديّ وقيل بعداً للقوم الظالمين ) " 2 "
لنجد الصمت والهدوء والسكون بعد أن كفَّت الطبيعة عن الغضب ووصلت القصّة إلى نهايتها ..
ولذلك فإن الموسيقى الداّخلية ليست هي كلّ ما انفردت به العبارة القرآنيّة , لكننا نجد مع تلك الموسيقى الجلال والعبارة البسيطة الّتي تؤدي إلى المعنى العظيم الكبير .
" 1 " , " 2 " : سورة هود ( 44 )