دمشق
صحيفة تشرين
تحقيقات
الأربعاء 15 تموز 2009
رفاه نيوف
يطلق سكان مدينة بانياس وريفها صرخة مدوية لعلها تجد آذاناً صاغية بعد صرخات كثيرة لمعاناتهم القديمة والمتجددة من تلوث الهواء في هذه المدينة السياحية الجميلة والوادعة، مع غياب المعالجات في عروس التلوث «هكذا يطلق عليها حالياً من قبل سكانها» الذين ضاقوا ذرعاً ولم يعودوا قادرين على التحمل مع ازدياد الأمراض القلبية والسرطانية، ماذا يقولون وماذا تقول الإحصائيات وهل من إجراءات جديدة؟!
صحيفة تشرين
تحقيقات
الأربعاء 15 تموز 2009
رفاه نيوف
يطلق سكان مدينة بانياس وريفها صرخة مدوية لعلها تجد آذاناً صاغية بعد صرخات كثيرة لمعاناتهم القديمة والمتجددة من تلوث الهواء في هذه المدينة السياحية الجميلة والوادعة، مع غياب المعالجات في عروس التلوث «هكذا يطلق عليها حالياً من قبل سكانها» الذين ضاقوا ذرعاً ولم يعودوا قادرين على التحمل مع ازدياد الأمراض القلبية والسرطانية، ماذا يقولون وماذا تقول الإحصائيات وهل من إجراءات جديدة؟!
مدينة ملوثة
مدينة بانياس من أكثر المدن السورية تلوثاً بالهواء الذي يعتبر من أهم المشكلات المعاصرة التي تهدد حياة الإنسان وبيئته إذ يدخل إلى رئتي الإنسان يومياً حوالي 15 كغ من الهواء فإذا تلوث الهواء فإنه يسبب كما هو معروف أمطاراً حامضية واندثار طبقة الأوزون، وأهم ملوثات الهواء في بانياس وريفها -كما أفادنا المهندس حسن مرجان مدير البيئة بطرطوس- المحطة الحرارية ومصفاة بانياس، فمحطة توليد كهرباء بانياس تتكون من أربع مجموعات من الطاقة العظمى لكل مجموعة 170 ميغاواطاً، وسرعة خروج الغازات من المدخنة 20 م/ثا وحرارة غازات الاحتراق إلى المدخنة 150مْ... أما غازات الاحتراق وتحتوي على ثلاثة ملوثات وهي أكاسيد الكبريت – اكاسيد الآزوت – الرماد الصناعي هذه الغازات تنطلق في الجو وتشكل (أحماضاً وأملاحاً) تسقط على النبات الذي يمتصها، والذي يتناوله الإنسان وهنا تكمن الخطورة... ومصفاة بانياس لها التأثير نفسه تقريباً ولا حل جذرياً لهاتين المنشأتين اللتين تعملان على الفيول بمواصفاته المعروفة بارتفاع نسبة الكبريت والآزوت إلا بتشغيلهما على الغاز. وأضاف المهندس مرجان: إن المديرية حتى اليوم ليس لديها قياسات دقيقة لتلوث الهواء وحالياً تعمل لاستقدام محطة لرصد ملوثات الهواء بجميع أنواعه بكلفة 20 مليون ل.س التي ستكون الأساس المعتمد في تطبيق قانون حماية البيئة فيما يخص الانبعاثات الغازية والغبار... أما مصفاة بانياس فحالياً تنتظر منحة من بنك الاستثمار الأوروبي لإعادة تأهيل الحوض البيولوجي الذي يلوث الهواء علماً بأن المصفاة تقوم بإضافة محسنات احتراق للتخفيف من الانبعاثات الغازية.
ما فائدة الكلام؟
ينزل علينا هباب الفحم مع بداية الصيف مثل زخات المطر حتى بات يشاركنا طعامنا – ثيابنا– منازلنا، والأهم من هذا كله الهواء الذي يشكل استمرارية حياتنا... هذا أقل الكلام الذي صدر عن كل الذين التقيناهم من نساء ورجال وشباب وأطفال فالسيدة صفاء قالت:
لم نعد نطيق هذه الحالة وما فائدة الكلام والكتابة، كتب الكثير في الصحف تفاءلنا وانتظرنا الحل القريب أو إجراءات ملموسة لتخفيف التلوث والذي حصل العكس فاليوم يزداد انطلاق هباب الفحم بشكل واضح وجلي... ويضيف السيد أبو وسيم أحمد: إلى متى ننتظر المعالجات الحكومية المتأخرة هل يريدوننا أن نهجر منازلنا... أما السيد سلمان علي فقال: علينا العمل للمحافظة على أجيالنا القادمة من التلوث الذي يزداد يوماً بعد يوم.. . وتمنت السيدة فيحاء أن تعود مدينة بانياس إلى سابق عهدها من النقاء وأن تذهب تلك المنشآت التي تعكر سماء بانياس وسكانها، أما السيد خالد حيدر فقال: إن التحدي الأكبر أمامنا -كسكان لمدينة بانياس- تلوث الهواء الذي فعل فعله في كل شيء فهباب الفحم تراه عيننا المجردة وقد أحال ملابسنا البيضاء إلى سوداء والمشكلة الأكثر خطورة هي اللامبالاة من قبل الجهات المعنية حيال ما يشكله من مخاطر على الصحة... ويضيف: ربما يقول قائل: إن للصناعة ضرائب يجب أن تدفع وهذا صحيح إلا أن من تكبد ويتكبد هذه المخاطر على حياته وحياة أطفاله يجب أن نعترف له بذلك ونسعى لتعويضه عن طريق معالجة التلوث لأن الأوكسجين حق لكل إنسان فحياته ترتبط باستمراريته.
