والاستيطان البشري في سهل عكار
تقع مدينة عمريت الأثرية جنوبي طرطوس على بعد 7 كم أما الآن فهي ضاحية منها , يخترقها نهر صغير معروف باسم نهر عمريت أو نهر مارتياس , وتمتد على مساحة تقدر بستة كيلومترات مربعة , وتعتبر من أبرز مدن الساحل الكنعاني – الفينيقي , ويذكر أريان أنها كانت الميدنة الرئيسية في القسم القاري من مملكة أرواد
- دلت التنقيبات الأثرية على أنها تأسست وسكنت من قبل الآموريين في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد .
- ورد ذكرها في حملات تحوتمس الثالث تحت اسم قرط عمروت , وذكرها مؤرخو الاسكندر باسم / ماراتوس / قائلين أنها مدينة مزدهرة جداً ولعلها من أكبر مدائن الشرق .
- كانت خاضعة لجزيرة أرواد وتؤلف معها حلفاً ضم كل من بالتوس ( عرب الملك ) بالانيا ( بانياس ) وكارنة ( القرنين ) كما كانت مركز توسع للأرواديين على الشاطئ ويقيمون فيها مساكنهم ومخازنهم ومصانعهم ومقابرهم , بدليل الأنقاض المتناثرة على مساحات كبيرة فيها , والدلائل تشير الى وجود ميناء ردم نتيجة المجروفات والرمال المتجمعة عند مصب الجدول
- ازدهرت زمن الحكم الفرنسي ونمنت عندما جاء الاسكندر ووجدها كبيرة وغنية , وفيها استقبل مبعوثي الملك والدبلوماسية العنيفة بينهما .
- تحررت عمريت من سيطرة أرواد الأم في أواخر القرن الثالث وبالتحديد / 219 / قيب الميلاد , وباعدت الضغائن والأحقاد بينهما فما كان من الأرواديين – كما يروي ديور الصقلي اٍلاّ أن دمروها في منتصف القرن الثاني سنة
/148 / ق . م , وبعدها ذكر استرابون عمريت المدينة المهدمة وأن الأرواديون تقاسموا أرضها .
- فقدت عمريت منزلتها خلال العصر الروماني الأول , ثم عادت لتبني مجدها في أواخر هذا العصر والعصر البيزنطي , وهذا مادلت عليه النتائج الأولية لتنقيبات عام 1992 . ثم أهملت وأخذ الصليبيون يستعملون حجارة منشآتها في تحصينات مدينة طرطوس وأرواد وغيرها , وأضبحت بذلك عبارة عن مقلع سهل للحجارة حتى عهد قريب .
-زار عمريت الرحالة بوكوك عام 1745 م , وسجل بعض مشاهداته . كما أتاها أرنست رينان عام 1860 م وقام باٍجراء تحريات أثرية , وفي عام 1926 م قام موريسدونان بتنقيبات أثرية في مستودع المقدسات , وعثر على مجموعة من التمتثيل النذرية وتوالت تنقيبات المديرية العامة للآثار والمتاحف يمثلها الدكتور عدنان البني والأستاذ نسيب صليبي , وتابعت بدوري أعمال الترميم والتنقيب فيها لعدة مواسم .
- رفدت آثار عمريت الكثير من المتاحف في فرنسا / اللوفر / , لبنان / متحف بيروت , متحف الجامعة الأمريكية /
وفي القطر العربي السوري / المتحف الوطني في دمشق – متحف طرطوس / .
الفن في عمريت
بالرغم من حجارة عمريت الرملية والتي لاتسمح بالزينة اٍلا فيما ندر , فقد قدمت الكثير من القطع الضخمة التي تحمل طراز من الزينة , بينما حجارة التماثيل جلبت من مناطق مختلفة . وشهد فن البناء والنحت فيها تطوراً ملموساً يدل على عظمة هذه المدينة واعتمد في ذلك الحفر في الصخر وعدم استخدام المواد اللاصقة واستبدالها بالرصاص أحياناً , ومبدأ الثقالة , ويظهر هذا بوضوح في المعبد والمدافن والملعب وموقع الكنيسة وبرج البزاق .
أما الزخرفة بالشراريف والسباع المنحوتة الجاثمة فتأثرت بالطراز المصري والفارسي واليوناني حيث كان هذا الشاطئ ملتقى الحضارات الهامة عن طريق البحر واستمرار الروابط التجارية أو الحروب والغزوات .
أما بالنسبة لتماثيل الآلهة والأشخاص فقد تأثرت بالفن المصري سواء باللباس والزينة أو بتعابير الوجه والوقوف على كامل مشط القدم , ونجده جلياً في تماثيل ملكاوت وأبو الهول وغيرها , وكذلك التوابيت التي على هيئة انسان التي اكتشفت مؤخراً في المنطقة عام 1994 – 1989 جمعت من عناصر مصرية ويونانية وتدمرية بطرقة مميزة للفن الفينيقي وترجع بتاريخها الى القرن الخامس قبل الميلاد . وتواصلت الاكتشافات الفنية حتى شملت العهد البيزنطي , وفي عام 1976 تم العثور على لوحة من الفسيفساء في منطقة المشتل الزراعي على بعد حوالي 100 م من نهر ماراتوس محافظة على شكلها الطبيعي حتى الآن وحجيرات فسيفسلئية مبعثرة في مناطق مختلفة من عمريت وتعود حتى القرن 4 – 3 الميلادي .
نقود عمريت
ظهر في عمريت الكثير من النقود الأروادية في الأراضي المتشرة على مساحات واسعة كما ضربت فيها نقود باسم ماراتوس في فترات زمنية مختلفة في القرن الثالث والثاني قبل الميلاد مما يدل على أنها كانت ذات مكانة اقتصادية هامة وظهر عليها صورة اه ملتح متوج باكليل من الغار , وهذا مايشير الى الاله زيوس اله العاصفة ( قديس الكون ) وأسكليبوس الاله الشافي , وهرمز يمسك صولجان عليه ثعبانان في أعلاه جناحان , وكذلك أبولون .
الوجه : يحمل رأس تيكي من الجهة اليمنى يلبس تاجاً , وعلى الوجه الآخر يظهر عمريت رئيس الآلهة ومؤسس عمريت حسب الأسطورة على تلة دفاعية دائرية عار ذو ستارة في الوسط , وعلى يمين الحقل السفلي يظهر اسم عمريت باللغة اليونانية وعلى اليسار التاريخ والأرقام .
الديانـــة
عرفت عمريت عدداً كبيراً من الآلهة وكرمتها , ودلت عليها النقود والمنحوتات فيها مثل / زيوس – أسكليبيوس – هرمز – أبولون / وشارك المارتوسيون الى جانب الأرواديين في ديلوس بالاحتفالات وأعياد ( أبولونيا ) , ونتيجة لهذا الاتصال حمل بعض الناس في عمريت اسم أبولون كما نجد التماثيل الحجرية خاصة / ملكارت – هركلس – أبو الهول – أم اهول – ورؤوس كهنة / وهناك أيضاً النقش الوجيز الذي مجد على مسلة فيها يرجع تاريخها الى القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد يقفها المقرب لربه شدرافا لأنه سمع صوت سيده , ومثل هذا النقش أقدم ذكر لشدرافا الذي يرد اسمه في ذلك النقوش الفينيقية والتدمرية والإفريقية التي عثر عليها في سورية تحت اسم / سترابيز / ويبدو الاسم مؤلف من عنصرين يعنيان معاً ( روح الشفاء )
أما الطقوس الدينية وعملية الطواف في المعبد كانت تمارس أحياناً بواسطة الزوارق وقد دلت نتائج مواسم التنقيب المتعاقبة على وجود الكثير من التماثيل وأجزاء التماثيل النذرية , وهي تعطي فكرة واضحة عن الأشخاص ووضعهم الاجتماعي وكل حسب اٍمكاناته , يقدمون القرابين للآلهة ( حيوان – رمانة – حرة – حمامة ) وأحياناً طفل اذا دهت القوم دهياء عظيمة .
المصدر من موقع:www.tartoos.com