السرطانات ضمن
النورم العالمي
وجّهنا سؤالاً إلى مديرية صحة طرطوس حول معدل انتشار السرطانات في مدينة بانياس والأمراض الأخرى (القلبية والتنفسية)، وما علاقة ملوثات الهواء بارتفاع الإصابات التي يلاحظها كل إنسان فكان الجواب: إن معدل انتشار السرطانات في محافظة طرطوس خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة كالتالي:
عام 2006 كانت 534 إصابة
عام 2007 كانت 535 إصابة
عام 2008 كانت 461 إصابة
أي أن معدل انتشار الإصابات لعام 2008 كان 61.5 إصابة على 100000نسمة وهي نسبة قريبة من النورم العالمي... أما في منطقة بانياس فتم تسجيل 45 إصابة لكل 100000نسمة لعام 2008 أي أن معدل انتشار الإصابات ضمن النورم العالمي...
وتضيف مديرية الصحة: إن تلوث الهواء في مدينة بانياس وغيرها من المدن له تأثير كبير على الصحة وزيادة نسبة السرطان. هذه النسب كما أبدى الكثير ممن التقيناهم غير مقنعة وغير دقيقة فعدد كبير من المرضى يتعالجون على حسابهم الخاص وآخرون يذهبون خارج القطر أو خارج المحافظة، هنا يظن بأن النسبة أكبر مما ذكر.
آثار خطيرة
وللوقوف عند آثار تلوث الهواء علمياً واستناداً إلى وثائق ومراجع مختصة التقينا عدداً من الأطباء... وعن المنعكسات يقول الدكتور منذر الشري اختصاصي أمراض جهاز الهضم من أبناء وسكان مدينة بانياس: إن أكاسيد الكبريت المنبعثة مع دخان المعامل لها تأثيرات سلبية وأحياناً سمية على بعض عناصر الدم كالكريات البيض والحمر وتؤدي إلى تخريش في الطرق التنفسية العليا وقد يتأثر حس الذوق والشم ويحدث تليف أو التهاب قصبات مزمن أما أول أكسيد الآزوت مع ما يحمله من مركبات هيدروكربونية غير محترقة مع بعض الحبيبات الدقيقة العالقة في الهواء فيؤدي إلى تلوث شديد في الهواء ومن ثم إلى التهابات وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة وتليف الرئة وربما أورام الرئة أحياناً... أما هباب الفحم فيسبب أمراض جهاز التنفس ويدمر أنسجة الرئة ويؤثر على العينين ويصنف ضمن المخرشات.
وأكدت الدكتورة أحلام مصطفى اختصاصية عصبية أن تلوث الهواء له تأثيرات على الجملة العصبية عند الإنسان بسبب إحداث هذه الأكاسيد تغييرات في الدوران الدماغي وربما نقص أوكسجين الدماغ.
الدكتور صلاح رقية أضاف: من خلال عملي كاختصاصي داخلية قلبية أؤكد أن التلوث أكبر من أي تصور، فأينما ينظر الإنسان يلاحظ الغازات المنبعثة والدخان الأسود وأينما يقف يستنشق روائح كريهة... وتساءل: هل القائمون والمعنيون يعملون أو يخططون للمعالجة التي نأمل أن نراها في القريب العاجل.
السياحة والتلوث
مدينة بانياس وجبلها مدينة سياحية بامتياز بما تحويه من شاطئ رملي جميل وغابات وجبال خضراء مع إرثها الحضاري العريق ومواقعها الأثرية الهامة كقلعة المرقب كل هذا لم يغفر لها لتأخذ حقها من الاستثمارات السياحية وبالتالي صناعة سياحة متطورة والسبب يعود كما هو معروف لدى الجميع التلوث الذي يبعد الكثيرين عن الاستثمار بها... والحق يقال: هل تجتمع السياحة والتلوث وإلى متى؟!
أخيراً
شكوى سكان مدينة بانياس وريفها القريب كبيرة وجرحهم أكبر من أن تنقله في تحقيق صحفي فلكل ساكن في هذه المدينة معاناته وتخوفه وآلامه، أما الأمل للوصول إلى حل قريب فهو بعيد المنال بالنسبة لهم بعد انتظار طال سنوات دون أن يحرك أحد ساكناً.
بدورنا نقول: يبقى الأمل قائماً بأن تسعى الجهات المعنية لتحقيق حياة آمنة للسكان بمعالجة التلوث الذي طال البشر والشجر والحجر، هذا التلوث الذي يرخي بظلاله الثقيلة على كل شيئ ويقف في وجه الاستثمارات السياحية في بقعة ساحلية جميلة فهل نشهد إجراءات عملية ملموسة في القريب العاجل؟
ت: عدنان سلامي